الإتحاد العمالي العام شاهد زور… مطأطأ الرأس!

قد يبدو السؤال عن الدور الذي يلعبه الاتحاد العمالي العام، في ظل واحدة من ثلاث أسوأ أزمات في التاريخ الحديث، نكتة سمجة تتجاوز في سماجتها النكتة التي أطلقها همساً رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر بحق البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في مؤتمر صحافي في أيار عام 2019.

النكتة بالنكتة تذكر، وعليه ولو كان ما حصل مع الأسمر قد بات في أرشيف ما قبل الانهيار الكبير الا انه يمثل برمزيته، من توقيف واذلال قبل السماح له بالعودة تائباً الى منصبه، محطة لا يمكن تجاوزها لفهم دور الاتحاد ووظيفته في نظر السلطة.

لا بد من التذكير انه قبل النكتة القبيحة، كان الاتحاد ومذ انتخاب الاسمر رئيساً له عام 2017، يحاول الخروج ولو شكلياً من غيبوبة وضع فيها في عهد سلفه غسان غصن حين تآمر على حقوق العمال والموظفين. وقبل غصن بما منّ عليه أصحاب العمل بدلاً من طرح وزير العمل آنذاك شربل نحاس إبان معركة رفع الحد الأدنى للأجور.

ولا بد من التذكير بأن الاتحاد، وبالتزامن مع أجواء مؤتمر سيدر التفاؤلية في نيسان 2019، كان يهدد بسلسلة من التحركات وبإضرابٍ وطنيّ عام ضد السياسات الضريبية التي تناقشها الحكومة اللبنانيّة في الموازنة الجديدة. جاءت نكتة الاسمر «شحمة على فطيرة» وفي الوقت المناسب، نكتة طيرت الاسمر وطيرت الاتحاد… لتؤكد السلطة مرة جديدة أن أي دور للاتحاد خارج المسموح به سيواجه بأقسى درجات التأديب.

اليوم مع تعمق الانهيار واستمراره، لا بد من السؤال «اين الاتحاد العمالي، إني لا أراه؟». يرفض رئيس الاتحاد بشارة الاسمر السؤال ويرد عليه بسؤال «أين الناس التي ملأت الشوارع احتجاجاً على زيادة الواتساب وهي غائبة اليوم». بذلك يكون الاسمر قد ركن الى معادلة ملتوية بأن يكون الناس محركاً للاتحاد لا العكس.

يصر الاسمر على أن الاتحاد يقوم بواجباته وان لم يكن ذلك على أكمل وجه، يعيد التذكير بالانجاز الذي حققه برفع بدل المواصلات والمساعدات الاجتماعية. ويذهب بعيداً في الانجاز حد الاعتبار أن «مجرد استمرار الاتحاد على وحدته في هذه المرحلة التي تشهد فيها البلاد انقساماً كبيراً هو انجاز بحد ذاته لا بل شمعة مضيئة وسط هذا الظلام الدامس». تحتاج كل سلطة سياسية ومالية الى جسم نقابي طيع وضعيف، وان كان ذلك مفهوماً لمن يحاول الدفاع عن مصالحه، ما هو غير متوقع هو أن يتحول الجسم النقابي أداة لها.

الحملة التدميرية التي نجحت إبان «تسونامي» رفيق الحريري في أوائل التسعينيات للقضاء على دور الاتحاد، بالتعاون مع النظام السوري وميلشيات الحرب لإخضاع البلاد للنهج الاقتصادي الجديد – القديم، تقطف ثمارها اليوم في مرحلة تحولية اقتصادية ستحكم حياتنا لعقود قادمة. يرفض الأسمر ان الاتحاد طيع في يد السلطة، ويعتبر أن «الاتحاد يتعاطى مع سلطة منتخبة جددت شرعيتها في انتخابات لم يمض على اجرائها اشهر قليلة، فكيف يمكن التوقع من الاتحاد مواجهة سلطة بفئات قامت بانتخابها»؟

