مستندات “العلية” تطيح بالرؤوس: فضائح الكهرباء والسوق الحرة للقضاء

خَرَجَ جان العلية من قصر العدل، يوم الثلاثاء 19 تموز، حاملاً مستندات ليست كغيرها من المستندات. هي أوراق يمكن للنيابة العامة التمييزية الاطّلاع عليها وتجنيد القضاء للبحث في المعلومات والأرقام، التي تثبت ما حاولَت جهات سياسية تمريره خلافاً للقانون، في أكثر من قطاع، وخصوصاً في الكهرباء والسوق الحرة في مطار بيروت. والملف الأخير هو الذي أجّج النوايا المبيّتة ضدّ العلية، في محاولة للانتقام منه على “عرقلته” تمرير الصفقات. إلاّ أن الانتقام تحوَّلَ إلى فرصة لكشف الملفّات. فهل يلتزم القضاء بالمسار الطبيعي للتحقيقات، تمهيداً للخروج بخواتيم تنصف المالية العامة وتعيد للخزينة ما خسرته على مدى أعوام؟

مزايدة السوق الحرة

تمثّل عملية تلزيم السوق الحرة في مطار بيروت، الشرارة التي أشعلت الحرب الصريحة ضد العلية، والتي تشنّها جهة سياسية مستفيدة من التلزيمات بالتراضي. فالمحاولات السابقة لم تصل إلى حدّ الإدعاء عليه بشكل مباشر واستماع القضاء إليه. على أن ما استجدَّ مؤخراً، يُعتَبَر الفرصة الأخيرة أمام تلك الجهة ومَن يناصرها بشكل غير علنيّ. فمع نهاية شهر تموز الجاري، يبدأ العمل بقانون الشراء العام، وسيكون العليّة رئيس لجنة الشراء العام، بوصفه مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي.

وبالتالي، لا تلزيمات بالتراضي مع الشركات المتقدّمة للمناقصات والمزايدات. والجهات المستفيدة من تلك التلزيمات، تبحث سبل التنصّل من المرور بإدارة المناقصات، حتّى اللحظة الأخيرة. فكانت عملية تطيير مزايدة السوق الحرة، رصاصة ذات رأسين، أوّلها يستهدف إدخال شركة غير مستوفية لشروط التعاقد، وثانيها يستهدف الإضرار بسمعة العلية، تمهيداً للتشكيك بقدرته على إدارة عمليات الشراء العامة بشفافية ونزاهة. فكان الادعاء عليه انطلاقاً من تقديم وزير العدل هنري خوري، إخباراً أمام النيابة العامة التمييزية، مستنِداً إلى شكوى مجلس شورى الدولة تحيل العلية إلى موضع القادح والذَّام بعد انتقاده إبطال المجلس مفاعيل المزايدة التي حصلت في العام 2017، واعتباره أنها كانت “تفتقر إلى الشفافية وضمان المنافسة”. وذلك بعد 5 سنوات من تأكيد المجلس صحّتها وصحة قرارات جان العلية حينها.

الكهرباء حاضرة

مَثُلَ مدير عام إدارة المناقصات أمام محكمة التمييز، وخرج مؤكداً أن “الجلسة كانت مطوَّلة”. وبما أنها تتعلّق بمزايدة السوق الحرة، قال العلية “سأتقدم بإخبار منفصل بموضوع مزايدة السوق الحرة”. واعتبر العلية أن الجلسة كانت فرصة له “للدفاع عن القضاء في وجه كَتَبَة الإخبارات الذين يريدون تحويله من سلطة وظيفتها تأدية العدالة إلى أداة للتهويل على من ينفّذ القانون”. وعبر هذه الجلسة، سيتمكّن العلية من وضع ما لديه من مستندات أمام القضاء. وخلص العلية إلى أنه “إذا تبيّن أنني مرتكب فلا أحد فوق القانون، أمّا إذا تبيّن أن من يقدّم الإخبار ومن كتبه يتسلّون ويهوّلون، فسنطلب ضمن الأطر الدستورية والقانونية محاسبتهم لإساءتهم المعنوية لمجلس شورى الدولة وإدارة المناقصات”.

تداعيات ما جرى اليوم ليست محصورة بملف السوق الحرة، بل تنسحب إلى ملف الكهرباء، وهو الملف الأدسَم، إذ يندرج ضمنه ما يحمله العلية من فضائح حول المخالفات القانونية لتلزيمات بواخر الطاقة وتحديداً التلزيم الذي حصل في العام 2017، في ظل وجود عارض وحيد هو شركة كارادينيز التركية. ورفض العلية لهذا التلزيم كاد يطيح به من على كرسيّ إدارة المناقصات. وفضيحة البواخر تضاف إلى مخالفات عمليات شراء الفيول، بدءاً من صفقات الفيول المغشوش، وصولاً إلى إجراء مناقصة استيراد الفيول من العراق، والتي أجريت كلّها خارج إدارة المناقصات، خلافاً للقانون.

علماً أن المناقصات التي لم تقبل إدارة المناقصات بتمرير مخالفاتها، كانت تُمَرَّر عبر الاتفاق بالتراضي وبقرار من مجلس الوزراء، بعد اختلاق أعذار للالتفاف على الإدارة.

إمتحان القضاء

وصول القضية إلى مرحلة الإدعاء، هي خطوة تحمل منحىً إيجابياً لجهة فتح كل تلك الملفات أمام القضاء. إلاّ إذا تراخى القضاء وأعطى مبرراً جديداً لزيادة معدّل الفساد الذي يغرق به لبنان الحائز على “أدنى درجة يحققها على المؤشر تاريخياً”، وفق مؤشر مدركات الفساد للعام 2021، والذي أعدّته منظمة الشفافية الدولية. فقد حصد لبنان المركز 154 من أصل 180 دولة وحصل على معدّل 24 على 100.

وربطاً بملف التلزيمات والشراء العام، رأت الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية–لا فساد، وهي الفرع اللبناني لمنظمة الشفافية الدولية، في مؤتمر صحافي لإطلاق التقرير السنوي، في كانون الثاني 2022، أن “قانون الشراء العام يشكّل نقلة نوعية لجهة حوكمة المناقصات العمومية وصرف المال العام، إلا أنه من الضروري استتباع هذا القانون بخطوات متعددة لتعزيز الضمانات ضد أي فساد قد يحصل ضمن إجراءات الشراء”. أما الإدعاء على جان العلية، فهي خطوة مسانِدة لتدهور تصنيف لبنان على مؤشر الفساد. ولذلك دعا العلية وزير العدل إلى قراءة بيان منظمة “لا فساد”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةتعميم لأصحاب “الفريش” وتكريس الضغوط على حاملي الليرة
المقالة القادمةلا كهرباء ولا غاز إلا بشروط الإدارة الأميركية والبنك الدولي