في جعبته مشاريع عدّة تصبّ في خانة سلامة الغذاء وجودة المنتج المحلّي في محاولة لمواجهة الدول العملاقة التي تنافسنا وزيادة الصادرات. من “الحملة الوطنية لدعم الصناعة الوطنية”، الى “مطابق أو غير مطابق” ولكن هذه المرّة من باب وزارة الصناعة وليس “الصحّة”، الى مشاريع أخرى يعلن عنها في حينه، الى الرسوم النوعية، ورسم الـ 3% على السلع المستوردة الخاضعة للـ TVA، كان محور اللقاء مع وزير الصناعة وائل أبو فاعور الذي أعلن لـ”نداء الوطن” أن “رسم الـ 3% لا يخدم ولا يحمي الصناعة الوطنية”.
“بالوطني بدعم وطني” هو شعار الحملة لدعم الصناعة الوطنية الذي تطلقه وزارة الصناعة غداً بالتعاون مع جمعية الصناعيين اللبنانيين وبرعاية رئيس مجلس الوزراء. تلك الحملة الترويجية التي لم يحدد تاريخ لانتهائها هي كناية عن خريطة طريق، تبدأ بفيلم دعائي وتسويقي عن الصناعة اللبنانية حاملاً شعار “بالوطني بدعم وطني”. وتتكامل الحملة مع برامج تثقيفية وتوعوية عن الصناعة، واقامة المعارض المتنقلة والمتخصصة في المناطق اللبنانية والمشاركة في المعارض الخارجية لتشجيع تسويق الانتاج اللبناني.
ويكمن الهدف من وراء تلك الحملة، يقول أبو فاعور: “توعية اللبنانيين على أهمية الصناعة الوطنية والمنتجات المصنعة محلياً وذات الجودة العالية، بغية إعطاء الأفضلية للمنتج اللبناني وليس المستورد، باعتبار أن كل ليرة ننفقها على المنتجات المصنعة داخلياً لها مردودها الإيجابي على الاقتصاد، فدعم الصناعة يؤمن فرص عمل ويحقق التنمية الإقتصادية والإجتماعية”.
وحول رسم الـ 3% الذي أقرّ في موزانة 2019 على 1400 سلعة مستوردة تخضع للضريبة على القيمة المضافة، والدرجة الحمائية التي يمكن ان يوفرها للصناعة، خصوصاً انه تم الحديث عن زيادة في الأسعار تتراوح نسبتها بين 5 و10% وليس فقط 3%، أوضح أبو فاعور أن «هذا الرسم لم يكن مطلباً من وزارة الصناعة، بل رفعها وزير الإقتصاد بهدف دعم القطاعات الإنتاجية المحلية، ولكن ما حصل أن الجزء الأساسي والأهم من هذا الطرح، أن يعود قسم من العائدات لدعم القطاعات الإنتاجية، البند الذي تمّ إسقاطه”.
وفي ما يتعلق بالتغيير الذي طرأ على مطلب الصناعيين الدائم بدعم الصناعة المحلية من خلال فرض رسوم على السلع المستوردة والموجودة محلياً، يقول: “إن رسم الـ 3% بالصيغة التي أقرّ فيها لا يحمي الصناعة الوطنية بل يستقطب 300 مليون دولار عائدات للدولة، ووزارة الصناعة معنية أكثر برسوم الحماية من الإغراق”.
واضاف أن “الفكرة الأساسية التي نحاول ترسيخها هي إعطاء الصناعة المكانة التي تستحقها وهي الصناعة – القضية، القضية الإقتصادية والإجتماعية وكيفية ربطها بسوق العمل والإمكانات المتاحة لخلق فرص عمل في التنمية، ومدى قدرتنا على زيادة مساهمة الصناعة في الناتج الوطني، وحملة دعم الصناعة المحلية أو الترويج لها تدخل في هذا الإطار”.
مناخ التفكير الإقتصادي
ويعتبر أن “المناخ اليوم في الحكومة وفي المجلس النيابي اختلف عن الذي كان سائداً سابقاً، فطريقة التفكير ابتعدت عن الإقتصاد الريعي”. ورأى أنه “عندما يقتنع صانع القرار السياسي في لبنان، أن الصناعة هي مكون أساسي من مكونات اقتصادنا الوطني وحبل نجاة لنا في ازماتنا الإقتصادية والمالية، تتغير طريقة التعاطي مع موضوع الصناعة، الأمر الذي حصل حالياً. وقد باتت لنا وجهة نظر مختلفة قوامها تبني الصناعة والإهتمام بها تحت عنوان “الحماية من الإستيراد الإغراقي”، بعيداً من المنطق الإقتصادي السائد في الماضي وهو الإحتكار التجاري الذي كان يسيطر على القرارات الإقتصادية والسياسية احياناً في البلاد”. مضيفاً: “إلا أن تأثير التجار على السوق المحلية، تراجع وبدأت الدولة تنحو المنحى الإقتصادي الإنتاجي لتتخلص بذلك رويداً رويداً من التأثيرات السلبية لأصحاب الإحتكارات التجارية الكبرى”.
الرسم النوعي
وبالنسبة الى الرسم النوعي والذي تم اقراره في الموازنة، يلفت أبو فاعور إلى أن «القرار يضم 20 منتجاً وقطاعاً، صدر مرسوم يتضمن 18 منتجاً وقطاعاً مثل قطاع الملبوسات، الأحذية، الألبان والأجبان، الألمنيوم، الطحين والبرغل…وهي قطاعات اقتصادية كبيرة. وهذا القرار سيدخل تغييراً جذرياً في حياة الصناعيين اللبنانيين والأهم في الصناعة الوطنية، بمجرد ان يدخل حيّز التطبيق”. وفي هذا السياق يقول ابو فاعور: “بدأنا نلمس نتائج ايجابية، والدليل التقرير الأخير للربع الأول من العام 2019 الذي بيّن زيادة في الصادرات بنسبة 4% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي و10% عن سنة 2017”.
