إدارة الثروة الغازية والنفطية: مشروع صراع شيعي ـ ماروني!

فور تصاعد دخان توافق الجانبين اللبناني والإسرائيلي على «رسالة» الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فاحت رائحة النفط والغاز المحتمل في الأوساط السياسية، وتصاعدت وتيرة الكلام عن إنشاء صندوق سيادي لبناني للثروة النفطية. وللغاية سارع رئيس اللجنة الفرعية لإنشاء الصندوق السيادي النائب إبراهيم كنعان الى «دعوة اللجنة الأسبوع المقبل لعقد اجتماع لبدء درس مشاريع واقتراحات قوانين الصندوق السيادي اللبناني المقدمة في السنوات السابقة، توصّلاً الى قانون عصري وعلمي» كما أكد لـ»نداء الوطن». فالقواعد التي ستعتمد بحسب كنعان لا يجب أن ترتكز على اطفاء دين وتغطية هدر وعجز، بل الذهاب الى الادخار والحفاظ على الأصول والمساهمة في الانماء الاقتصادي.

كنعان: للمساءلة والمكاشفة والشفافية والرقابة

وقال إن «ادارة عائدات النفط والغاز لا يجب ان تكون كما اعتدنا في لبنان من هدر وفساد. والصندوق السيادي يجب ان ينضم لمبادئ سانتياغو العالمية في المساءلة والمكاشفة والشفافية والرقابة». واذا بحثنا في القوانين التي تمّ إقرارها أو تمّ اقتراحها، يتبيّن لنا أن قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية الصادر في 2 أيلول 2010 شكّل منطلقاً لاقتراحات ومشاريع القوانين الثلاثة للصندوق السيادي اللبناني التي تمّ تقديمها: الأول كان اقتراح قانون تقدّم به النائب أنور الخليل في العام 2017، وتلاه مشروع قانون للصندوق السيادي اللبناني تقدّم به الوزير السابق سيزار أبي خليل في العام 2019 وآخر من قبل الحكومة . إلا أن أياً من تلك الإقتراحات لم تسلك طريق الإقرار، ويقول كنعان في هذا السياق إن «ذلك يعود الى سببين: الأول، بدء الانهيار في البلاد منذ نهاية العام 2019، وتغيّر الأولويات الى أخرى مالية أكثر الحاحاً. والثاني، عدم التثبّت او التحقّق بعد من وجود موارد نفطية او غاز في المياه اللبنانية».

القانون الصادر في 2010… ماذا يقول؟

وبالعودة الى اقتراح قانون الموارد البترولية في المياه البحرية الصادر العام 2010، فقد عدّدت مادته الثالثة مبادئ إدارة البترول ومن بينها: «ايداع العائدات المحصّلة من قبل الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية في صندوق سيادي، وتحديد نظام الصندوق ونظام إدارته الخاصة ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص. بالإستناد الى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والإستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة. وتصرف الجزء الآخر وفقاً لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة بما يجنّب الإقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المديين القصير والطويل».

الإشكاليات المطروحة … ثلاث

واعتماد تلك المبادئ في الصندوق ليس بالمسألة السهلة، لذلك فإن الصندوق السيادي للثروة النفطية سيطرح إشكاليات عدة حول الجهة التي ستديره وكيفية توزيع الأموال. وقال الباحث الإقتصادي ومدير مركز إشراق للدراسات د.أيمن عمر لـ»نداء الوطن» إن «فكرة إنشاء صندوق سيادي للثروة النفطية والغازية المأمولة في لبنان جيدة اقتداءً بالصندوق السيادي ودوره الفاعل في الاقتصاد والمالية العامة في النروج. ولكنه اعتبر في المقابل أن «إنشاء الصناديق والمؤسسات العامة ذات الاهداف المحددة فكرة غير مشجعة وغير ناجحة نهائياً في لبنان. لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالفساد وسرقة المال العام والتحاصص الطائفي والمذهبي ومثالها الفاقع صندوق المهجرين وغيره من المؤسسات العامة. لذلك إن تأسيس صندوق الثروة السيادي الخاص بالغاز والنفط قد يندرج ضمن هذا الإطار، وبذلك يكون إنشاؤه أمام إشكاليات عدة:

الاشكالية الأولى: هل سيتشكل الصندوق قانوناً ضمن مؤسسة عامة ذات طابع خاص، أم يُعتبر حساباً بنكياً فقط يخضع لسلطة مصرف لبنان؟ ونقع هنا أيضا في إشكالية سلطة حاكم مصرف لبنان وتحكمه فيه. والتجربة خلال الأزمة غير مشجعة في تحكم الحاكم – أيّا كان هذا الحاكم- في أي موضوع كان يخضع لسيطرته بما يمتلك من صلاحيات وفق قانون النقد والتسليف.

