آخر جلسة للموازنة اليوم.. الّا اذا؟..

 

 

مشهد مقلق انطبع في الاجواء اللبنانية أمس، بَدا في البلد للحظة انه عاد الى زمن الازمات والتوتر الداخلي قبل سنوات؛ إدارة معطّلة لم ينفع معها تذكير رئيس الحكومة سعد الحريري بحذر الاضرابات والتحركات، والنتيجة اضرار واضح بمصالح المواطن، وإرباك فاضح تجلّى بأسوأ صوره في ارتال السيارات امام محطات المحروقات، بعد الحديث عن شحّ في مادة البنزين جّراء اضراب موظفي الجمارك، وعدم إنجاز معاملات التسليم. والشارع بلا ضوابط، تتجاذبه تحركات واعتصامات متعددة الاشكال والالوان اختلط فيها المتطفّل بصاحب الحق، واضرابات لنقابيين وأساتذة جامعة وثانويين ومتعاقدين لا يعرف في بعضها السبب الدافع الى الاضراب، فيما المتقاعدون العسكريون بَدوا يوم امس وكأنهم نزلوا الى ساحة الحرب، في مواجهة موازنة لم تجد طريقها بعد الى الولادة بعد طول نقاش غلبت عليه المزايدات السياسية من هذا الجانب او ذاك، وتُعلّق هذه الموازنة على وعود بإنجازها، وجديدها الوعد بأن تكون جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، هي الاخيرة في هذا المشوار.

امام هذا الواقع، ينبري السؤال، بأي صيغة ستخرج الموازنة، وهل سيتمكن القيمون عليها من تثبيت نسبة العجز عند الحد المعلن كإنجاز، اي 7,6% وما هو المصير الحقيقي للرواتب ومكملاتها، وأي أبواب سيتم العبور منها لتأمين الواردات لتحقيق هدف تخفيض العجز من دون ان تترتّب عليه مضاعفات وتداعيات سلبية تتسبّب بعجز كبير لدى الشرائح الوظيفية وتحديداً اصحاب الدخل المحدود؟

الجواب مفقود جرّاء غموض النقاشات، والتباين الواضح في المقاربات الوزارية، وصولاً الى التباين حول موعد الجلسة بين فريق يؤكد انّ النقاش وصل الى خواتيمه، وجلسة اليوم هي الحاسمة، وبين فريق آخر يقول انّ النقاش في بعض النقاط والابواب يتطلب جلستين أو ثلاث على الاقل. اما اذا صدق الوعد وأمكن وضع الصيغة النهائية للموازنة في جلسة اليوم، فهذا يفترض ان يقدّم الاجابات الواضحة عن كل التساؤلات، وفي ضوء ما ستنتهي اليه، ستتحدد الوجهة التي سيسلكها البلد، وإن كانت المؤشرات النقابية تعكس التوجّه الواضح نحو التصعيد.

نقاشات ومواجهات

وكانت جلسة مجلس الوزراء قد انعقدت في السراي الحكومي امس برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، وسط اجواء مشحونة، وإضراب عام شلّ المرافق الحيوية وتخللته تظاهرات واعتصامات نقابية و”عسكرية”، رفضاً “للمساس بالحقوق والمكتسبات والرواتب والاجور والتقديمات”، حاول خلالها المتقاعدون العسكريون اقتحام السراي الحكومي الامر الذي أدّى الى احتاكاك بينهم وبين القوى الامنية ومواجهات في ساحة رياض الصلح أدّت الى سقوط جريح من العسكريين المتقاعدين. وهو الامر الذي طرح علامات استفهام لدى المستويات الرسمية والسياسية كافة وعلى وجه الخصوص لدى اوساط رئيس الحكومة حول الخطوة ومبرراتها ومَن أوعز بها؟

وفي تقييم لجلسة الامس، فقد دخل مجلس الوزراء معركة “الأمر لمَن” في إنهاء مناقشات للموازنة، ظهر الكباش الى العلن مع انتهاء الجلسة الـ16 من جلسات مجلس الوزراء المتتالية على مدى 3 أسابيع.

