«ما يحصل في لبنان هو أن هناك فريقاً يريد اقتصاداً حرّاً، وفريقاً آخر يريد أن يضع يده على الكهرباء وغيرها ويريد العمل مع جهة واحدة اقتصادية». القول لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يوم أمس من الفاتيكان، والأكيد أن تعريف الحريري للاقتصاد الحر ليس سوى ترداد لما قالته الهيئات الاقتصادية برئاسة محمد شقير بعد زيارته في حزيران 2020 من أن «هوية الاقتصاد في لبنان ستبقى اقتصاداً حُرّاً» وأنها «لن تسمح لأي حكومة بتغيير وجه لبنان الاقتصادي». يومها، كان مشروع قانون المنافسة ومنع الاحتكار قيد التداول ويتم وضع اللمسات الأخيرة عليه في وزارة الاقتصاد، فلجأت الهيئات الى الحريري لتأمين التغطية السياسية. من هنا، لا يبدو تصريح الحريري ينمّ عن جهل بقدر ما هو تبنٍّ «للكذبة» نفسها منذ عشرات السنوات التي جرى على أساسها حماية الاحتكار وضمان استمراريته. فالمحتكرون ليسوا سوى مجموعة من السياسيين يدور رجال أعمال في فلكهم، أو رجال أعمال يعمل سياسيون في خدمتهم، أو رجال أعمال سياسيون.
تجدر الإشارة هنا الى أن النظام الرأسمالي نفسه لا يُشرّع الاحتكار. وكانت الولايات المتحدة قد أقرّت قانون المنافسة في عام 1890. لكن النظام الاقتصادي اللبناني، كما يعرّف عنه وزير الاقتصاد السابق منصور بطيش، «لا هو حرّ من أي عوائق ويتيح المنافسة ولا هو موجّه؛ بل يمكن تصنيفه من بين أسوأ الأنظمة في العالم بأسره».
فالأربعاء الماضي، وخلال جلسة اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المخصصة لدرس اقتراح قانون المنافسة، حضر نواب من الكتل النيابية ودُعي الى جانبهم رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس، ممثل مستوردي الإطارات ومستشار جمعية مستوردي السيارات في لبنان. اعتبر «الضيوف» أن توقيت طرح القانون «مشبوه» وسيؤدي الى ضرب القطاع التجاري، علماً بأن مشروع قانون أقرّ في مجلس الوزراء منذ عام 2002 (أعدّه الوزير الراحل باسل فليحان في حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري) لتعديل المرسوم الاشتراعي 34/1967، بما يضمن إلغاء الوكالات الحصرية وتعزيز المنافسة، لكنه أُسقط في مجلس النواب.
سبق لرئيس جمعية تجار بيروت والأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا شماس أن صرّح قبيل سنوات بأن «الهيئات الاقتصادية تُطاع ولا تُطيع». ذلك ما حصل تحديداً لدى سحب وزير الاقتصاد راوول نعمة مشروع قانون بطيش لدراسته، حيث أضفى عليه تعديلات جذرية أفرغته من مضمونه بعدما وضعه بمتناول هذه الهيئات لدراسته. لكن شماس «لا يعارض قانون المنافسة، ولكن نريده بحسب النموذج الإماراتي أو الفرنسي». يريد شماس أن يقتنع بالقانون الذي يجب عليه مراعاة واحتضان القطاعات الإنتاجية والتجارية، أي بعبارة أخرى الوكالات الحصرية. يختم: «نريد معادلة مربحة win win situation وألا يطبش الميزان في أي اتجاه».
شركات الأدوية المسيطرة على سوق الدواء عددها 13 منذ 40 عاماً، لم تنقص أو تزيد! من يحتكر الغاز يستأجر كل خزانات الساحل حتى يمنع أحداً من استخدامها والدخول كمنافس له. شركة كابلات لبنان تحتكر مناقصات مؤسسة كهرباء لبنان. مُنتِج واحد يقرّر أسعار الفروج والبيض في لبنان.
رئيس جمعية المستهلك زهير برّو يضيف على اللائحة: الحديد، الدهان، السيارات، قطع السيارات، الماركات الفارهة، الكحول، الميدل إيست وغيرها الكثير… كلهم محتكرون: «21 قطاعاً أساسياً في البلد محتكر. مطلبنا الرئيسي أن يكون اقتصادنا حرّاً، لكن ما لدينا منذ 30 عاماً هو اقتصاد احتكاري بالكامل وفق دراسات عملنا عليها وقامت بها وزارة الاقتصاد».
للباحث القانوني وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية اقتراح مُبسّط «ويمكنه اليوم أن يخفف من عبء الأسعار على الناس وفتح باب المنافسة، ولو جزئياً، عبر إلغاء الوكالات الحصرية فوراً، ثم التفرغ لمناقشة قانون المنافسة على مهل. فالخوف تحت حجة القانون أن يطول النقاش لسنوات مقبلة، في حين يمكن اليوم إلغاء الوكالات الحصرية بجملة واحدة لا غير، إذ سبق لها أن شُرّعت بعبارة واحدة سنة 1967». ويشير علوية إلى أن ما يحصل في موضوع الوكالات لم يحصل في أكثر الدول توحّشاً ودول العام الثالث. أما إلغاؤها، فيخفض أسعار بعض السلع بنسب تصل إلى الثلثين