الِإشكالية الثانية: في حال كان الصندوق مؤسسة عامة لسلطة ووصاية من سيخضع؟ لسلطة وزارة المال أو وزارة الطاقة أو غيرهما؟ فتصبح الوزارة المسؤولة هي الأهم في أي حكومة. وبالتالي ستزداد تعقيدات تشكيل الحكومة عند الاتفاق حول توزيع الوزارات وتطول أكثر وأكثر عملية تأليف الحكومة. وبدل أن يكون صندوقاً سيادياً وطنياً جامعاً يدير ثروة وطنية نصبح أمام صندوق مذهبي محط تنازع وتحاصص.

الاشكالية الثالثة: ما هي وظائف وأهداف هذا الصندوق؟ هل سيتم توظيف عائدات هذا الصندوق في استثمارات خارجية على طريقة الصندوق النرويجي وحفظ حقوق الأجيال المقبلة في هذه الثروة الوطنية؟ أم سيخصّص فقط لتسديد الخسائر المالية الناجمة عن الأزمة الحالية وتخصيص عوائده لأهداف محددة؟.

الاشكالية الرابعة: من سيكون المدير العام للصندوق؟ من الموارنة أو الشيعة أو السنّة أو الروم أو أو…. على الطريقة اللبنانية؟».

المنظومة أعادت إنتاج نفسها

ويضيف عمر: «في ظل إعادة إنتاج الطبقة الحاكمة لنفسها وتجديد روحها وخاصة مع انتصار اتفاقية الترسيم، تتحوّل هذه الإشكاليات إلى عقبات أمام ثروة وطنية وصندوق سيادي يديرها. وطالما أن عقلية معامل الكهرباء: معمل سلعاتا المسيحي مقابل معمل دير عمار السنّي ومعمل الزهراني الشيعي، سنصبح أيضا أمام صندوق سيادي سنّي يدير الثروة في بلوكات المناطق السنّية، صندوق آخر مسيحي يدير بلوكات المناطق المسيحية، وصندوق شيعي للمناطق الشيعية، فنمسي أمام فدرالية النفط والغاز ويضيع المعنى الاقتصادي والمالي لهذه الثروة الوطنية».

إرتباط وثيق ببنية النظام… ووعي المواطنين

يعتبر عمر، أن «نجاح صندوق الثروة يرتبط ارتباطاً وثيقا في بنية النظام اللبناني السياسي ونموذجه الاقتصادي، والقدرة على تطويره وتغيير مرتكزاته القائمة على قاعدة 6 و6 مكرر، وهذا مسار طويل لا تتوفر إمكانيات تطبيقه حالياً. إضافة إلى أنه يتطلب تغييراً حقيقياً في وعي المواطنين السياسي والاقتصادي والخروج من عباءة الولاءات الطائفية والانتماءات المذهبية. وعندها ستنعكس هذه العقلية في صناديق الاقتراع وبالتالي تتشكل سلطات جديدة قائمة على الوعي الشعبي وتخضع للمحاسبة والمساءلة، وضمناً يخضع هذا الصندوق للمساءلة وتتحقق فيه الشفافية والحوكمة الرشيدة، وبذلك يستطيع القيام بأهدافه التي أُنشئ لأجلها». إنطلاقاً من هنا، إذا سلك لبنان مثل النروج طريق تطبيق دولة القانون والحوكمة وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والمذهبية والفئوية، عندها سينجح الصندوق السيادي للثروة في تحقيق الأهداف التي يجدر ان يحقّقها والتي ستدفع البلاد قدماً، ودون تلك المعايير يكون مصير الصندوق الفشل، هذا إذا ادرج لبنان على لائحة الدول النفطية وتمّ اكتشاف الغاز والبترول في مياهه!.

