على مر السنوات السابقة، رافقت ازمة الاقتصاد اللبناني صرخات عديدة دعت الى انقاذه واتخاذ اجراءات ناجعة تمنع سقوطه. وعلى ما يبدو، ها قد آن الأوان للبدء بتنفيذ اجراءات قاسية توقف المسار التراجعي.
ما تغير اليوم في لبنان. بات الجميع مقتنع ان الاقتصاد اضحى في خطر ومعه لبنان ككل. فأرباح الشركات تراجعت رويداً رويداً، فيما تآكلت قدرات المواطنين الشرائية، وفي وقت تئن القطاعات الاقتصادية تحت اعباء كثيرة ادت الى اقفال العديد من المؤسسات والمصانع وتسريح آلاف العمل.
اين يقف اليوم الاقتصاد اللبناني؟ ما هي حقيقة الإنهيار المزعوم؟ وما هي فرص النجاة المتاحة؟
وفقاً للخبير الاقتصادي د. غالب بومصلح، ينحدر الاقتصاد اللبناني اليوم نحو الأسوأ، اذ يشهد ازمة حقيقية، في وقت فاق الدين العام نسبة 150% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يذهب نصف انفاق الموازنة على خدمة الدين العام، ما يؤشر اننا امام كارثة يرافقها عجز هائل في ميزان المدفوعات.
ويصف ابو مصلح الوضع بالخطير جداً، ويتساءل عن جدوى العلاجات التي تقدمها الحكومة في حين لم يجرِ اقرار الموازنة بعد. وقال: “الوعود بإعتماد سياسات جديدة لم تتجلَّ بعد اذ لم تعرف الابواب الاساسية التي ستشهد تغييرات في الموازنة العامة. ففي كل بلدان العالم، تجري مناقشة للموازنة وتأثيرها على اعادة توزيع الناتج المحلي القائم والطبقات الفقيرة وتحسين مقومات الاقتصاد ودراسة مستوى الدين ومعدل فوائد والتضخم”.
واضاف: ” للأسف، كل هذا غير موجود في لبنان اليوم، الاقتصاد اللبناني يسير في الظلمة دون اي تخطيط. فقطاع الصناعة وضعه مزري بسبب الاغراق وغياب الحماية، في حين جرى القضاء على القطاع الزراعي، وحتى هذه اللحظة لم نسمع عن اعادة توزيع موازنات الوزرات”.
وسأل: “اين التدريب المهني والمدن الصناعية والبنى التحتية الملائمة والمقاييس والمواصفات التي تحمي المنتجات؟ “.
مرحلة قاسية
ورأى ابومصلح ان “لبنان وصل الى هذه المرحلة القاسية نتيجة سياسات مالية واقتصادية ونقدية خاطئة، ولا احد يهتم حتى الان في تقويمها حتى يتمكن الاقتصاد من النهوض”. وشدد على ان “الاقتصاد لا يقوم على الدعوات والكلام بل عبر تغيير السياسات المالية والنقدية وخاصة تجاه قطاعات الانتاج”.
واشار الى ان “الحكومة لن تكون قادرة على مواجهة هذه التحديات الا اذا غيّبت اصحاب المصالح الخاصة الذين ينهبون المال العام، فلبنان ليس الدولة الوحيدة التي تعاني من مشاكل، فهناك دول عديدة عانت من ازمات كثيرة وتمكّنت من اجتيازها، في حين يغرق لبنان بفساد مطلق وعدم مبالاة رهيب من الطبقة الحاكمة.”
اجراءات تقشفية في غير مسارها
وفي رد على سؤال حول الاجراءات التقشفية التي من الممكن ان تتخذها الحكومة ، رأى ابو مصلح ان “هذه السياسات قد تأتي على حساب على الانفاق الصحي والاجتماعي والتربوي، وبالتالي لن تطال ناهبي المال العام بل الشريحة الأضعف التي تحتاج هذا الانفاق. بمعنى اخر ان هذا التقشف لا يعني الا المزيد من الاستهداف للطبقات الفقيرة في المجتمع”.
وفي اطار حديثه عن تحركات شعبوية محتملة نتيجة الواقع الاقتصادي المزري، اعتبر ان الدولة اللبنانية تحولت الى دولة “بوليسية”، حيث ان نصف الموظفين اصبحوا ادوات للقمع تحت اسم الاستقرار. ليبقى السؤال الاساسي :هل تستطيع الناس ان تنتفض فعلاً وتغير هذا النظام؟