ميقاتي ينتصر للبنوك على المودعين ويتدخل في عمل السلطة القضائية

لم يكتف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بكسر القاعدة العامة التي تتحدّث عن الفصل بين السلطات، والتي ردّدها طويلاً في وجه المطالبات بإقالة القاضي طارق البيطار، مقابل عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد، بل تجاوزها إلى التدخّل علناً في سير عمل القضاء دفاعاً عن المصارف، والاتصال بالمدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، طالباً تدخله لوقف «عشوائية القاضية غادة عون، وهو ما رفضه عويدات.

قصّة التدخّل والامتناع عنه في لحظات ما، هي قصّة نموذجية في بنية تركيبة المنظومة اللبنانية. الدفاع عن النظام المصرفي كان الهمّ الأول لدى ميقاتي وسائر الطبقة السياسية. وهذا الأمر يتم منذ أكثر من سنتين حين منع القضاء أو ضغط عليه لمنع إصدار أحكام تفرض على المصارف ردّ الودائع لأصحابها بعملتها الأصلية، وبطريقة التحويل إلى الخارج أو نقداً. يومها، كان قضاء العجلة يصدر قرارات يكسرها قضاة آخرون خاضعون سياسياً، أو تصدر عن المحاكم العادية قرارات يمتنع قضاة التنفيذ عن تنفيذها. تراكمت آلاف الدعاوى ضدّ المصارف، ولم يصدر عن وزارة العدل تقرير بأي سعر صرف يعتمد للبتّ في هذه الدعاوى، بينما المصارف تتصرّف كأنها معزولة عن كل هذا النقاش.

في اللقاءات التي جمعت نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي مع المصرفيين، آثر بعضهم الردّ على الشامي بأن المصارف لا تعاني من أي مشكلة وأن على مصرف لبنان أن يردّ لها أموالها لتدفع للمودعين. لكن الواقع، أن المسؤولية الائتمانية المترتبة على المصارف تفرض عليها أن تتحمّل مخاطر توظيف الأموال برساميلها. المودع لا علاقة قانونية تربطه أبداً بعملية توظيف الأموال ونتائجها التي تقوم بها إدارات المصارف. هذا الواقع لا يتجاهله ميقاتي وحده، بل رئيس مجلس النواب نبيه برّي أيضاً.

ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد صندوق النقد الدولي برئاسة أرنستو راميريز ريغو، لبري، أبلغهم الأخير بأن «ليس لدينا أزمة، بل نعاني من مشكلة سيولة يمكن معالجتها. حاكم مصرف لبنان وعدني بردّ الودائع كاملة لأصحابها». ينقل مقرّبون من برّي أن وفد صندوق النقد الدولي نفى معرفته بطروحات كهذه، بينما يقول آخرون إن راميريز عبّر عن مفاجأته بحجم الإنكار الذي تعيشه الطبقة السياسية.

يشير المقرّبون من برّي إلى أن الخطّة التي عرضها سلامة على بري تتضمن تسديد قسم بسيط من الودائع، وتحويل الباقي إلى أسهم في المصارف، وتملّك المودعين أسهماً في مشاريع للحكومة اللبنانية. هذه الفئات الثلاث هي نفسها المذكورة في خطة توزيع الخسائر التي أسقطها راميريز وفريقه قبل بضعة أسابيع.
يثير هذا الأمر سؤالاً أساسياً: لماذا يسعى ميقاتي إلى التدخل الصريح والعلني بالقضاء، بينما يرفض إقرار الكابيتال كونترول الذي يحمي المصارف من الدعاوى المحلية والخارجية أيضاً؟ في الواقع، الإجابة تكمن لدى برّي. ففي لقائه مع وفد الصندوق، سئل عن الأمر وأجاب بأنه يرفض تمرير «الكابيتال كونترول» حتى يؤمن للمودعين بعضاً من أموالهم. هذه هي علاقة أطراف المنظومة بعضها ببعض؛ رفض المساس بالمصارف. رفض الكابيتال كونترول. رفض إقالة الحاكم.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقةفياض: من يطلب الإسراع بتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء ويعارض معمل سلعاتا يخالف مطالب البنك الدولي
المقالة القادمةأي توازن بين الحاجات المحلية وبين التصدير؟ فوضى تعمّ الأمن الغذائي