كتاب مفتوح من سليم صفير إلى الحكومة

وجّه رئيس مجلس إدارة – مدير عام بنك بيروت د.سليم صفير، كتاباً مفتوحاً إلى الحكومة اللبنانية، وجاء فيه:
“دولة الرئيس الشيخ سعد الحريري المحترم،
معالي الوزيرات والوزراء،
تحية،

من واقع الألم الذي يعيشه الوطن، ومن عمق الأمل الذي يحيا اللبنانيون عليه، أتوجه اليكم بهذا الكتاب، غداة تشكيل حكومتكم واستعدادها للمضي قدماً.
أخطّ هذه الكلمات، وأنا المصرفي والاقتصادي الذي يعي معاناة الناس ويدرك مؤسسات الدولة بكل تفرعاتها…
أكتب اليكم، بما يشبه النداء، فالأمور تعقّدت كثيراً، في الفراغ الذي ساد لفترة شهور تسعة، كثرت فيها التحليلات والتوقعات، وزادت التصنيفات الصادرة عن وكالات عالمية يُعتدّ بها الواقع تأزماً، كَوْنَ تقاريرها تُشَكِّل مدماكاً أساساً في البيان الاقتصادي العالمي.
أيها السادة،
نشكر الله ان الحكومة تشكّلت أخيراً، وان الجهود المبذولة تقاطعت في ظرف اقليمي ودولي حساس، وأتى البيان الوزاري في سرعة قياسية تبشر بالخير، واطلعنا على مضمونه وفيه الجديد الكثير، فكان لنا ما تمنينا لشهور خلت، وهذا ما نعوّل عليه نحن اللبنانيون وننتظره.
لنتّفق أولاً ان رئيس حكومتنا العتيدة شخصيته تحظى باحترام دولي ملفت، وان شبكة علاقاته المتينة تتخطّى حدود لبنان والاقليم، ما يمكن ان يشكل دافعاً واساساً يمكن الانطلاق منه لملاقاة ما يتوقعه منا العالم وما يحتاج اليه الوطن. كما ان في عداد اعضاء الوزارة وجوهاً مرموقة ومثقفة وشابة، تعكس الطموح والرغبة في العمل، والشوق الى تحقيق ما يمكن ان يرونه علامات فارقة.
حكومتكم تقف اليوم، وهي في مستهل عمرها، عند تقاطعٍ حساس: فهي ملزمة بان تقدم للبنانيين ما يخفف عنهم ويعاود احياء الثقة بقدراتهم وبوطنهم، وهي ملزمة ايضاً بان تؤكد للعالم تصميمها على الاقدام، وصون السيادة، واحترام المواثيق، والالتزام بالقانون الدولي.
دولة الرئيس،
في السادس من نيسان من العام المنصرم، صدرت مقررات مؤتمر “سيدر”، بمشاركة اكثر من 48 دولة ومنظمة حكومية وخاصة، وخرج لبنان بوعود بالحصول على حوالي 11 مليار و100 مليون دولار، ومناشدة بضرورة بذل الجهود لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ومع خريطة طريق شرطية، يفترض إعتمادها لتحصيل النتائج.
ان ما اشترطته “سيدر”، يفترض ان يكون بنداً أولاً على جدول أعمال حكومتكم، خصوصاً وان الوضع الاقتصادي في البلاد ترنّح كثيراً وأثرت فيه سلباً تطورات المنطقة، ومدّ للنازحين الذين شكّلوا عبئاً كبيراً على قدرة لبنان وطاقاته.
كل هذا أوصلنا الى “تصنيفٍ” سلبي. لا يفصل عنه وعن التصنيف “الإفلاسي” إلا درجة واحدة.
دولة الرئيس،
أصحاب المعالي،
اسمحوا لي ان اعبر بصراحة عما اعتقده ومن منطلق خبرتي،
لذا فانني اصارحكم بان الاقتصاد الوطني يستحيل عليه ان يُنْعِشَ مقوماتِهِ في ظل الواقع القائم، وان مؤتمر “سيدر” لوحده لن يكون ايضاً كافياً لتحقيق الانقاذ المرجو. قد تكون المليارات الاحدى عشرة قروض ضرورية ومفيدة قطعاً… لكنّها لن تكون كافية!