وخرج الوزير جبران باسيل بعد 6 ساعات على انعقادها معلناً أنّ النقاشات لم تنته، ومطالباً الصحافيين بالكَف عن توجيه سؤال حول الجلسة النهائية لأنه لا يزال هناك الكثير كما قال، وانّ الوزراء يناقشون أموراً بالاقتصاد لأول مرة تحصل فيها نقاشات منذ عشرات السنين.

وردّ وزير المال علي حسن خليل متسلحاً بمساندة الحريري له، وقال: الكلام عن أننا نحتاج الى جلسات إضافية يتجاوز منطق إدارة الجلسات ويعقّد الأمور ويخلق مبررات للشارع من دون أي سبب حقيقي. وتابع: المطلوب تعزيز ثقة اللبنانيين، وليس التمييع والإطالة من دون أي مبرر.

وأعلن خليل من جهته انّ جلسة اليوم هي الجلسة الأخيرة وستكون سريعة، ويتحدث بعدها هو ورئيس الحكومة الى اللبنانيين، خصوصاً أنّ لبنان أمام استحقاقات كبيرة وقريبة والأفضل نقل البلاد الى ضفة أخرى بعد إقرار الموازنة.

وقالت مصادر وزارية انّ الأرقام الأخيرة المقدّمة من وزير المال أكثر من جيدة، وتظهر تخفيضاً في العجز وصل الى 7,6% وهو إنجاز كبير، وصورة جيدة لإعادة الثقة الى المجتمع الدولي بقدرة لبنان على الإصلاح ما ينعكس ايجاباً على إعادة تصنيفه فوق “السلبي”. وقالت المصادر حازمة: “لو تمكّن باسيل من فرض رسوم على الهواء الذي نتنفّسه لَما تأخّر”.

وتوقفت المصادر الوزارية عند إلحاح باسيل على مناقشة كامل بنود ورقته الاصلاحية وإدخالها ضمن الموازنة، رغم انها تحتوي على أمور سبق واتُّخذ فيها قرار أو استبعدت، أو إجراءات يمكن إدخالها ضمن رؤية اقتصادية شاملة تناقش لاحقاً بعد الموازنة التي لم تعد تحتمل الانتظار.

وعن موقف الرئيس الحريري، قالت المصادر: في البداية كان هناك شعور أنّ رئيس الحكومة يغطي باسيل ويسايره في طروحاته وإطالة الوقت، لكن في الجلستين الأخيرتين تغيّر موقفه وأصبح يشتكي من تأخير الوقت وتضييعه بنقاشات لا تنتهي.

وفيما استبق وزير الصناعة وائل ابو فاعور الجلسة بالاعراب عن أمله ان تكون هذه الجلسة “آخر الاحزان، لتبدأ بعدها الافراح المالية”، قال وزير العمل كميل ابو سليمان انّ “القوات اللبنانية طلبت تسليمها الارقام النهائية في الموازنة”، مشيرا الى “إعطائها مهلة 24 ساعة لدرسها”. بينما جاء وزير الاعلام جمال الجرّاح في نهاية الجلسة ليعلن أنّ مجلس الوزراء سيعقد الجلسة الأخيرة لمناقشة الموازنة، عند الثانية عشرة ظهر غد (اليوم) في السراي الحكومي، مشيراً الى اننا انتهينا من كل المواد، والأرقام باتت واضحة بشكل نهائي، ونِسب العجز أصبحت واضحة وكذلك الواردات والنفقات. وبقيت تفاصيل بسيطة ستتم صياغتها وستدخل غداً (اليوم) في صلب الموازنة. الأرقام انتهت وكذلك المواد القانونية”.

ورداً على سؤال، قال الجرّاح إنّ “نسبة العجز بحدود الـ7,6%”. وأوضح: “أجرينا ضغطاً كبيراً لحجم الإنفاق، حتى أننا ضغطنا جداً الوزارات في الإنفاق وألغينا الكثير من الأمور. فعلى سبيل المثال، وزارة الأشغال ضغطت كثيراً من نفقاتها، بنحوٍ يمكّنها من أن تقوم فقط بالأمور الأساسية والرئيسية التي لا يمكن تأجيلها”.

أما بالنسبة إلى الرواتب، أكّد الجرّاح انه في هذه الجلسة لم يتم المس بالرواتب، بل بحثنا فقط بمسألة رواتب النواب والوزراء وسنتخذ قراراً بشأنها غداً (اليوم).