مقاربة بين اقتراحي قانون 2017 و2019

تبيّن مقاربة سريعة بين اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني الذي تقدّم به النائبان ياسين جابر وانور الخليل، في العام 2017 وبين اقتراح القانون المقدّم من النائب سيزار أبي خليل في العام 2019، أن هناك اختلافاً في نشأة الصندوق السيادي اللبناني وفي إدارته. فالمادة الرابعة من اقتراح 2017 (جابر والخليل) نصت على أنه «تنشأ مؤسسة عامة ذات طابع خاص تدعى «الصندوق السيادي اللبناني» تتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلالين المالي والإداري. ويرتبط الصندوق مباشرة بوزير المالية الذي يمارس سلطة الوصاية عليه». ويتألف مجلس الإدارة من 8 أعضاء معينين من قبل مجلس الوزراء (المادة6) . على أن يعاون مجلس الإدارة 6 لجان و8 وحدات إدارية (مواد7و8). أما في اقتراح أبي خليل، فقد نصّ على أن «ينشأ بموجب قانون الصندوق السيادي اللبناني كحساب مصرفي في المصرف المركزي يكون ملكاً للدولة اللبنانية». ويتألف مجلس الصندوق من 8 أعضاء وهم رئيسا الجمهورية والحكومة ووزراء المال والطاقة والإقتصاد وحاكم مصرف لبنان … (المادة8) كما يتضمن اقتراح ابي خليل تعيين مفوضية الحكومة لدى الصندوق السيادي في رئاسة الجمهورية، أما في اقتراح قانون الخليل وجابر، فتنشأ مديرية الأصول البترولية في وزارة المالية.

من حيث الاهداف فقد تضمن اقتراح الخليل وجابر صراحة سداد الدين العام كهدف اساسي، فضلا عن الادخار. بينما ورد تأمين استقرار الاقتصاد اللبناني بشكل عام في اقتراح ابي خليل الى جانب الاستثمار في اصول مالية خارجية وادارة رشيدة. اما لناحية الرقابة الادارية للصندوق، فتكون وزارة المالية هي سلطة الوصاية في اقتراح الخليل وجابر على أن تنشأ مديرية للأصول البترولية في وزارة المالية. ولا تختلف كثيراً آليات التدقيق والشفافية بين الاقتراحين لناحية رقابة ديوان المحاسبة ونشر التقارير السنوية مع اشارة اقتراح ابي خليل الى مراعاة قانوني الوصول الى المعلومات ودعم الشفافية في قطاع البترول.

دو فريج: عائدات للخزينة في حال الإصلاحات فقط

أوضح النائب السابق نبيل دو فريج الذي تقدّم في عهده اقتراح القانون أمام اللجان النيابية، لـ»نداء الوطن» أن «الصندوق السيادي طرح بقوة في العام 2010. والفكرة من إنشائه على غرار سائر الدول أن تودع عائدات النفط والغاز المستخرج في الصندوق لزوم استثمار الأموال في مشاريع تنموية ودعم القطاعات الإنتاجية الخاصة، ولا تعود عائداتها الى خزينة الدولة. على أن يتشكّل مجلس إدارة، وفي تلك الحالة لا يحقّ للدولة الإستعانة بأموال الصندوق الا عند الضرورة كما حصل في النروج التي كانت مثقلة بالديون مثل لبنان، وتبين في ما بعد أنها بلد نفطي، فأنشأت صندوقاً سيادياً للنفط». ورأى دو فريج أنه في وضعنا الحالي «لا يمكن للدولة اللبنانية الإفادة من عائدات الصندوق إلا اذا كانت تسلك طريق الإصلاحات، وتحتاج الى دعم . لأن التجربة النروجية التي أثبتت نجاحها، كانت قد أقدمت بداية على إدخال أموال الصندوق الى الخزينة، ما أدى الى تفاقم الوضع المالي في البلاد. من هنا، فان أموال الصندوق السيادي يجب ان تكون ملكاً للشعب اللبناني».

كنعان: اعتماد مبادىء سانتياغو وعددها 24

أكّد النائب ابراهيم كنعان ان «ادارة عائدات النفط والغاز لا يجب ان تهدر كما اعتدنا في لبنان. والصندوق السيادي يجب ان يعتمد مبادئ سانتياغو العالمية في المساءلة والمكاشفة والشفافية والرقابة». فمبادئ سانتياغو يدعمها المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية (IFSWF) ، وأعدتها مجموعة العمل الدولية حول الصناديق السيادية ووافقت عليها اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي. وهي مجموعة من 24 مبدأ تحدد أفضل الممارسات الخاصة بالحوكمة والاستثمار وإدارة المخاطر للصناديق السيادية. باختصار إنها معايير موحدة تشجع على الشفافية، الإدارة الرشيدة، المساءلة وممارسات الاستثمار الحكيمة. عندها تلعب صناديق الثروة السيادية دورها في استقرار النظام المالي، وتقلّل من الضغوط الحمائية، وتساعد في الحفاظ على مناخ استثماري مفتوح ومستقرّ.

مصدرنداء الوطن - باتريسيا جلاد
المادة السابقةلا هيكلة جدية لمصارف “الزومبي” بوجود رياض سلامة
المقالة القادمةتخوفات أوروبية من زيادة استهلاك الغاز بعد إجراءات كبح الأسعار