قرار “المركزي” المنفرد متأخر مجتزأ ومشوّه

المشكلة بقرارات السلطة على مختلف تلاوينها لا تقتصر على كونها خاطئة معظم الأوقات، إنما يُراد منها باطل حتى عندما تكون محقة. فقرار “المركزي” بوقف تمويل السلع الذي لم يعد من مفر منه، لم يأت بحسب متابعين بـ”هدف حماية التوظيفات وتحفيز الانتقال إلى دعم المواطنين بدل السلع، إنما نتيجة واحد من الأسباب التالية، أو كلها مجتمعة، وهي: ردة فعل على تخييره بين الإستمرار في الدعم أو رفعه كلياً من قبل وزير الطاقة. مهرب من عدم الإعتراف المباشر بعدم امتلاكه عملة صعبة يدعي أنها أصبحت محصورة بالتوظيفات الإلزامية. لاجبار السلطة السياسية على إعطائه صك براءة عن مسه بالإحتياطي طيلة الفترة الماضية، بدليل تأكيده في رده على رد الحكومة أن “المساس بهذه التوظيفات يتطلب تدخلاً تشريعياً”.

ردود الفعل على قرار “المركزي” كانت عنيفة. الشركات المستوردة للنفط أقفلت أبوابها يوم أمس بانتظار إنتهاء الجمارك من تكييل المخزون المقدر بـ 72 مليون ليتر واعادة فوترته على أساس السعر الجديد. وذلك كما حصل عند ترشيد الدعم من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة قبل فترة قصيرة. المحطات استمرت في إقفال أبوابها ومن فتح منها سجل رقماً قياسياً جديداً بأعداد السيارات التي اصطفت للتزود بالبنزين قبل ارتفاع الأسعار. وبحسب عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس فان “المباغتة برفع الدعم بهذا الشكل، شكل مفاجأة. خصوصاً أننا طالبنا مراراً وتكراراً باعتماد الرفع التدريجي، واعطاء دعم مادي مسبق للمواطن في حال إقرار رفع الدعم عن المحروقات”.

ارتفاع سعر المازوت بشكل خاص والمحروقات بشكل عام، سينعكس “ارتفاعاً بأسعار المنتجات الصناعية الوطنية بين 5 و20 في المئة. وسيؤثر على حصة الصناعة الوطنية في السوق المحلية، بعدما ارتفعت إلى 75 في المئة، وعلى قدرتها التنافسية في الخارج”، بحسب نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش.

وعن مبادرة مجموعة من الصناعيين لاستيراد المازوت بشكل مباشر وبالسعر العالمي، حتى قبل اتخاذ القرار برفع الدعم، اعتبر بكداش ان “هناك نحو مئة صناعي اضطروا إلى التعاقد عبر الجمعية مع شركتين نفطيتين لتأمين المازوت ابتداء من يوم الثلثاء القادم ولمدة شهر. فالطن الواصل بـ 600 دولار أو 13 مليون ليرة تدفع نقداً قبل الشراء، كان الصناعي يضطر إلى شرائه من السوق السوداء قبل أسبوع بين 15 و20 مليون ليرة. الأمر الذي يجعل من الإستيراد المباشر أوفر”.وبحسب بكداش فان “هذا الإجراء يعود لسبب من ثلاثة: إما لالتزام المصنع بتسليم طلبيات في وقت محدد، وإما لاستعمال المواد الأولية بدل تلفها، ولتأمين استمرار العمل وعدم إقفال المصنع”.

وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حب الله الذي دان قرار المركزي غير المسؤول، أعطى الضوء الأخضر لتسعير الإسمنت على سعر 20 ألف ليرة بدلاً من 11 ألفاً كما جرى سابقاً. وعلى هذا الأساس سيصبح سعر طن الترابة 1.4 مليون ليرة بعد إضافة الضريبة على القيمة المضافة وكلفة النقل.

رئيس إتحاد نقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض اعتبر أن وصول سعر صفيحة البنزين إلى حدود 380 ألف ليرة سيرفع كلفة نقل الركاب إلى 50 ألف ليرة. وهو ما يعني أكثر من ضعف بدل النقل المرفوع حديثاً من 8000 ليرة إلى 24 ألف ليرة لفئة محدودة من موظفي الإدارة العامة، لا تتجاوز 30 ألف موظف من أصل 320 ألفاً.

سعر ربطة الخبز زنة 900 غرام المحدد في المتجر بـ 4000 ليرة سيتراوح مع تحرير الدعم عن المحروقات بين 7 و10 آلاف ليرة بحسب نقيب أصحاب الأفران في الشمال طارق المير. هذا في حال عدم ارتفاع سعر الصرف عن 20 الف ليرة وبقاء بقية المكونات التي تدخل في صناعة الرغيف على سعرها.

كلفة رفع الدعم عن المحروقات “لم تعد تقدّر بثمن على المستشفيات”، بحسب ما أفاد نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون وهي ستنعكس باتجاهين، الأول: على كلفة تأمين الطاقة للمستشفى. خصوصاً مع الإعتماد الكبير على المولدات في ظل انقطاع كهرباء الدولة. والثاني، على اجور العمال والأطقم الطبية والتمريضية. زياد بكداش الذي قال ان القطاعات الإنتاجية والخدماتية والمواطنين أصبحوا أيتاماً على حد سواء، لا من يسمعهم ويرعاهم، اعتبر أن ما وصلنا اليه اليوم هو نتيجة تخلي الحكومة منذ سنتين عن واجباتها ورميها بالمسؤولية على مصرف لبنان.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةتحرير أسعار الوقود: المزيد من الإفقار
المقالة القادمةدور النشر: إستمرارية الدور ولو بشق النفس