رسوم

وعلمت “الجمهورية” انّ مجلس الوزراء أقرّ، بناء على اقتراح الوزير باسيل ومنصور بطيش، رسم 500 الف ليرة على رخصة الزجاج الداكن لكامل السيارة (الفوميه)، ورسم 200 الف ليرة على رخصة الزجاج الداكن الجزئي، ورسم 200 الف ليرة على رخص السلاح، واعترض عليه وزراء الحزب “التقدمي الاشتراكي” لغياب التصوّر حول هذا الاجراء والضوابط.

وبحسب المعلومات، فإنّ باسيل اقترح زيادة رسم الطابع في وزارة الخارجية من ألف ليرة الى 5 آلاف ليرة، كذلك اقر مجلس الوزراء فرض رسم مقطوع قدره ألف ليرة على نَفس “الاركيلة” في الفنادق والملاهي والمطاعم والمقاهي، ورسم 2% من قيمة البضائع المستوردة لغاية 31/ 12/2022.

يشار الى انه خلال الجلسة حصل جدال حاد بين باسيل ووزراء حركة “امل” و”حزب الله” حول الناجحين في مجلس الخدمة المدنية. اذ اعتبر باسيل انه بعد مرور سنتين على نجاحهم إذا لم يتم توظيفهم يُلغى نجاحهم، وسانده الوزير سليم جريصاتي مستنداً الى فقرة العيش المشترك في اتفاق الطائف، الأمر الذي رفضه خليل وفنيش باعتار انّ الطائف تحدث عن موظفي الفئة الاولى وليس الفئات الاخرى.

وحصل نقاش ايضاً حول حسم رواتب السلطات العامة، حيث اقترح باسيل توقيف معاش التقاعد للنائب مدى الحياة، واقترح عن كل دورة سنة او سنتين وتزيد السنوات اذا استمر كنائب لأكثر من 3 دورات.

هنا اعترض الوزير ابو فاعور على هذا الامر حفاظاً على كرامة النائب، مقترحاً توقيف الاستفادة من رواتبهم الى اولادهم بعد بلوغ 18 سنة، فذكر وزير المال بأنه ارسل اقتراحاً لتخفيض المخصصات، فطلب الحريري البحث عن حل وسطي يبحث ويقرّ في جلسة اليوم.

عام دراسي أسود

تزامناً مع انعقاد مجلس الوزراء، وتلبية لدعوة هيئة التنسيق النقابية ورابطة موظفي الادارات العامة للاعتصام في ساحة رياض الصلح رفضاً للمَس بحقوق الموظفين ورواتبهم، شاركت رابطة التعليم الثانوي الرسمي في التحرك بعدما أعلنت الاضراب العام يوم أمس وإقفال كافة المدارس الرسمية. وقال رئيس الرابطة نزيه جباوي لـ”الجمهورية”: “تحرّكنا لتوجيه الرسالة الاخيرة وهي “ما تِمزحوا معنا”، قبل أخذ خطوة أكبر من الاضراب ليوم ويومين”. مشيراً إلى “انّ مصير العام الدراسي قد يكون في خطر بِما فيه الامتحانات”.

والمشهد في المدارس الخاصة لم يكن أفضل حالاً، إذ لبّى عدد كبير من الاساتذة دعوة نقابة المعلمين للإضراب والاعتصام في ساحة رياض الصلح. في هذا السياق، يوضح رئيس نقابة المعلمين رودولف عبود لـ”الجمهورية”: “انّ سبب تحركهم الاساسي لرفض أي احتمال لفصل وحدة التشريع بين التعليم الرسمي والخاص، بالإضافة إلى مطالبتهم بالدرجات الست التي وعدوا بها بحسب القانون 46”. مشيراً بدوره إلى “انّ كل الاحتمالات واردة حول مصير العام الدراسي إلى حين صدور الموازنة ومعرفة “الخيط الابيض من الأسود”.

ساترفيلد

من جهة ثانية، عاد مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد من اسرائيل امس، والتقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري واطّلع منه على ما حمله من إسرائيل حيال مهمته المتعلقة بموضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وعكست أجواء عين التينة ليونة في المحادثات، واكتفى المكتب الاعلامي لرئيس المجلس بالاشارة الى “أنّ هناك تقدماً في المساعي التي يقوم بها ساترفيلد ولكنها لم تنته”.

