على وقع إضراب عام يشل إدارات الدولة، وتحت ضغط صرخات مستخدمي القطاع الخاص الذين انهكهم رفع الدعم من دون تقديم البدائل، سترضخ الدولة والمؤسسات لزيادة الرواتب. العمل يجري على محورين: الأول، تقوده لجنة المال والموازنة لاعطاء زيادة نسبية على الرواتب لمدة سنة لموظفي الدولة ومتقاعديها البالغ عددهم حوالى 440 ألفاً، ورفع بدل النقل إلى 65 ألف ليرة. كلفة هذا الاقتراح تقدر بحوالى 11 ألف مليار ليرة، وهي تنقسم إلى 5000 مليار ليرة لزيادة ما يقدّر بنصف راتب لكل موظف. ذلك أن بند الرواتب والأجور يكلف سنوياً بحدود 12 ألف مليار ليرة. وحوالى 6000 مليار ليرة لرفع بدل النقل لـ 320 ألف موظف إلى 64 ألف ليرة يومياً. أما لجهة القطاع الخاص فان العمل يجري بحسب تصاريح رئيس الاتحاد العمالي العام على إعطاء زودة على المعاشات والرواتب تتراوح بين مليونين و6 ملايين ليرة، إضافة إلى رفع المنح المدرسية إلى 2 مليون ليرة، ورفع بدل النقل إلى 64 ألفاً. وإذا قدّرنا أن عدد العاملين في القطاع الخاص يتجاوز 800 ألف عامل، فان كلفة هذه الزودة ستكون بعشرات آلاف مليارات الليرات.
الواقع المأسوي الذي يحتم تصحيح الأجور في القطاع العام لا زيادتها فحسب، يتطلب تمويلاً كبيراً. فالنفقات على الرواتب والأجور مع هذه الزيادات ستتراوح بين 22 و24 ألف مليار ليرة سنوياً، في حين أن الايرادات المحققة لغاية شهر أيار من هذا العام هي 6000 مليار ليرة. وهي لم تتجاوز 14 ألف مليار ليرة للعام 2020. الحل الذي تقترحه “المالية” لتمويل الزيادة برفع الدولار الجمركي “سيكون كافياً من وجهة نظر الحكومة “، بحسب عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمال. “ذلك أن المداخيل المقدّرة بـ 2000 مليار ليرة (1.3 مليار ليرة) من الجمارك على سعر صرف 15000 ليرة سترتفع إلى أكثر من 20 ألف مليار ليرة في حال ضربت بسعر صرف منصة صيرفة الذي يتراوح بين 18 و19 ألف ليرة. إلا أنه في الحقيقة فان “الرقم سيكون أقل بكثير”، من وجهة نظر رمال، “لأن المعنيين لا يأخذون بعين الاعتبار عنصرين بالغي الأهمية”:
الأول، هو تراجع الاستيراد بنسبة 50 في المئة.
الثاني، هو ارتفاع معدلات التهرب الضريبي والتهريب الجمركي بنسبة كبيرة مع أي زيادة في الضرائب الجمركية.
وعليه فان مثل هذا القرار سيضرب مداخيل الدولة، وسيحطم الاقتصاد الشرعي والقانوني، وستذهب منافعه إلى المهربين والمضاربين على سعر صرف الليرة في السوق السوداء. وبحسب رمال فان “التجارب تبرهن أن رفع الضرائب بمرحلة الانكماش سيؤدي إلى تضخم هائل، يحد من قدرة المواطنين الشرائية. لتصبح السلع المستوردة، التي ما زالت تصنف كماليات، في حين أنها اساسيات، كالغسالات والتلفزيونات وأجهزة التكييف والهواتف وغيرها الكثير، حكراً فقط على الاغنياء”.
مع إعطاء هذه الزيادات تكون الدولة قد توقفت عن مقاومة تيار الأزمة وانجرفت بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية إلى قلبها. وفي هذه المرحلة “لا يعود من سقف لارتفاع الدولار”، بحسب منصور. و”لا يعود يوجد هناك من رابط يمسك سعر الصرف على معدلات 19 و20 وحتى 23 ألفاً المشهودة حالياً. فيفلت الدولار من عقاله إلى معدلات غير مسبوقة أو متوقعة. ويلحق لبنان بركب البلدان التي أصبح فيها الدولار الواحد يساوي الآلاف وحتى الملايين من عملتها”.
للمرة المليون “الحل هو بالاصلاح الاقتصادي والنقدي”، تشدد منصور. “فحق الموظفين والمستخدمين بالعيش الكريم لا يكون بزيادات وهمية تتلاشى بعد أيام قليلة نتيجة ارتفاع الاسعار من جهة وزيادة الضرائب من جهة ثانية. إنما يكون من وجهة نظرها عبر ما يعرف بـ Hard peg “نظام الربط الثابت” ووضع حد لمصرف لبنان بطباعة الليرات”. أما من الجهة الاقتصادية فالمطلوب البدء بالاصلاحات التي تبدأ من الحدود وتمر بدفاتر المؤسسات وتصل إلى اصلاح القطاع العام ومؤسساته.