الأسمدة ضحية أخرى للحرب في أوكرانيا

يشعر المزارعون ومنتجو الأسمدة والتجار بعواقب التداعيات الكارثية التي خلفتها الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي ستؤدي إلى تقلص سلة غذاء العالم نتيجة أسعار الطاقة المرتفعة التي دفعت التكاليف إلى تجاوز الخطوط الحمر وسط تقلص الإمدادات.

وتفكّر مونيكا كاريوكي في التخلي عن الزراعة ولكن ما يدفعها بعيدا عن أرضها، التي تبلغ مساحتها 10 أفدنة (أقل من نصف هكتار)، خارج العاصمة الكينية نيروبي ليس سوء الأحوال الجوية أو الأمراض التي تصيب النباتات، بل الأسمدة التي صارت مكلفة.

ورغم المسافة التي تفصل هذه المزارعة عن ساحات القتال في أوكرانيا، فإن كاريوكي ومزرعة الكرنب والذرة والسبانخ التي تمتلكها تأثّرتا بما يحدث هناك.

وأدت الحرب في شرق أوروبا إلى ارتفاع أسعار الغاز، وهو مكون رئيسي في الأسمدة. كما أدت إلى عقوبات شديدة ضد روسيا، وهي مُصدر رئيسي للأسمدة نفسها.

واعتادت كاريوكي أن تنفق 20 ألف شلن كيني (نحو 175 دولارا) لتخصيب مزرعتها بأكملها، وباتت تحتاج إلى إنفاق خمسة أضعاف هذا المبلغ.

وترى أن الاستمرار في العمل في الأرض لن يؤدي إلا إلى الخسائر. وقالت لوكالة أسوشيتد برس “لا يمكنني الاستمرار في الزراعة. سأتوقف لتجربة شيء آخر”.

ويجعل ارتفاع أسعار الأسمدة الإمدادات الغذائية في العالم أكثر تكلفة وأقل وفرة، حيث يقلّص المزارعون اعتمادهم على المغذيات ويجنون محاصيل أقل.

وفي حين سيشعر متسوقو البقالة في البلدان الغنية ببعض الاختلافات، إلا أن الضغط على الإمدادات الغذائية سيؤثر بشدة على العائلات في البلدان الفقيرة.

ولا يمكن أن يأتي ذلك في وقت أسوأ، حيث قالت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) الأسبوع الماضي إن مؤشر أسعار الغذاء العالمي في مارس الماضي بلغ أعلى مستوى منذ بدايته في 1990.

وتهدد أزمة الأسمدة بالمزيد من الحد من الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء العالم، والتي يقيدها تعطل شحنات الحبوب المهمة من أوكرانيا وروسيا بالفعل.

وتثير خسارة تلك الإمدادات ذات الأسعار المعقولة من القمح والشعير والحبوب الأخرى احتمالات نقص الغذاء وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض الدول الآسيوية حيث يعتمد الملايين على الخبز المدعوم والمعجّنات الرخيصة.

وقال الخبير الزراعي في جامعة نيجيريا أوشي أنيانو إن “أسعار المواد الغذائية سترتفع بشدة لأن المزارعين سيحققون أرباحا، فماذا سيحدث للمستهلكين؟”.

وتحذر منظمة أكشن إيد من أن الأسر في بلدان القرن الأفريقي باتت تكافح للعيش. وتقول الأمم المتحدة إن روسيا هي المصدّر الأول في العالم للأسمدة النيتروجينية وتحتل المرتبة الثانية في إنتاج أسمدة الفوسفور والبوتاسيوم. كما أن حليفتها بيلاروسيا، التي تواجه العقوبات الغربية أيضا، هي منتج رئيسي آخر للأسمدة.

وتعتمد الكثير من البلدان النامية، بما في ذلك منغوليا وهندوراس والكاميرون وغانا والسنغال والمكسيك وغواتيمالا، على روسيا في ما لا يقل عن خمس وارداتها.

كما أدى الصراع إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الباهظة بالفعل، والذي يستخدم في صناعة الأسمدة النيتروجينية.

وأكد الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية ديفيد لابورد أن أسعار الطاقة المرتفعة في قارة أوروبا دفعت البعض من شركات الأسمدة إلى “إغلاق أبوابها والتوقف عن تشغيل مصانعها”، وهو ما جعل الصراع في أوكرانيا مثيرا للحيرة بالنسبة إلى مزارع الذرة والكرنب جاكسون كويث الذي يعيش في إلدوريت بغرب كينيا. وكان عليه أن يقرر ما إذا كان سيخوض موسم الزراعة، حيث تضاعفت أسعار الأسمدة مقارنة بعام 2021.

ويقول كويث إنه قرر الاستمرار في الزراعة، ولكن فقط على نصف المساحة التي كان يعتمدها لأنه يشك في قدرته على تحقيق ربح باستخدام الأسمدة المكلفة.

ولا يختلف الوضع في أوروبا؛ حيث يقول المزارع اليوناني ديميتريس فيليس، الذي يزرع الزيتون والبرتقال والليمون، “عليك البحث عن نترات الأمونيا. وقد تضاعفت تكلفة تخصيب بستان زيتون بمساحة 10 هكتارات (25 فدانا) إلى 560 يورو (310 دولارات)”.

