أيام قليلة وينتهي شهر تموز، من دون أن يتقاضى أي من موظفي القطاع العام والأجهزة الأمنية رواتبهم الشهرية. وهي المرة الأولى في تاريخ القطاع العام التي تتوقف فيها عملية صرف رواتب الموظفين بشكل كامل، بفعل تنفيذ كافة مؤسسات وإدارات الدولة، بما فيها مديرية الصرفيات في وزارة المالية، إضراباً مفتوحاً لم يُحدّد له أفق حتى اللحظة، لعجز السلطة عن صوغ حلول تتلاءم مع مطالب القطاع العام.
لا رواتب للشهر الحالي
قرار الإضراب ليس مستحدثاً. فقد باشر موظفو القطاع العام تحركاتهم المطلبية وإضراب جزئي منذ أيار 2021، بالتوازي مع حضور جزئي في مقار عملهم لتسيير شؤون المواطنين. رفعوا حينها مطالبهم المتمثلة بتحسين رواتبهم وتأمين معيشتهم، غير أن أشهراً من الإضراب والتعطيل الجزئي لمؤسسات وإدارات القطاع العام لم تدفع بالمعيين إلى تحرّك جدي لتلقف المطالب، وإيجاد مخارج علمية تُرضي العاملين بالقطاع العام، وتجنّب المالية العامة مزيداً من الضغوط، في ظل غياب الموارد اللازمة.
بعدها انتقل موظفو القطاع العام إلى مرحلة الإضراب المفتوح ابتداء من شهر حزيران 2022، فتوقفوا عن الحضور كلّياً إلى مراكز عملهم، وتعطّلت مؤسسات الدولة بشكل تام، باستثناء استمرار مديرية الصرفيات في وزارة المالية، التي عكف موظفوها على الحضور بشكل جزئي لتحضير جداول الرواتب للموظفين.
أما اليوم فالوضع مختلف. إذ شمل الإضراب العام كافة المؤسسات والمديريات بما فيها مديرية الصرفيات في وزارة المال. فقد توقف موظفوها عن الحضور إلى أماكن عملهم منذ أسابيع معلنين انضمامهم إلى زملائهم في القطاع العام “ليس موقفاً اعتباطياً إنما لعجزنا عن الحضور إلى أماكن عملنا، نظراً لارتفاع تكلفة المواصلات بشكل هائل وتدني قيمة رواتبنا وانهيار قيمتها”، على ما يقول أحد الموظفين.
وعليه، يبدو إضراب القطاع العام دخل اليوم في مرحلة جديدة أكثر خطورة، فإضراب مديرية الصرفيات يعني ببساطة أن لا رواتب نهاية هذا الشهر، أي بعد أيام قليلة، لعموم القطاع العام بمن فيهم موظفو المديرية نفسها، ولا رواتب لكافة الأجهزة الأمنية والمتقاعدين وعموم موظفي المؤسسات والإدارات. وفي أحسن الاحوال، في حال تم التوصل إلى حلول تقضي باستئناف مديرية الصرفيات عملها، وهو أمر مستبعد، فإن تحضير جداول الموظفين وصرف الرواتب يستلزم حضوراً قرابة 10 أيام متواصلة. بمعنى آخر، لا رواتب للقطاع العام والاجهزة الامنية قبل 10 أيام بأحسن الأحوال.
طروحات الحكومة “مرفوضة”
لم تتعامل الحكومة منذ ما قبل دخولها بمرحلة تصريف الأعمال بشكل جدّي مع مطالب القطاع العام، ولطالما عالجت الأزمة بـ”المفرق”، بدليل تمرير قرار تسوية أوضاع القضاة من خلال صرف رواتبهم وفق سعر صرف 8000 ليرة للدولار. صاغت الحكومة في وقت سابق العديد من الحلول المجتزأة التي لم ترض موظفي القطاع العام، وآخر طروحاتها جاءت في لقاء عقد مؤخراً مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتمثّلت حسب ما يفيد مصدر لـ”المدن”، بزيادة راتب إضافي للراتب الأساس وراتب تحفيزي وبدل إنتاج يومي يتراوح بين 150 ألف ليرة و350 ألف ليرة، وبدل النقل 95 ألف ليرة لليوم، مع اعتماد الزيادات والتحفيزات لمدة شهرين فقط، على أن يبدأ بعدها البحث بحلول نهائية، وهو ما يكشف نوايا لدى السلطة بترحيل الأزمة إلى الحكومة المقبلة.
هذه الطروحات لم تختلف عن تلك التي رفضتها رابطة موظفي القطاع العام في وقت سابق، باعتبارها لا تلبي أدنى المطالب وهي تأمين معيشة الموظفين، على ما تقول رئيسة الرابطة نوال نصر في حديث إلى “المدن”. وإذ تصف نصر التقديمات التي أعلنت عنها الحكومة بـ”الهزيلة والتافهة”، تقول أنها لا تلامس أدنى أسس الحلول وأدنى حاجاتنا. والجميع يعلمون أن هذه الحلول تستهدف فقط جرّنا الى العمل بالسّخرة.
التقديمات التي تتمسك بها الحكومة لأسباب ترتبط بعدم توفر الموارد المالية، حسب ما ذكر ميقاتي، غير مقبولة بالنسبة إلى موظفي القطاع العام. إذ لا يتعدى مجموعها بدل نقل فعلي للوصول إلى مراكز عملهم، حسب نصر، وليس المطلوب تأمين انتقالنا إلى مقار عملنا فقط من دون الالتفات الى معيشتنا وعائلاتنا والطبابة والتعليم وغير ذلك. وتلفت نصر إلى ضآلة التقديمات بالنظر إلى حجم رواتب الموظفين المتدني والذي يبلغ متوسطه مليونين ليرة فقط.
ضرر الإضراب العام لا يطال المواطنين فحسب إنما أيضاً الموظفين المُضربين. فهؤلاء لن يحصلوا عل رواتبهم الشهرية في وقت قريب، بالإضافة إلى تأثرهم بتعطّل القطاعات العامة كما سائر المواطنين. وعلى الرغم من كل ذلك، تؤكد نصر كما كثر من الموظفين بأن لا تراجع عن الإضراب قبل تنفيذ المطالب.