آخر أرقام مصرف لبنان: مستقبل قاتم ينتظر الليرة

حسب أرقام الميزانيّة النصف شهريّة، يتبيّن أن المصرف المركزي لم ينفق من سيولته بالعملات الأجنبيّة خلال النصف الأوّل من هذا الشهر سوى قيمة لا تتخطى حدود 20 مليون دولار. وهو ما يعني من الناحية العمليّة أن المصرف توقّف منذ بداية هذا الشهر عن تأمين الدولارات لاستيراد البنزين والغاز من احتياطاته بشكل تام. أما قيمة الاستنزاف الضئيلة التي ظهرت خلال تلك الفترة، فتعبّر عن حجم السيولة التي ما زال مصرف لبنان يوفّرها لاستيراد بعض أصناف الدواء القليلة، أو تمويل بعض الحاجات الملحّة جداً للدولة اللبنانيّة، التي يفترض أن يتم تمويلها بالعملة الصعبة.

الجانب الإيجابي من هذا التطوّر يرتبط بوقف استنزاف الاحتياطات بشكل نهائي هذا الشهر، بعد أن استمرّ هذا الاستنزاف لغاية الشهر الماضي. فخلال الأشهر الماضية، وحتّى بعد أن تم الانتقال إلى بيع الدولارات لمستوردي البنزين من خلال منصّة مصرف لبنان، وبسعر الصرف المعتمد فيها، استمر مصرف لبنان بتأمين الدولارات المطلوبة للمستوردين من احتياطاته، لتجنّب رفع الطلب على دولارات السوق الموازية بشكل سريع ومفاجئ. أما اليوم، وحسب ما تظهره أرقام النصف الأوّل من الشهر الحالي، فيبدو أن مصرف لبنان انسحب من مهمّة تأمين الدولارات لمستوردي البنزين من احتياطاته كليّاً. وهو ما سمح له بوقف استنزاف السيولة المتبقية لديه بالعملات الأجنبيّة. وهذا التطوّر بحد ذاته يُعد منعطفاً كبيراً في مسار الأزمة النقديّة في لبنان.

لكن، في مقابل هذا الجانب الإيجابي (وقف استنزاف السيولة الدولارية)، ثمّة جانباً مقلقاً جدّاً من ناحية التطورات المرتقبة على صعيد سعر صرف الليرة اللبنانيّة في السوق السوداء. فوقف استنزاف الاحتياطات لتأمين الدولار للمستوردين، يعني في المقابل أن المصرف المركزي بدأ باللجوء إلى السوق الموازية لتأمين هذه الدولارات وبيعها للمستوردين. وهو ما يعني ارتفاع الضغط على سعر صرف العملة المحليّة، ودفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية للارتفاع. ومن هذه الزاوية بالتحديد، يمكن الآن فهم أسباب عودة سعر صرف الليرة للهبوط في السوق الموازية بشكل يومي ومتدرّج، منذ منتصف الشهر الماضي. ومن هذه الزاوية أيضاً، يمكن توقّع استمرار الهبوط التدريجي في سعر صرف الليرة طوال الفترة المقبلة، بالنظر إلى حجم الطلب المرتفع والمستجد على الدولار، لتمويل استيراد البنزين.

في كل الحالات، بالنسبة إلى استيراد البنزين، استمرّ مصرف لبنان حتّى الآن ببيع الدولارات من خلال منصّته وبسعر الصرف الخاص بها، ولو أنّه لجأ –كما تظهر الأرقام الأخيرة- إلى تأمين الدولارات التي يتم بيعها من السوق الموازية لا من احتياطاته. وهذه الآليّة مختلفة بشكل جذري عن الآليّة التي تم اعتمادها لاستيراد المازوت، والتي قامت على دفع المستوردين لشراء الدولار النقدي من السوق الموازية بشكل مباشر.

لكن السيناريو الأخطر في المرحلة المقبلة سيتحقق في حال قرر مصرف لبنان وقف الاعتماد على المنصّة كلياً لبيع الدولارات لمستوردي البنزين، ودفع المستوردين إلى شراء الدولار النقدي للاستيراد من السوق بشكل مباشر، تماماً كما يحدث الآن بالنسبة إلى عمليات استيراد المازوت.

مجدداً، ستكون النتيجة الطبيعيّة لهذا التطوّر الضغط على سعر صرف الليرة اللبنانيّة، ودفع سعر صرف الدولار إلى الارتفاع في السوق الموازية. فأي زيادة في كمية السيولة المتداولة بالليرة في السوق، ستنعكس لاحقاً في زيادة الطلب على الدولار الأميركي، إما للاستيراد من الخارج عبر الاستهلاك، أو للإدخار. ومع انسحاب مصرف لبنان كلياً من مهمة تأمين الدولارات لمستوردي المحروقات، سيكون المصرف قد فقد أهم أداة كانت تسمح له سابقاً بالتدخّل في السوق للجم حجم الكتلة النقديّة، وهو ما سيصعّب على المصرف مهمّة ضبط سعر الصرف في السوق الموازية.

كل هذه التطورات تدفعنا إلى التشاؤم في كل ما يتعلّق بمستقبل سعر صرف الليرة اللبنانيّة، في ظل غياب أي خطة واضحة لدى مصرف لبنان لتفعيل منصّة التداول بالعملات الأجنبيّة، وجعلها أداة قادرة على استيعاب جميع عمليات السوق الموازية. باختصار، ما ندفع ثمنه اليوم لم يعد كلفة الخروج من مرحلة دعم استيراد السلع الأساسيّة فقط، بل عدم وجود سياسة نقديّة متزنة ومدروسة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةبحصلي: إرتفاع الأسعار قد يصل إلى نحو 20% بسبب المحروقات
المقالة القادمةالأحداث الأمنية “تحرق” حجوزات الفنادق وسياحة الأعياد