وأشار أثناء بيع غلاله في سوق بأثينا إلى أن معظم المزارعين يخططون لتخطي تسميد بساتين الزيتون والبرتقال هذا العام. وقال “لن يستخدم الكثيرون الأسمدة على الإطلاق، ويقلل هذا من جودة الإنتاج وكميته، ولن يصبحوا قادرين على الزراعة في مرحلة ما لشحّ المداخيل”.

وفي ثاني أكبر اقتصادات العالم ارتفع سعر البوتاس في الصين بنسبة 86 في المئة قياسا بالعام الماضي ومعه ارتفعت أسعار الأسمدة النيتروجينية بنسبة 39 في المئة، كما ارتفعت أسعار الأسمدة الفوسفورية بنسبة 10 في المئة.

وقال مدير تعاونية تتكون من 35 أسرة تعمل في مجال تربية القمح والذرة في مدينة تايآن بشرق الصين، لم تذكر أسوشيتد برس اسمه، إن “أسعار الأسمدة قفزت بنسبة 40 في المئة منذ بداية العام”.

وشهدت شركة تيري التي تدير مزارع تمتد على مساحة 84 هكتارا في فينتورا بكاليفورنيا تضاعف أسعار أنواع من الأسمدة، فيما ارتفع بعضها الآخر بنسبة 20 في المئة.

وقال نائب رئيس الشركة ويليام تيري إن “تغيير الأسمدة أمر محفوف بالمخاطر لأن الإصدارات الأرخص ثمنا قد لا تعطي المحصول ما يحتاج إليه كمصدر للغذاء”.

ومع اقتراب موسم نمو المحاصيل في ولاية مين بشمال شرق الولايات المتحدة يكافح مزارعو البطاطس لزيادة أسعار الأسمدة بنسبة 70 في المئة إلى مئة في المئة مقارنة بالعام الماضي، اعتمادا على المزيج.

وقال المدير التنفيذي لمجلس مين للبطاطس دونالد فلانيري “أعتقد أنه سيكون محصولا مكلفا مع أسعار الأسمدة والوقود والعمالة والكهرباء وكل شيء آخر”.

وفي برودينتوبوليس، وهي بلدة في ولاية بارانا البرازيلية، عرض المزارع إديميلسون ريكلي مستودعا عادة ما يكون مليئا بأكياس الأسمدة، لكن ما فيه اليوم لا يكفي إلا لبضعة أسابيع أخرى.

ويعلم أنه سيضطر إلى تخطّي استخدام الأسمدة عندما يزرع القمح والشعير والشوفان الشهر المقبل إذا لم تظهر أي علامة على توقف الحرب في أوكرانيا. وقال “السؤال هو: من أين ستشتري البرازيل المزيد من الأسمدة؟ علينا أن نجد أسواقا أخرى”.

وتأمل دول أخرى في المساعدة على سد الثغرات. وافتتحت نيجيريا الشهر الماضي أكبر مصنع أسمدة في أفريقيا. وقد نجح المصنع الذي بلغت تكلفته 2.5 مليار دولار في شحن الأسمدة إلى الولايات المتحدة والبرازيل والهند والمكسيك بالفعل.

وأثناء ذلك تسعى الهند للحصول على المزيد من واردات الأسمدة من إسرائيل وعمان وكندا والسعودية لتعويض الشحنات التي خسرتها من روسيا وبيلاروسيا.

وقال كيشور رونجتا من جمعية الأسمدة الهندية غير الربحية “إذا تفاقم نقص الإمدادات، فسننتج أقل. وهذا ما يجعلنا نحتاج إلى البحث عن خيارات للحصول على المزيد من الأسمدة في البلاد”.

وتقدم الشركات الزراعية الدعم للمزارعين، خاصة في قارة أفريقيا حيث يحد الفقر في الكثير من الأحيان الوصول إلى المدخلات الزراعية الحيوية. وفي كينيا تساعد شركة أبولو المزارعين في الحصول على الأسمدة والوصول إلى التمويل.

وقال بنجامين نجينغا، الشريك المؤسس لشركة أبولو، إن “بعض المزارعين يتخطون موسم الزراعة والبعض الآخر يتجه إلى بعض المشاريع الأخرى مثل شراء الماعز للتكيف، مما يعني أن خدمات الدعم هذه تقطع شوطا طويلا بالنسبة إليهم”.

وتساعد الحكومات أيضا المزارعين، حيث أعلنت وزارة الزراعة الأميركية الشهر الماضي أنها ستقدم 250 مليون دولار في شكل منح لدعم إنتاج الأسمدة في السوق المحلية، فيما أطلقت الحكومة السويسرية جزءا من احتياطاتها من الأسمدة النيتروجينية.

ومع ذلك لا توجد إجابة سهلة عن سؤال ما سبب الضربة المزدوجة المتمثلة في ارتفاع أسعار الأسمدة والإمدادات المحدودة؟ وقال الباحث في مجال الغذاء لابورد إن الأشهر المقبلة “ستكون صعبة”.

وقالت كاثي ماذرز من مجموعة معهد الأسمدة التجارية إن السوق كانت بالفعل “شديدة الضيق” قبل الحرب. ولسوء الحظ، لا يستطيع المزارعون الحصول على الأسمدة في بعض الحالات.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالبنك الدولي قلق من اتساع الفجوة في نمو الاقتصادات العربية
المقالة القادمةصندوق النقد الدولي يستحدث أداة إقراض للاقتصادات الضعيفة