بدأت مفاعيل قرار مجلس الشورى الدولة ترخي بظلالها على أي خطة قد تلجأ إليها الحكومة للنهوض الاقتصادي… إذ قرّر عدد من الوزراء مقاطعة جلسة مجلس الوزراء التي دعا إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 22 الجاري “لمناقشة مشروع قانون إعادة الانتظام المالي وإعادة هيكلة المصارف“، وفضّلوا عدم المشاركة في جلسة لمناقشة اقتراح قانون رفضه مجلس شورى الدولة عملياً، كما يرفضون المشاركة في إحالة مشروع قانون الهدف منه شطب ودائع اللبنانيين.
وكان مجلس شورى الدولة أبطل مساء الثلاثاء الفائت قرار مجلس الوزراء الصادر في أيار 2022 والقاضي “بالموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي ولا سيما لجهة إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف من أجل تخفيض العجز في رأسمال البنك المركزي”.
هذا القرار استنفر قراءات قانونية ومصرفيّة تجزم صحّة مضمونه في ظل مساعي السلطة القائمة على “شطب الودائع” للنفاذ بمسؤوليّتها عن أي جهد ممكن بذله لدفع أموال المودِعين…
رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص يعتبر أن قرار مجلس شورى الدولة مركزي واستراتيجي سيكون له تأثير سواء في خطة التعافي الأساسية أو في موضوع شطب الودائع.
وإذ يدعو عبر “الديار”، “الحكومة ومجلس النواب إلى الالتزام بقرار مجلس الشورى”، يرى أن “القرار القضائي هذا سيدعم دعوى “ربط النزاع” التي تقدّمت بها جمعية المصارف والإجراءات التي كانت ستتبعها لجهة عدم تحميل المصارف وحدها مسؤولية إعادة الودائع”.
رأي المصرفيين…
وفي قراءة مصرفية للقرار، يعتبر مصدر مصرفي أن القضاء هو الرابح الأول في قرار “شورى الدولة” حيث أثبت أنه مستقلّ وشجاع، والرابح الثاني هو المودِع الذي حافظ قانونياً وقضائياً، على حقه في ملكيّته على ودائعه… وبالتالي أضفى أملاً في نجاح أي خطة نهوض، الحالية أو غيرها التي ستعدّها الحكومة”، مؤكداً أن “جمعية المصارف تقف إلى جانب السلطة في هذه الخطة أو في أي خطة أخرى قد تُعدّها مستقبلاً، بعد البحث في الأمور التقنية للحفاظ على مصلحة القطاع”.
ويقول المصدر لـ “الديار”: إن خطة النهوض طالما كانت مطلب المصرفيين منذ أربع سنوات ولا تزال إلى اليوم، إذ إن كل خطة على علّاتها تبقى أفضل من الـ “لا خطة” وترك الأمور تتدهور على هذا النحو.
لكنه يوضح أن “ما تتصدّى له الجمعية منذ ثلاث سنوات، هو محاولات إلغاء الودائع عبر عبارة “شطب الودائع” تحت عنوان “سدّ العجز في ميزانية مصرف لبنان” أو غيره من العناوين التي نؤيّدها، إنما لا يمكن تحت هذا العنوان السماح للسلطة التي أخذت الودائع من مصرف لبنان خلافاً للقانون، أن تؤمِّمها وتصادِرها خلافاً للدستور… وإلا لا ولن يمكن أن تكون الخطة من أجل إنعاش القطاع المصرفي، بل خطة للقضاء عليه إلى الأبد!
ويذكّر بأن “القطاع المصرفي اللبناني ازدهر وأصبح مفخرة في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الستين الماضية، بسبب “الدستور اللبناني” و “قانون النقد والتسليف” المعمول به في لبنان، واللذين يحترمان الملكية الخاصة. بدليل أنه يُمنَع بموجبهما على الدولة، أن تستدين أي مبلغ من المال من مصرف لبنان. حتى انه في حال وقع الأخير في عجز مالي فإن الدولة اللبنانية مُلزَمة بسدّ هذا العجز… الأمر الذي وفَّر عامل “الأمان” لكثير من المودِعين اللبنانيين وغير اللبنانيين الذين فضّلوا وضع ادّخاراتهم في النظام القانوني والمصرفي اللبناني، لأنهم أوْلوه الثقة أكثر من ثقتهم بالقوانين والأنظمة المعمول بها في دوَلِهم”.
وليس بعيداً، يقول المصدر: نعلم تمام المعرفة أن الدولة اللبنانية لا تستطيع ردّ الودائع فوراً، في حين أن الهدف من الخطة إعادة التوازن.. لذلك يُفترَض في مقدّمة أي خطة، التأكيد على التزام الدولة اللبنانية وفق “الدستور اللبناني” و “قانون النقد والتسليف” بِحق المودِعين في الحصول على ودائعهم، ثم استكمال الخطة. وإلا لا يمكن البحث في أي خطة قبل التأكيد على هذه المبادئ والإقرار بها… وهذا ما أكد عليه مجلس شورى الدولة الذي لا صلاحية له بمراقبة السلطة السياسية أو النقدية في خطتها الاقتصادية، إنما عندما وجد في هذه الخطة تعدِّياً على “الملكية الخاصة” التي هي أساس ازدهار لبنان، تصدّى لهذا الجزء فقط من دون أن يتطرّق إطلاقاً إلى الأجزاء والبنود الأخرى من الخطة.
ويذكّر الحكومة بـ “تقرير شركة “ألفاريز أند مارشال” الذي ارتكز عليه مجلس شورى الدولة جديّاً في إصدار قراره، فقد حدّد مكامِن الخلل في عمل السلطة سواء السياسية أو النقدية، كما أن الشركة دقّقت في طلب الحكومة اللبنانية التي سدّدت لها كامل أتعابها. فلماذا لا تأخذ الحكومة بخلاصات التقرير التي حدّدت المسؤوليات التي أقرّت بها “ألفاريز أند مارشال”؟ هل تتجاهل كل ذلك، وتقول إنها لا تعترف بالودائع بحجّة إعادة التوازن إلى مالية مصرف لبنان؟!”.
وإذ يعتبر أن “قرار مجلس الشورى لن يردّ بالتأكيد ودائع الناس، بل إنه يعطيهم الأمل في استردادها يوماً”، يجزم أن “أيّ مصرفي لا يقبل إطلاقاً كلمة “شطب”، وإلا لا يكون جديراً بهذا الاسم!”، لأن الشطب، بحسب المصدر، هو “إساءة إلى الأمانة التي مَنحَه إياها المودِع، وعندئذ مَن سيودِع قرشاً واحداً في أي مصرف لبناني، إن كان مساهِماً أم مودِعاً؟! هذا ما تصدّت له جمعية المصارف”.
ويلفت إلى أن “90% من المصارف هي ملك المودِعين و10% ملك المساهمين. لذلك، إن قرار مجلس شورى الدولة حافظ عملياً على أموال المودِعين بشكل واضح تماماً”، لكنه يستغرب موقف جمعيات المودِعين في “عدم انضمامها إلى المراجعة التي تقدّمت بها جمعية المصارف لمصلحة المودِعين لدى مجلس شورى الدولة!”.
ويختم المصدر: لقد خالفت السلطة القانون في السابق عندما استدانت من مصرف لبنان، وبالتالي لا يمكنها القول اليوم “إن ما استدنتُه من ودائع الناس خلافاً للقانون سوف أصادره خلافاً للدستور، وإلا تكون قد غيّرت النظام اللبناني رأساً على عقب!