مصارف لبنان تربط حلول الأزمة المالية بحماية الودائع

اعتبرت جمعية مصارف لبنان أن خطة الحكومة التي أعلنتها مؤخرا لعملية الإصلاح المالي تحتاج إلى إعادة ضبط أوتارها، رغم أنها لم تبد أي معارضة في تنفيذها إذا توفرت محددات معينة تتمحور أغلبها حول الودائع. وتسعى الخطة لإحياء نظام مصرفي يحتضر من خلال جعل المودعين يغطون أكثر من نصف الفجوة البالغة 69 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني.

وتقف الخلافات بين الساسة والقطاع المصرفي على حجم الخسائر ومن يجب أن يدفع الفاتورة حائلا دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن. ويتعين أيضا أن تقنع هذه الخطة الأخيرة صندوق النقد الدولي، لكن اللبنانيين العاديين، الذين دفعت الأزمة الكثير منهم دفعا إلى براثن الفقر، لن يكون لهم رأي يذكر في الخطة أو رأي من الأساس.

وقال سليم صفير رئيس الجمعية التي لم تطّلع حتى الآن على تفاصيل الخطة في بيان الثلاثاء إنه “بافتراض أن مسودة الخطة التي تم تسريبها يمكن أن تعالج الأزمة المالية إلا أن الجمعية تتمسك بحماية حقوق المودعين في أي مسعى من الحكومة لحل المشكلة”. وأكد مصدر بارز في الحكومة لوكالة رويترز، لم تكشف هويته، الاثنين الماضي أن الخطة لم توضع بعد في صيغتها النهائية وتجري مناقشتها مع صندوق النقد الدولي.وقال المصدر “عندما تنجز الخطة في صيغتها النهائية سوف تعرض على جميع المعنيين.. ما يثار هو مجرد تكهنات”.

وتتضمن مسودة الخطة لسد فجوة ضخمة في النظام المالي، التي نشرت تفاصيلها رويترز الشهر الماضي، إعادة 25 مليار دولار فقط من إجمالي 104 مليارات دولار من الودائع بالعملة الصعبة إلى المدخرين بالعملة الأميركية.

وكانت المصارف المحلية مقرضا رئيسيا للحكومة على مدار عقود، لكن هدر الأموال والفساد أديا إلى الانهيار المالي في عام 2019. ونتج عن هذا الانهيار حرمان المودعين من معظم مدخراتهم وفقدان العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها. وقالت الجمعية التي لم تشارك في إعداد الخطة ضمن إجابات مكتوبة لرويترز “تشير المسودة الافتراضية للخطة إلى أنها يمكن أن تقضي على ما يسمى ‘الخسائر’ من أجل موازنة الدفاتر”. وأوضحت أن “هذا النهج هو نهج تصفية وسيؤدي إلى فقدان الثقة بشكل دائم على مدى أجيال مقبلة”.وموافقة جمعية مصارف لبنان ليست مطلوبة لكي تتبنى الحكومة الخطة وتبدأ تنفيذها، لكن خبراء يقولون إن دعم القطاع المصرفي لها يمكن أن يساهم في حل الأزمة.

وبموجب الخطة، التي تحدد إطارا زمنيا مدته 15 عاما لسداد أموال جميع المودعين، سيتم تحويل معظم ما تبقى من الودائع إلى الليرة اللبنانية على عدة أسعار صرف، أحدها من شأنه أن يمحو 75 في المئة من قيمة بعض الودائع.وقالت الجمعية “إذا كان هذا صحيحا، فإن هذا النهج الوارد لمعالجة الخسائر التي حدثت في القطاع المالي غير مقبول على الإطلاق، ولن يؤدي بالتأكيد إلى تعويض انهيار الاقتصاد”.

وأشارت إلى أنها لن تؤيد خطة من شأنها أن تؤدي إلى “خفض اسمي لودائع العملاء” أو القضاء تماما على حقوق المساهمين، لكنها منفتحة على تحمل بعض الخسائر من إعادة هيكلة السندات الدولية (يوروبوندز) وقروض القطاع الخاص.وبدأت الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي في يناير الماضي ضمن جهود لتأمين خطة إنقاذ يُنظر إليها على أنها ضرورية للبدء في رسم مسار للخروج من الأزمة.ووجود خطة مالية قابلة للتطبيق هو مفتاح هذه العملية. وكانت البنوك ومصرف لبنان المركزي والأحزاب السياسية القوية قد أسقطت خطة سابقة وُضعت في ظل حكومة سنة 2020، منهية المحادثات مع صندوق النقد في ذلك الوقت.

وأكد متحدث باسم صندوق النقد الأسبوع الماضي أنه ليس بوسعه التعقيب على تقارير أفادت بأن المؤسسة المالية الدولية رفضت جوانب من خطة الحكومة أثناء المحادثات التي بدأت في يناير الماضي.لكن مسؤولا حكوميا آخر قال لرويترز إن صندوق النقد طلب من المسؤولين اللبنانيين “العمل على أجزاء من الخطة”.وفي إطار الجهود المبذولة لسد الفجوة في النظام المالي، تشير مسودة الخطة إلى إنقاذ كبار المودعين بما يصل إلى 12 مليار دولار، أو ما يعادل 72 في المئة من الأسهم في القطاع المصرفي، وبالتالي تقليل المساهمين والدائنين إلى أقل من الثلث.وتعتقد الجمعية أن أي عملية إنقاذ يجب أن يتم تقييمها على أساس كل حالة على حدة لكل بنك ويجب ألا تأتي إلا بعد “توصلنا إلى اتفاق توافقي وشامل مع الحكومة، وبعد أن تفي الحكومة بالتزامها القانوني بإعادة الملاءة المالية للمصرف المركزي”.

وأشارت أيضا إلى “اعتراضها الشديد” على مقترح يقضي بأن يحتفظ مساهمو البنوك بأغلبية الأسهم في القطاع مقابل ضخ مليار دولار في رأسمال جديد.وقال الخبير الاقتصادي توفيق كسبار الذي عمل مستشارا لصندوق النقد ووزارة المالية اللبنانية إن “الضحية هي التي تتحمل الجزء الأكبر من العبء. منطقهم غير مقبول بأي من معايير المنطق في أي مكان في العالم”.وتشمل الخطة المثيرة للجدل إنشاء شركة لإدارة الأصول لاستثمار الودائع في مشاريع مثل إعادة بناء مرفأ بيروت الذي دمره انفجار ضخم في عام 2020 ومحطات الطاقة في بلد لا تستطيع محطات الكهرباء التابعة للدولة إنارته. وتشير تقديرات إلى أن ديون لبنان بلغت 500 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، ولا يبدو أن ثمة مخرجا قريبا بينما لا تزال الطبقة السياسية التي وضعت في مأزق تمارس نفوذها حتى اليوم.