لا نفع من الدخول في جدال حول تعريف العمل المطلبي مع الاسمر وتفريقه عن العمل السياسي، ولا نفع في ذكر امثلة عديدة لزعماء ولسلطات منتخبة ديموقراطية اهتزت عروشها بمجرد المس بحقوق عمال واجراء قد شاركوا في ايصالها للسلطة. لكن لنمشِ بمقاربة الأسمر. ثمة سلطة منتخبة تخضع لتدقيق رقابي من قبل صندوق نقد دولي ما كان بمقدوره المواقفة على خطة تعاف مالي الا في حال حصولها على «موافقة مجتمعية»، بحسب التعابير والمقاربات التي بات يركن اليه الصندوق في خطته، حرصاً على انجاح أي برنامج وعدم عرقلته. في الخطة الحكومية، الفقرة الوحيدة المرتبطة بالحماية الاجتماعية تقتصر على ما ستقدم على تقديمه الحكومة من مساعدات عينية أقرب الى «الاعاشات» وجزء منها ممول اصلاً من برامج دعم دولية. ما هو دور الاتحاد في تأمين شبكة امان حقيقية في ظل توفر الظروف للمطالبة بها عبر صندوق النقد الدولي؟ في هذا الاطار يركن عضو شبكة مدى والكاتب الاقتصادي علي نور الدين الى التجربة التونسية للاتحاد التونسي للشغل لتعرية الاتحاد العمالي العام اللبناني والتأكيد على دوره المتواطئ مع السلطة في هذه الازمة. يقول نور الدين إن الاتحاد التونسي للشغل والاتحاد النقابي لتونس تمكن في الفترة الاخيرة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من فرض نفسه شريكاً ثالثاً من خارج الطاولة لتمثيل مصالح الموظفين والعمال والاجراء. وفرض مظلة تحمي هذه الفئات في أي خطة محتملة مع الصندوق»، يتابع نور الدين ويذكر المثال على ذلك «تمكن الاتحاد من فرض تعديل على مفاوضات الحكومة التونسية مع الصندوق حين تلمس امكانية المس بحقوق وزيادات الرواتب. وأقدم على تنفيذ اضراب شامل وفرض خلط أوراق للحكومة. وباتت الحكومة مضطرة الى تغيير حساباتها لأن الصندوق يشترط وجود اجماع مجتمعي على أي خطة. وبالتالي بمجرد وجود شريك يملك قوى اجتماعية قادرة على فرض نفسها على الطاولة تستطيع خلط كل الحسابات وهذا ما لا يقوى عليه الاتحاد العمالي العام. وكان يفترض من هذا الاتحاد لعب هذا الدور ولكل ما هو مرتبط بهذه الفئات محدودة الدخل والفئات العمالية والموظفين. وهذا هو دوره الطبيعي والمتوقع… ولم يلعبه. وعليه لا يمكن الوصول الا إلى خلاصة واحدة وهي ان هذا الاتحاد يلعب دوراً مشبوهاً ولم يعد دوره تمثيل هذه الفئات بل بات دوره باحتجاز هذا الدور كرهينة».

تحميل الاتحاد العمالي العام مسؤولية لعب الدور المنوط به، يشبه الى حد بعيد تحميل المجلس النيابي مسؤولية لعب دور التشريع… أي تشريع كان، أو مسؤولية مجلس الوزراء بتأدية دوره التنفيذي. بيد ان جردة سريعة لمدى تطبيق قوانين مقرة اصلاً، أو قرارات ومراسيم حكومية يحيلنا الى مقاربة فلسفية/فكاهية.

ففي لوحته الشهيرة لغليون كتب الرسام رينيه ماغريت «هذا ليس غليوناً»! للدلالة على أن الرسم لا يعني بالضرورة وجود الشيء لتأدية الوظائف العملية، اذا لا يمكن حشو الغليون في اللوحة فهو بالتالي ليس غليوناً حقيقياً… وعليه هذا ليس اتحاداً عمالياً.

مصدرنداء الوطن - آدم شمس الدين
المادة السابقةأزمة الخبز «انتهت بنسبة 90%»… ومخالفون «قيد التّحقيق»
المقالة القادمةقرم: نتائج أولية إيجابية في قطاع الإتصالات