أوروبا تحبس أنفاسها: النفط واليورو في مهب الدولار

أزمات سياسية واقتصادية تعصف بالدول الأوروبية، تتجاوز أصداؤها الحدود الأوروبية والعملة الموحّدة اليورو، لتصيب النفط والبرنت والذهب وعموم الأسهم والتداولات، وتُشيع مخاوف من أزمة ركود اقتصادي قد تصيب العالم أجمع.
ولأول مرة منذ 20 عاماً تتراجع قيمة اليورو أمام الدولار الأميركي بنحو 11 في المئة منذ بداية العام 2022 وحتى اليوم، في ظل مخاوف من حدوث ركود اقتصادي في منطقة اليورو، بسبب حالة عدم الاستقرار التي يشهدها قطاع الطاقة، وارتفاع مستويات التضخم التي تنذر بدورها بمزيد من عمليات رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي.

ضعف اليورو

تشكّل الحرب الأوكرانية أحد أبرز العوامل الدافعة للأزمة الاقتصادية الحالية التي تضرب الدول الاوروبية، وقد دفع تفاقمها إلى إشعال أزمة طاقة في المنطقة تهدّد بزجّها في براثن الرّكود. هذا الواقع شكّل دافعاً غير مباشر لهبوط العملة الأوروبية الموحّدة إلى مستويات تاريخية تساوت فيها مع نظيرتها الأميركية.

تتزايد المخاوف على مستوى العالم من ركود اقتصادي، معزّزاً بارتفاعات غير مسبوقة في معدلات التضخم في الدول الأوروبية، وهو ما دفع المستثمرين للهرب من اليورو إلى الدولار الأميركي، الذي بات يُعتبر اليوم “الملاذ الأكثر أماناً وثقة” لمواجهة خطر التضخم.

أما ما يزيد من ضعف اليورو وتداعيه في وجه الدولار، فهو تراجع الثقة وعدم اليقين بالسياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي. إذ من المتوقع أن يرفع المركزي سعر الفائدة الصفري الحالي خلال شهر تمّوز الجاري. ويأتي ذلك عقب قرارات سابقة للفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة. وهو ما يفسّر مسألة ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام العملات مؤخراً.

وقد بلغ سعر اليورو في الساعات الماضية معدل الدولار نفسه، فأصبح كل يورو يعادل دولاراً واحداً(1 يورو=1 دولار)، وسط ترجيح العديد من الخبراء بأن يستمر اليورو لفترة من الزمن بالتأرجح بين مستويات منخفضة تتراوح بين 0.95 سنتاً ودولار واحد. ما يعني أن البعض يتوقع مزيداً من التراجع لليورو أمام الدولار.

زوبعة النفط

المخاوف من الوقوع في ركود اقتصادي وتباطؤ الاقتصاد العالمي لم يعف النفط من تأثيراته. وقد هبطت أسعار النفط بشكل كبير في ظل ارتفاع الدولار وفرض قيود لاحتواء كوفيد-19 في الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم. وطبعاً، وسط مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وقد انخفض خام برنت القياسي العالمي، يوم الثلاثاء 12 تموز، 7 دولارات، متراجعاً عن مستوى 100 دولار للبرميل للمرة الأولى في غضون ثلاثة أشهر، وسط قوة الدولار وضعف آفاق الطلب، وجاء الانخفاض الحاد في أعقاب تعاملات متقبلة على مدى شهر، وسط مخاوف من أن الزيادات الحادة في أسعار الفائدة لوقف التضخم ستؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي، من شأنه أن يقلص الطلب على النفط.

أما لجهة التوقعات المستقبلية بشأن الطلب على النفط، فقد توقعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.7 مليون برميل يومياً في العام 2023، أي بمعدل أبطأ قليلاً من ارتفاعه في العام 2022، في ظل دعم الاستهلاك من خلال احتواء أفضل للوباء والنمو الاقتصادي العالمي الذي ما زال قوياً، حسب رؤية أوبك.

وعقب إعلان أوبك تقريرها تماسك النفط بعد انخفاضه في وقت سابق، وجرى تداوله عند مستويات تقل كثيراً عن تلك التي بلغها في آذار الفائت بنحو 25 في المئة، والتي لامست 139 دولاراً للبرميل الواحد.

وقد ارتفعت أسعار النفط اليوم الأربعاء 13 تموز، بعد يوم من انخفاضها إلى ما دون 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ نيسان، لكن المكاسب بقيت محدودة وسط ترقب قبيل بيانات التضخم الأميركية التي قد تضعف السوق. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 45 سنتاً أو 0.5 في المئة إلى 99.97 دولاراً للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 44 سنتاً، أو 0.5 في المئة، إلى 95.27 دولاراً.

ويخشى المستثمرون أن تؤدي الزيادات الحادة في أسعار الفائدة، بهدف كبح التضخم، إلى تباطؤ شديد للنشاط الاقتصادي وإلحاق الضرر بالطلب على النفط.

تراجع المعادن

أما الذهب، فقد استقر مع انخفاض العائد على سندات الخزانة الأميركية، الأمر الذي عزز الطلب وعوض تأثير صعود الدولار. وهو ما دفع بالذهب إلى التراجع لأدنى مستوى في 9 أشهر في وقت سابق.

واستقر سعر الذهب عند 1733.59 دولاراً للأوقية (الأونصة) بعد أن بلغ أدنى مستوياته منذ 30 أيلول الفائت عند 1722.36 دولاراً للأوقية. وقد جعل ارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى في 20 عاماً مقابل سلة عملات رئيسية، الذهب أعلى ثمناً للمشترين من حائزي العملات الأخرى. وكذلك الأمر بالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى. فقد انخفضت أسعار الفضة إلى 18.95 دولاراً للأوقية والبلاتين إلى 852.07 دولاراً للأوقية والبلاديوم إلى 2130.02 دولاراً للأوقية.

وانسحبت المخاوف من الركود إلى أسواق الأسهم، لاسيما مؤشري ستاندرد اند بورز 500 وداو جونز اللذين فتحا على انخفاض، مع شعور المستثمرين بالقلق إزاء الاقتصاد العالمي في ظل تحرك البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بقوة لكبح جماح التضخم.

مصدرالمدن - عزة الحاج حسن
المادة السابقةانتهى العيد: عودة إلى “جحيم” البحث عن ربطة خبز
المقالة القادمةالشامي: طَرح بعض المصارف استخدام عائدات النفط والغاز لسد الفجوة المالية غير ممكن