هل إنسحاب المصارف المراسلة من لبنان آخر حلقة في إرتباطه بالخارج؟

لبنان الخارجية، وشراؤه السلع، والحصول على ​النقد الأجنبي​، باتت كلها مُهدّدة بالتوقّف عن التدفق إلى لبنان بعدما بدأ بعض المصارف المُراسلة في الخارج بقطع علاقاته المالية مع البنك المركزي و​المصارف التجارية​. المعلومات مُوثّقة بمُذكّرة وجّهها الحاكم ​رياض سلامة​ إلى النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، مُحذّراً من أنّ ​مصرف لبنان​ “بات في وضع صعب”. البعض رأى فيها صفعة قوية يتلقّاها البنك المركزي كما وسائر السوق اللبنانية بعد توجيه الاتهامات الى سلامة في ​أوروبا​ بجرائم ​اختلاس​ و​تبييض أموال​…

وفي هذا السياق، يشرح خبير مصرفي “للاقتصاد”واقع وتاريخ هذه العزلة لافتاً الى انه منذ عام 2007- 2008، درج وصول وفود من المصارف المراسلة في الخارج الى لبنان لتقييم الحسابات داخل القطاع وليُبنى على النتيجة المقتضى سواء الاستمرار او الإقفال بفعل الخسائر وتكبّد التكاليف.

من المعلوم ان مجلس الاستقرار المالي وضع مجموعة من التدابير المتعلقة بالسياسات لمعالجة اوضاع المؤسسات المالية الهامة للنظام Systemically Important Financial InstitutionsK وتهدف التدابير التي طرحها المجلس إلى وضع مزيد من الرقابة المكثفة والفعّالة لجميع هذه المؤسسات.وثمة عنصر رئيسي في هذه التدابير وهو أن المؤسسات المالية العالمية الهامة للنظام يجب أن تكون لديها القدرة على استيعاب الخسائر بما يتجاوز المعايير العامة الصادرة عن قواعد إطار بازل الثالث.

وبرأي الخبير إن مستوى تخوّف هذه المصارف المراسلة قد وصل الى حدّه الأقصى بعد إعلان حكومة الرئيس حسان دياب في 7 آذار 2020 تعليق تسديد سندات الدين ب​العملات​ الأجنبية اليوروبوندزعلماً انه كانت هناك امكانية لإرجاء التفاوض مع الدائنين حتى ايلول 2020. هذا الموقف ساهم الى حد كبير في انتزاع الثقة الدولية ليس فقط بالنظام المالي والمصرفي اللبناني، لا بل بلبنان كدولة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تستحق اي مساندة دولية.

وفي 9 آذار، اوقف بعض المصارف المراسلة تعامله مع عدد من المصارف المحلية كما تم تعليق معظم الخطوط الائتمانية التي حصلت عليها ما افقدها اي دعم خارجي تبعه تراجع في اي مساندة من قبل ​البنك الدولي​. وفي المعلومات ان قرارالدعم الذي تم تمويله من اموال المودعين اللبنانيين وليس من خزينة الدولة رفضه سلامة في اكثر من مناسبة شارحاً تداعياته السلبية على النظام المالي، الا ان القرار السياسي من السلطة كان ينبهه الى وجوب الالتزام مهما كلّف الأمر. وقد نقل اليه هذه الرسالة وسيط رفيع المستوى في إطار “نفّذ ولا تعترض”. وقد يكون دخول ملف التدقيق الجنائي وما يواكبه من نبرة عالية تضع ” المركزي” في قفص الاتهام بإخفاء المعلومات يصبّ في خانة الضغوطات التي تمارس في هذا الاتجاه لتلاقي موقف رفع الدعم الذي ينادي به سلامة.

​العقبة​ الأساسية لأي مصرف محلّي لفتح حساب لدى مصرف مراسل تكمن في إستيفاء شروط المصرف المراسل نظرًا إلى أن قسمًا من هذه الشروط ذاتيK والقسم الآخر له علاقة ببلد المصرف المحلّي (Country Risk) .وبالتالي يأتي تصنيف البلد المحلّي ليُشكّل العقبة الأساسية بحكم أن القاعدة في العالم المصرفي تنصّ على انه لا يُمكن لأي مصرف أو مؤسسة مالية أن يتمتّع بتصنيف إئتماني أعلى من ​التصنيف الإئتماني​ للبلد.

صمت حاكم مصرف لبنان قد يكون مقنعاً او غير ذلك. فالأيام المقبلة كفيلة بايجاد الجواب. ولكن لماذا لم يخرج موقفه الرافض لتمويل الدعم قبل الكتاب الموجّه اليه مؤخراً من نقابة محامين لبنان في بيروت والذي هو إنذار صريح؟ هل يتحمّل نتائج استعمال هذه الأموال؟

باختصار، المحور الأساسي هو الثقة. استعادتها ضرورية لطمأنة المودعين بالقطاع المصرفي وبسياسة مصرف لبنان، وبالتالي، المصارف المُراسلة التي فقدتها بلبنان مع تأزم التجاذبات السياسية، والتخّلّف عن تسديد مستحقات اليوروبوندز، والاوضاع الأمنية المهتزة بانفجارات خطيرة دمرّت مرفأ من اهم المرافئ في المتوسط وعاصمة عريقة ، وأخيراً تصاعد الحملات العنيفة على مصرف لبنان و​القطاع المصرفي اللبناني​.

مصدرالنشرة - رولى راشد
المادة السابقةمياه بيروت: تسهيلات بالدفع تحسسا مع المواطنين
المقالة القادمةكم سجل سعر صرف الدولار في السوق السوداء؟