ويتابع: “تتراوح نسبة الرسوم النوعية المفروضة على السلع بهدف حماية المنتجات المحلية بين 5 و27 في المئة، وتختلف بحسب كل منتج وتعني الصناعيين مباشرة لضمان المنافسة العادلة على عكس رسم الـ 3%، حيث مسألة رفع الأسعار غير محسومة وتم إعفاء كل المواد التي لا تخضع للضريبة على القيمة المضافة من الـ 3% والمواد الأولية والبنزين، وبذلك ليس متوقعاً أن تتراجع القدرة الشرائية طالما أن تلك المنتجات المستوردة لديها بديل محلي”.
أساليب الحماية
وحماية المنتجات المحلية من الإستيراد الإغراقي من الخارج هي حاجة ملحّة في الوقت الراهن، والسبب، يشرح ابو فاعور، “الدول المحيطة بنا والتي نتصارع معها، حيث تتم المواجهة المحلية مع صناعيين عمالقة، يفرضون إجراءات حمائية لدعم صناعتهم مثل الصين وتركيا، إذ أن الأخيرة تدعم كل سلعة مصدّرة بنسبة 12% من سعرها، ومصر بنسبة 7% …”.
وعن امكانات الدولة اللبنانية الحمائية مادياً، يؤكد أن “دولتنا غير قادرة على الدعم مالياً، لكنني قدمت في هذا السياق آلية دعم مشابهة بنسبة بسيطة جداً للصادرات الصناعية المحلية حيث تتم دراستها، وسنتابع المعركة لأن حماية الإنتاج جزء من المعركة، والجزء الثاني هو كيفية تشجيع الصادرات”.
وتحفيز الصادرات اللبنانية الى الخارج يتطلب إجراءات أخرى، عن ذلك قال أبو فاعور: “يجب أن نخوض المواجهة أو المفاوضات الدبلوماسية التجارية مع الدول التي نحقق نوعاً من التوازن معها في مجال الإستيراد والتصدير، لأن السوق اللبنانية مستباحة والصناعة اللبنانية تتعرض للكثير من المعوقات بعضها قانونية وأخرى تقنية، العراق على سبيل المثال اتخذ قراراً بمنع دخول المرطبات والعصائر اللبنانية الى أراضيه بغية حماية صناعته المحلية، في هذا السياق قررنا اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل”.
ويضيف: “سبق أن بدأنا التفاوض مع الإتحاد الأوروبي حول مسألة المعاملة بالمثل، وآلية التعاون بين لبنان وبريطانيا بعيد خروج الأخيرة من الإتحاد الاوروبي، وحقق الفريق التفاوضي اللبناني انجازاً اذ جاء لمصلحة لبنان على عكس الإتفاق الموقع مع الإتحاد الأوروبي سابقاً والذي يخرج عن التوازن والعدالة تجاه لبنان، ومن المتوقع أن يقرّ هذا الإتفاق الشامل في ما بعد في مجلسي النواب اللبناني والبريطاني”.
ويتابع: “فمن خلال كل تلك المبادرات تسعى “الصناعة ” الى إصلاح الخلل الكبير في ميزان الصادرات، فقطاع الصناعات الغذائية في لبنان يشكل نسبة 25% من التصدير الصناعي اللبناني وهو قطاع متطور جداً ويحتاج الى حماية من الخارج”.
ولا تنحصر الحملات الترويجية والحمائية للصناعة المحلية عند هذا الحد، بل عاد شعار “مطابق أو غير مطابق” الى الواجهة، ولكن هذه المرة من باب “الصناعة”. حول تلك الحملة يوضح ابو فاعور: “بدأنا بالحملة، والفكرة الأساسية تقوم على أن الصناعات الغذائية اللبنانية بقدر ما يجب أن تحظى بدعم من قبل الدولة، بقدر ما يجب ان تكون مطابقة للمواصفات الغذائية والصحية والبيئية العالمية. ومن بين المؤسسات الغذائية التي تشملها الحملة بعيد انطلاقتها منذ 10 أيام: الأفران، المسالخ، مؤسسات المياه وحتى الليطاني منها، يجب أن تكون جميعها مطابقة للمواصفات الغذائية والصحيّة والبيئية وحصولها على ختم الجودة من وزارة الصناعة، ما يشكّل حافزاً لتسويق المنتجات في الخارج، أما المؤسسات غير المستوفية للشروط المطلوبة فستتخذ بحقها إجراءات معينة”. واضاف أبو فاعور: “بدأنا بالكشوفات وبما أن حملة الليطاني مدرجة ضمن “مطابق أو غير مطابق”، أقفلنا 14 مصنعاً بسبب عدم استيفائها الشروط المطلوبة”.
تعددت الحملات والتدابير الحمائية للصناعة اللبنانية، لزيادة حجم الإستهلاك الوطني ومعه قيمة إجمالي الناتج المحلي، لكن يبقى رفع قيمة الصادرات ونموّها المستدام، التحدّي الأبرز والأصعب في ظلّ الدول العملاقة التي تسيطر على السوق العالمي مثل الصين والولايات المتحدة.