ما وضعت الدولة يدها على شيء إلاّ وأفسدته وعطّلته، والأمثلة كثيرة تبدأ من أصغر مؤسّسة إلى أكبرها، ومن أصغر موظّف إلى أكبر مدير عام، طبعاً باستثناء الأوادم والشرفاء، يدها مُفسدة ومُسَمِّمة، بتصرّفاتها تُفسِد كلَّ شيء، وبسمِّها الزعاف تُميت كلَّ شيء…
– القطاع المصرفي قطاع خاص، كان من أنجح القطاعات المصرفيّة في العالم، وكانت أموال الأجانب والمغتربين اللبنانيّين تتدفّق إليه كالسيل العرم، وبما أنّه ارتبط بالمصرف المركزيّ الذي هو جزء هامّ من القطاع العام أو بالأحرى من الدولة ففسدت المصارف وضاعت أموال الناس، وتمَّ وضعنا أمام الحائط المسدود.
أمّا الآن والحالة هذه، فمن المنظور والملموس والمؤكّد أنّ هجوم الدولة الشرس على المصارف يُهدِّدها ويُعطِّلها وربّما يُقفلها وهناك الصراخ وصريف الأسنان.
فيا أيّتها الدولة “المبجّلة” إرفعي يدك عن المصارف واتركيها تعمل بما تبقّى لديها من قدرة، لأنّ خرابها سيؤدي حكماً إلى مجاعة لم يشهدها أجدادنا في الحرب الكبرى (1914-1918).
– إنصرفي أيّتها الدولة إلى الإصلاح الفعليّ لا إلى الكلام، إلى البناء لا إلى الهدم، إلى شيء من النجاح لا إلى الفشل الدائم، إلى وضع خطة التعافي وتطبيقها لا إلى شلّ ما تبقّى من مؤسسات.
– نفّذي مطالب صندوق النقد الدولي ليظهر أنّك بدأت فعلاً بالإصلاح، لتستفيدي من تقديمات الصندوق التي تعطيك جرعةً من الأوكسجين.
– نحن لا نقول إن المصارف بريئة من دم هذا الصدّيق، ولا تتحمّل جزءاً كبيراً من مسؤوليّة الانهيار، فهي التي أعطت أموال المودعين كلّها إلى المصرف المركزي، الأمر المرفوض قانونيّاً ومنطقيّاً، لأنّ التعامل مع شخصٍ واحد، حتّى ولو كان معنويّاً (ومهندساً ماليّاً من الطراز الأوّل)، يحمل الكثير من المخاطر. وبالتالي أساء المصرف المركزي الأمانة وأعطى الدولة مليارات الدولارات وهدرت الدولة ودائع الناس بدون أي وجه حق وبدون أي خوف من الله!
إذًا، المصارف لم تكن على حق، ولكن بالمقارنة بين الضرر الناجم عن فتح ملفّاتها اليوم وعن الأضرار التي ستنتج عن إفلاسها وإقفالها، نجد الفرق شاسعاً، فبين مصيبتين، نختار المصيبة الأخف وطأةً والأقل ضرراً…
أيّها المسؤولون،
أعطوا الشعب أملاً وبصيصاً من النور، لقد ضاق صدره من المصائب والويلات التي سبّبتموها له وأوقعتموه فيها بتخاذلكم وضعفكم وطمعكم وأنانيّتكم وعنادكم، فارحموه قليلاً واتركوا له حق التنفّس…
– إذا كانت نيّتكم تأجيل الانتخابات لأسباب تخصّكم وتشبع رغباتكم وشهواتكم، ففتّشوا عن سببٍ آخر غير إقفال المصارف وإفقار الناس وتجويعهم وإذلالهم، أنتم “أذكياءٌ وقادرون” على خلق الأسباب والدوافع، “فاشحذوا عبقريّتكم” واخلقوا السبب الكافي للتأجيل، واتركوا المصارف وشأنها ريثما يأتي الفرج ولو من بابٍ ضيّق، ولا تنسوا أنّكم في السابق، أجّلتم وعطّلتم وعملتم ما طاب لكم وما خدم مصالحكم ودمّر البلد، ولم يحاسبكم أحد، فلا تخافوا.
تيقّنوا من زوال كراسيكم التي تعبدون عندما يزول لبنان.
لا تتمسّكوا بمجدكم، فالمجد الباطل لا يدوم والسلطة الوهميّة لا تدوم، واعلموا أنّ الزوال عامل من عوامل الكون، بل أكثر من ذلك هو ناموس من نواميس الطبيعة.
لذلك نردّد قائلين: ارفعوا أياديكم عن المصارف التي ما زالت تمدّ الشعب اللبناني المسكين والمقهور بالحد الأدنى من أمواله كي يؤمّن الحد الأدنى من متطلّبات الحياة.