لبنان اليوم أشبه بذاك الهرم المقلوب، فيه تتقاذف الاتهامات من دون أن تكون هناك طُرُق عمليّة لتقويمه الى القاعدة. وبين إعادة هيكلة الدين الخارجي وجدولته، وشرائه أو بيعه، والتسديد أم عدمه، وكلّها نظريات واهية تفتقر الى خطة شاملة للمعالجة، ظهر فجأة خيار الـ BuyBack ويعني عملية إعادة شراء سندات اليوروبوندز من السوق. الا أن هذا الطرح وُلد ميتاً لاصطدامه بالرفض من قِبل المصارف التي أفقدت لبنان قدرته التفاوضية، عندما “أهدت” الى “أشمور” الأكثرية.
حتى الساعة، تتلهّى الحكومة في الاعمال الزخرفية، فيما الاساسات غائبة. صحيح أنّ الأنظار كلها شاخصة باتجاه القرار الذي سيخلص اليه مجلس الوزراء في ما خصّ اليوروبوندز الا أنّ التوصل الى سبل المعالجة لا يزال بعيد المنال في ظلّ عدم الإعلان عن الأرقام الرسمية الحقيقية التي يملكها البنك المركزي ومعه وزارة المالية.
من حيث المبدأ، يمكن تقسيم سندات لبنان في اليوروبوندز الـ 27، والتي تبلغ قيمتها نحو 30 مليار دولار وفقاً لأسعار تداولها، إلى فئات ثلاث: تبلغ الاولى 7.2 مليارات دولار محمولة من قبل مصرف لبنان، لم يتم تداولها منذ إصدارها، وقد حافظت على سعر ثابت قدره 100%. تتكون الفئة الثانية من السندات المستحقة في آذار ونيسان وتموز 2020 (حيث يبلغ إجمالي القيمة الاسمية 2.5 مليار دولار)، ويتم تداولها حالياً عند 52% و41% و 39% على التوالي. أما الفئة الثالثة فمقسّمة على 20 إصداراً وتبلغ قيمتها الاسمية نحو 21.6 مليار دولار.
الـ buyback… يولد ميتاً
السؤال الذي يُطرح اليوم هو ما إذا كان على لبنان، وقبل تقديم عرض للتفاوض مع دائنيه حول أي إعادة هيكلة، أن ينخرط في إعادة شراء اليوروبوندز.
يمكن إجراء عمليات إعادة شراء السندات بطريقتين اثنتين: أولاً، يمكن للمصدر إعادة شراء سنداته في السوق المفتوحة. ثانياً، يمكن للمصدر تقديم عرض مناقصة لحملة السندات، وعرض شراء بنسبة مئوية معينة من السندات وبسعر محدد وخلال فترة محددة. كما ويمكن استخدام الطريقتين في آن واحد وقد تم استخدامهما كبدائل لعروض التبادل (مع مقترحات إعادة الهيكلة) أو دمجها في الماضي.
ويمكن تحقيق عمليات إعادة شراء السوق المفتوحة من خلال إشراك وسيط مالي واحد أو أكثر لتحديد البائعين وإعادة شراء السندات نيابة عن المصدر في بورصة لوكسمبورغ حيث يتم إدراج السندات. الى ذلك، يمكن إلغاء أي سندات معاد شراؤها، وإلى أن يتم إلغاؤها، لا يمكن التصويت لحساب النصاب القانوني في اجتماعات حاملي السندات (بما في ذلك تلك التي تناقش إعادة الهيكلة).
إنقلاب مفضوح
“في الواقع، يتطلب تقييم ما إذا كان يجب على لبنان الشروع في هكذا خطة، أن يحدّد أشكال إعادة شراء هذه السندات، وما إذا كانت نشرة سندات اليوروبوندز اللبنانية تسمح بعمليات إعادة الشراء”، يقول مصدر متابع، ويوضح أنه “بالنظر إلى الوضعين الاقتصادي والمالي والشّح في السيولة، لن يكون لبنان قادراً على القيام بعملية الـ buyback”.
ويضيف المصدر أنّ “عملية الـ buyback تتطلب حوالى 4.5 مليارات دولار، لاستعادة السندات التي حصلت عليها أشمور على الاقلّ. وهنا لا بدّ من العودة الى الاتفاق الذي تمّ بين المصارف اللبنانية وأشمور وما اذا كان يتضمّن إمكانية الـ buyback. في هذه الحالة، وفي حال رغبت أشمور بالبيع، يمكن للبنان، وفي وقت معيّن ووفقاً لسعر محدّد أن يعيد شراء هذه السندات مع الفائدة المتّفق عليها. ولكن لا بدّ من الاشارة الى أنه وفي حال كان هناك اتفاق يجيز للمصارف استعادة اليوروبوندز بعد فترة وجيزة، فإنّ ذلك يُعتبر بمثابة انقلاب على الدولة ومصالحها”.
تشير المعلومات المتداولة الى أنّ “بنك عوده” كان قد عرض أن تنخرط المصارف اللبنانية في اعادة شراء سندات اليوروبوندز الا أن هذا الطرح لاقى معارضة شرسة من قِبل الغالبية في جمعية المصارف وعلى رأسهم سليم صفير. لذلك، فإنّ مبدأ الـ buyback حتى الساعة ساقط والسبب في ذلك نقص السيولة التي تعاني بسببها المصارف اللبنانية، الا اذا قرر مصرف لبنان استعمال الاحتياطي الالزامي لديه والبالغ 19 ملياراً، وهو أمر مستبعد وفق ما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في وقت سابق. ولكن، وان قرر لبنان اعادة شراء دينه، فذلك يعني أن لديه بالفعل 5.8 مليارات دولار قابلة للاستخدام الفوري، علماً أنّ استخدام العملة النادرة للانخراط في عملية الشراء وسحب بعض الديون من شأنه أن يرفع من سعر الديون المتبقية وينهي بالتالي الأمر بجعل إعادة الهيكلة للدين مستقبلاً “ربّما” أكثر كلفة.