ما يحتاج اليه الاقتصاد ليتعافى هو اكثر من ذلك بكثير، الا انه امرٌ ممكن وليس محالاً.
يكفي ان نتعظ من ماضٍ قريب. في العام 1994، اعلن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان “انعاش البلد يكون من خلال الانتعاش
الاقتصادي الذي هو لوحده كفيل بان ينقل الجميع الى خارج المنافسة والخلاف السياسي”.
بالفعل، انطلق الرئيس الحريري لانقاذ البلد من خلال خطة اقتصادية:
أنشأ المطار، أعاد إعمار وسط المدينة، عمل على بنية تحتية قوية، وبالتوازي، خفض الضرائب الاستتثمارية، واعطى دفعاً للقطاع الخاص للانتاج والعمل…
هذا ما بدأ به الرئيس الحريري، رحمه الله، وهو ما اعتقد جازماً ان على حكومتكم التمثل به، فما نحتاج اليه ويحتاج اليه الوطن انما هو سياسة اقتصادية تعيد ضخ الحياة في الشرايين، بعدما كثرت الاخفاقات والخطوات غير المدروسة، خصوصاً وان أربعة ملايين لبناني يعانون، وعلى كاهل وطنهم مليون ونصف مليون نازح ومهاجر من الخارج.
دولة الرئيس،
ما نطالبكم به، هو استنساخ التجربة أو الاقتداء بها لتحقيق نهضة اقتصادية موازية لنهضة الحريري (1).
انتم تعلمون ان دولتنا لا تنتج، للأسف، وهذا المحرك الجبار الذي اسمه المواطن اللبناني والذي يشكّل عماد القوة التاريخية للبنان، بات عاجزاً، بدوره، عن الانتاج، والموازنة العامة تتلاشى خدمةً للدّين ورواتب للقطاع العام وأكلاف محددة ولا يتبقى منها شيئ لتحريك عجلة الاقتصاد وتسريع النموّ.
المطلوب ان تحوّلوا حكومتكم الفتية الطموحة الى حكومة اقتصادية في المطلق وان تكون بكل مكوناتها يداً واحدة لرؤية واحدة وهدف واحد هو خدمة الاقتصاد…
ما عاد مقبولاً الاستمرار بهذا الانفاق على الكهرباء،
ما عاد مقبولاً تمضية نصف ساعات النهار على الطرق،
ما عاد مقبولاً الخضوع لمافيات الفساد والهدر،
ما عاد مقبولاً التعامل مع نسب الفوائد التي تعيق الاستثمار وتحول دونه،
ما عاد مقبولاً عدم السعي لاقامة سلسلة مطارات، أو تطوير المرافئ، أو عدم تسهيل معاملات الناس أو عدم تقديم خدمات متقدمة في الاتصالات… أو… أو… أو!
دولة الرئيس
أصحاب المعالي
ما نتطلع اليه منكم هو ان تكونوا بالفعل حكومة تعيدنا الى واجهة الدول المحترمة، وهذا لن يكون الا من خلال خطة عمل تعتمد نهضة اقتصادية هدفها اعادة الثقة الى اللبنانيين، خصوصاً المنتشرين، لأن هؤلاء هم العماد الذي نتطلع اليه للاستثمار في الداخل وتحريك عجلة الانتاج والنمو الاقتصادي في البلاد.
البلاد تحتاج الى خطة اصلاحية حقيقية تشمل السياسة المالية والضريبية والادارية والتنموية وتمكّن لبنان من تأدية الخدمات المطلوبة للمنطقة برمتها من خلال مرافقه وطاقاته ومؤسساته التربوية والمالية والاستشفائية والحياتية والسياحية.
دولة الرئيس،
إخترتم وجوهاً واعدة في حكومتكم، فعساهم يكونون كلهم عوناً واحداً لخطةٍ واحدة هي: “إنقاذ الاقتصاد … والبلاد”.
ودمتم”.

 

المادة السابقةعودة الرساميل السابقة والجديدة الى القطاع المصرفي والليرة تستمر في جذب المودعين
المقالة القادمة“الراجحي المالية”: نتوقع انخفاض الطلب على الاسمنت في السعودية 5% في العام 2019