أهلاً بكم في جمهورية الفقراء

الميلاد “فريش” هذه السنة، بالدولار او ما يعادله، وميلاد الليرة اللبنانية محفوظ في علب السنوات الماضية ومتروك على “التتخيتة”. اللبناني الذي اعتاد، ككل شعوب العالم الاستهلاكي، جعل الميلاد مناسبة للانفاق وتبارى مع نفسه وجيرانه في تكبيرالشجرة وتضخيم زينتها يجد نفسه اليوم عاجزاً عن البقاء في المنافسة.

موسم الأعياد انطلق وإن تكن نكهته مرّة هذا العام، والناس تحاملوا على يأسهم وإحباطهم في محاولة لإستعادة طيف الفرح الهارب ولو من خلال الفرجة. لكن في حالة الفصام التي باتت تميّز لبنان، انقسم جمهور الأسواق بين حاملي الليرة وحاملي الدولار اي بين المتفرجين والمتسوقين وبين من يعدّون الأصفار ومن لا يحسبون لها حساباً وانفصمت الأسواق بين تلك التي تسعّر بالملايين وعشرات الملايين وتلك التي لا يزال للفقير فسحة فيها بالألوف.

في أحد المجمعات التجارية الراقية تحتل زينة الميلاد حيزاً غير كبير في الطابق الأرضي لا يشبه المساحات الواسعة التي كانت تخصص لها سابقاً. لكن ضمن هذه المساحة الضيقة تتكدس أسعار يصعب على العين تصديقها. يتأملها العابر من أمامها ويتفحصها ويعيد احتساب أصفارها علّه اخطأ في العد والتبس عليه الرقم، ليتأكد بعد التمحيص أن الأسعار المكتوبة بخط صغير على قفا الملصق هي حقاً بالملايين.

نعم الطلب كبير من أصحاب الفريش دولار القادرين على تحمل كلفة الزينة رغم هول أسعارها. “Boule” من القماش ليست أكبر من قبضة اليد يعلوها جذع امراة لا يتعدى طوله بضعة سنتيمترات يبلغ سعرها 1،116،000 ليرة اي ما يقارب ثلث الحد الأدنى المقترح للأجور بعد رفعه وإضافة إليه مليون و 400 الف ليرة في الشهر كبدل نقل إن أقر المشروع. ولكن بالفريش سعر الـ”بول” 45$.

صنف آخر من الطابات مزين برأس الأيل تباع الواحدة منه بـ 342000 ليرة فيما رفيق له شفاف مرصع بذرات متلألئة تباع القطعة منه بـ 19500 ليرة فيما الطابات الأدنى سعراً وهي مغطاة بفراء ناعم يتراوح ثمنها بين 60 و70 الفاً للواحدة وإحدى قطع الزينة وهي على شكل قوس النصر الباريسي يصل سعرها الى 447000 فيما نجمة فضية معلقة بحبل مجدول سعرها 966000. وشجرة تزينيية بيضاء لماعة تتباهى بسعر تنافسي يصل الى 2451000 ليرة. هنا يستحيل إيجاد اية قطعة بأقل من خمسين ألف ليرة والأسعار يحددها الإستيراد والمواد التي تصنع منها الزينة حسبما تخبرنا البائعة. القطع السينيه الأوروبية الصنع من ألمانيا، فرنسا وإيطاليا او التي تحمل توقيع ماركة معينة هي الأغلى، اما القطع المصنعة من البورسلين او من مواد سريعة العطب فاسعارها هي الأعلى وقد توازي إيجار بيت لشهر على الأقل وفق قانون الايجارات الجديد.

اما العائلة المقدسة فتلك قصة أخرى، إذ أن قيمتها توازي حجمها، لا أصلها وفصلها. فالحجم الوسط يباع بستة ملايين اي ما يعادل 250 دولاراً اما الحجم الأكبر فهو يقارب سبعة ملايين أو285 دولاراً، فيما العائلة المصغرة التي تقتصر على الأشخاص الثلاثة بدون المجوس وبحجم مقبول يناسب البيوت الصغيرة فلا يتعدى سعرها 1806000…

“بابا نويل” يحق له هذا العام أن يتباهى ويتفاخر فقيمته تفوق ما يجنيه رب عائلة مستورة في شهر أو أكثر، وكثر من أرباب العائلات قد يكتفون بقبعته او جوربه. هنا الحجم غير مهم، الهيبة هي الأهم فبابا نويل صغير لا يتعدى حجمه اربعة سنتيمترات لا كيس معه ولا جورب سعره 215000 ليرة فيما زميله المتوسط الحجم يرفع بفخر راية المليونين…

على المقلب الآخر وفي جمهورية الفقراء حيث تعيش الغالبية العظمى من شعب لبنان تأخذ أسعار زينة الميلاد بعداً آخر أكثر إنسانية. بين المحلات الشعبية ومحلات الألعاب والسوبرماركت قد تتفاوت أسعار أشجار الميلاد وزينتها بنسب مقبولة ترتبط بأهل المنطقة وقدرتهم الشرائية لكنها تبقى محدودة الأصفار يتقبلها المنطق.

إذاً ليست زينة الميلاد سلعة عالمية تخضع لأسعار السوق كالبن والنفط او الحبوب وليس لارتفاع أسعارها في لبنان ما يبرره سوى جشع البعض وبطر البعض الآخر فيما الفقراء القدامى والجدد يتحسرون على أيام شلح الصنوبر وزينة القطن والـ “بوشار” وضحكة الصغار في البيوت.

 

مصدرنداء الوطن - زيزي إسطفان
المادة السابقةمشروع إستجرار الغاز المصري عبر الأردن وسوريا رهينة القرار الأميركي
المقالة القادمةالوعد الفارغ… بطاقة تمويلية من دون تمويل!