تلازم وتزامن

وبحسب مصادر مواكبة لهذا الملف، فإنّ ساترفيلد يُراكم الايجابيات حول الحدود، والجانب الاسرائيلي وضع عدة ملاحظات على الورقة اللبنانية، ينطوي بعضها على ليونة وبعضها الآخر يتطلب إيضاحات وهو ما سيدفع ساترفيلد الى العودة مجدداً الى اسرائيل. وجددت المصادر التأكيد على انّ موقف لبنان بالآتي:

أولاً، التلازم والتزامن بين الترسيم في البر والبحر.

ثانياً، التنفيذ في وقت واحد من دون وضع سقف زمني.

ثالثاً، ما يهمّ لبنان هو التطبيق لا ان تبقى الامور على الورق فقط.

وأكدت مصادر عين التينة انّ رئيس المجلس يحمل هذا الملف منذ اكثر من 5 سنوات، والموقف لم يتبدّل، بحيث قلنا من البداية اننا مع الحوار برعاية الامم المتحدة، وفي حضور الولايات المتحدة الاميركية كوسيط نزيه يساعد على بلورة حلول.

ورداً على سؤال عمّا بدل الموقف الاميركي، قالت المصادر: الموقف الاميركي تبدّل منذ زيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى بيروت، حيث أعلن صراحة آنذاك انّ واشنطن تنوي تقديم المساعدة الجدية لحل هذا الملف بين لبنان واسرائيل.

عقد

وبحسب معلومات رسمية عمّمتها السراي الحكومي بعد لقاء الحريري بساترفيلد، فإنّ البحث تناول آخر المستجدات المحلية والاقليمية والمواضيع التي نوقشت الاسبوع الماضي من دون الدخول في اية تفاصيل أخرى. كذلك التقى ساترفيلد وزير الخارجية جبران باسيل من دون ان يدلي بتصريح.

وليلاً، قالت مصادر رسمية لـ”الجمهورية” انّ ساترفيلد حمل الى المسؤولين اللبنانيين بعض المؤشرات الإيجابية التي يمكن البناء عليها لاحقاً، وانّ تقدماً قد تحقق على مستوى الترسيم البحري وإمكان القبول بدور للامم المتحدة إذا شارك الأميركيون في اجتماعات الناقورة، فتتحول بذلك من ثلاثية الى رباعية.

وبحسب المعلومات، فإنّ ساترفيلد اشار الى انّ بعض العقد ما زالت تحتاج الى حلحلة، وانه سيعود الى اسرائيل في وقت قريب بعد ان يقوم بجولة اوروبية.

وامّا أبرز العقد فتتمثّل باعتراض اسرائيل على دور للأمم المتحدة التي لا تتمتع بصلاحية ادارة عملية الترسيم. وتشير المعلومات الى انّ ساترفيلد تبلّغ تشكيكاً إسرائيلياً بنوايا “حزب الله” لجهة الربط المحتمل بين اي حل مطروح ومصير مناطق لا تزال الخلافات بشأن هويتها اللبنانية غير محسومة، كما هي حال مزارع شبعا.

اليونيفيل: لا علاقة لنا

الى ذلك، وفي خطوة لافتة، أعلن المتحدث الرسمي باسم اليونيفيل، اندريا تينانتي، ان لا علاقة للقوات الدولية بترسيم الحدود البحرية ما بين لبنان وإسرائيل. وقال: انّ أنشطتها محصورة بموجب القرار 1701 برّاً ما بين الليطاني والخط الازرق. مشيرا الى انّ المنتدى الثلاثي الذي ينعقد دوريّاً برعاية قيادة اليونيفيل يعالج كل القضايا المتعلقة بترسيم الحدود البرية والخط الازرق والخروقات لهذا الخط. وانّ استضافة اليونيفيل لمحادثات لبنانية – اسرائيلية لمناقشة مسألة الحدود البحرية أمر خارج إطار القرار 1701، وانّ أمراً كهذا يتعلق بالأمم المتحدة في نيويورك.

 

مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقةالاخبار: موازنة “نارة يا ولد”!
المقالة القادمة‎مخاض الموازنة إلى نهاية على رغم استئخارها من باسيل