مصارف لبنان تتغذّى على تعاميم الحاكم: خطّة الـ«لا نهوض»… والاتكال على المال العام

كلما مضى مزيد من الوقت على إدارة الأزمة بشكلها الحالي، كلما اتّسم مصير القطاع المصرفي بضبابية أكبر. فالتعاميم التي أصدرها مصرف لبنان لإدارة الأزمة، لا ترتقي إلى تشكيل سياسة نقدية – مصرفية، بل دفعت المصارف إلى التركيز على إطفاء الخسائر عبر خفض قيمة الليرة والتغاضي عن التحضير للمرحلة المقبلة التي تتطلب إعادة رسملة كبيرة. المصارف، كعادتها، نامت على حرير التعاميم ووعود إحياء النموذج المصرفي المنهار.

بحذر، تترقّب المصارف الاستحقاق المقبل مع صندوق النقد الدولي. إذ مهما أظهر الصندوق تساهلاً تجاه تحديد الخسائر وتوزيعها، فلا شكّ في أن أي اتفاق معه يفرض وجود حلّ شامل يتضمن إعادة هيكلة القطاع المالي بشقيه: المصارف ومصرف لبنان. المشهد، بحسب مدير سيدروس بنك رائد خوري، محكوم بـ«انتظار إتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتحديد الخسائر ونسب الهيركات على التوظيفات بالعملة الأجنبية في المصرف المركزي، فضلاً عن حجم الأموال التي سيعيدها للمصارف، وتحديد خسائر المودع».

«تعيش المصارف حالياً حالة انتظار» على حدّ تعبير خوري. فالحديث عن هذه الحالة يدفعه إلى القفز مباشرة نحو الدمج المصرفي وصفقات البيع والشراء. اقتناص الفرص هو من شيم المصارف، لكن أحداً لم يبحث بعد في أي مصارف يريد لبنان، وأي مصارف تكون على قياس اقتصاده الذي تقلّص من 55 مليار دولار إلى أقل من 21 ملياراً وفق أرقام البنك الدولي.

العيش في حال الانتظار يكرّر الماضي. فكما اتّكلت المصارف على مصرف لبنان في مرحلة «العزّ» لتحقيق الأرباح وتوزيعها على مساهميها أو رسملتها، تتكّل اليوم عليه أيضاً، وكذلك على نفوذها السياسي لتحقيق «مصالحها الفردية». فبحكم القرب من قوى السلطة أو بعدها عنها، تعتقد المصارف أنه سيتم تشكيل المرحلة المقبلة من حياتها. هذا العجز مماثل للعجز في إدارة أموال المودعين. فالحلّ كما يراه خوري: «ربما يكون على طريقة أن تأتي الدولة وتقول للمودع سنردّ لك جزءاً من الودائع بالعملة الأجنبية وجزءاً آخر على شكل أسهم في مرفق عام قد تحصل على مردوده بعد سنوات»… عملياً، لم تخرج المصارف من قمقم الاتّكال على المال العام.

وبحسب النقيبة السابقة لخبراء المحاسبة جينا الشمّاس، لا تزال المصارف تحقق إيرادات ولديها موجودات ثمينة وعقارات، ولم تستغن عن أي من أصولها في سبيل إعادة أموال المودعين. لذلك، تستغرب أن تطالب المصارف بصندوق سيادي تريد من خلاله أن تضع يدها على أملاك الدولة. لكن ليست هذه المقاربة الوحيدة لانعدام جاهزية القطاع المصرفي، إذ إن سلوكه الاتكالي على مصرف لبنان يأتي بأشكال مختلفة. المحامي المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية، باسكال ضاهر، يشير إلى أن مصرف لبنان، شرّع «الهيركات» من خلال التعميمين 151 و158. ومن خلالهما «مارس اقتطاعات من حساب المودع لإطفاء دين المصارف». في السياق نفسه، تشير شمّاس إلى أن «المصارف مطمئنة للعمل الذي يقوم به حاكم مصرف لبنان، أي أن يضمن لبعضهم عدم الخسارة والاستيلاء على الأملاك العامة». ولهذا السبب، «تظهر بعض المؤشرات المتناقضة في السوق. ففيما تنهار الليرة وسط إفلاس مصرفي واسع، يرتفع سعر سهم «بلوم بنك» على سبيل المثال».

من الواضح، أن خطّة إعادة الهيكلة هي الخطّة البديلة للمصارف ومصرف لبنان بدلاً من خطّة النهوض. وهي تتضمن تجنيب المصارف حصّتها الشرعية من توزيع الخسائر، وإجبار المودع على تقبل خسارته من دون أن يعترف مصرف لبنان بأن هناك «هيركات». في المحصلة، ليس هناك سوى خطّة واحدة: سياسة التجويع.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةخبرٌ “هامّ” إلى شريحة كبيرة من اللبنانيين… على أملٍ أنْ يرى النور!
المقالة القادمةانطلاق أوّل خطّ للنّقل المشترك بين طرابلس والكورة