الإتصالات بعد الكهرباء… أهلا بنا في القرون الوسطى!

تتوالى الأيّام الرديئة وتتوسّع معها الأزمات لتطال مختلف القطاعات. ولعلّ الأسوأ هو فقدان مادة المازوت من الأسواق، رغم أنّ مصرف لبنان أعلن أنّه دفع خلال الشهر المنصرم أعلى فاتورة لاستيراد المازوت. لكن وكما بات معلوماً تذهب هذه المادة المدعومة على سعر الـ 3900 ليرة، إما عبر الحدود تحت غطاء سياسي وتحت أعين الأجهزة الأمنية، وإما للتخزين في الداخل بهدف بيعها بأسعار خيالية في السوق السوداء.

ليس تجنيّاً أن نصف ما يجري على هذا الصعيد بالتآمر على الشعب اللبناني بأسره، بغضّ النظر عن هوية المتآمر أكانت الدولة أو الدويلات في مختلف المناطق. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تملك الجهات الرسمية أسماء نافذين، شمالاً (3 نواب) وجنوباً (نجل أحد النواب)، ممّن يتاجرون بمادة المازوت ليكدّسوا الأرباح الهائلة على حساب اللبنانيين، الذين حُرموا أوّلاً من الكهرباء في وقت يدفعون الى أصحاب المولّدات الخاصة مبالغ خيالية، وباتوا ثانياً مُهدّدين بالحرمان من الإتصالات أكان التخابر الصوتي او الإنترنت ليعودوا فعلاً لا قولاً الى العصور الوسطى!

وسط هذه الجريمة التي تُرتكب بحقّ اللبنانيين يومياً، بات مشهد مصادرة شاحنات المازوت، لا سيما تلك التي تتّجه شمالاً في عكار، عاديّاً لا بل صار في اللاوعي الجماعي بمثابة الإنجاز! أمّا على المقلب الآخر، فيرى الاهالي المحرومون تقريباً من كلّ شيء شاحنات مُحمّلة بمادة المازوت تحميها مواكبة أمنية كي تصل الى مقصدها، من دون أن يكمن لها قطّاع طرق للإستيلاء عليها.

في الحالتين المشهد مُستفزّ، يقول شهود عيان، لأنّ الجهات التي تحمي ناقلات المازوت لا تفعل ذلك كي تصل الشحنة الى المؤسسات الرسمية الكفيلة بتأمين الخدمات للمواطنين، وإنما لتأمين مصلحة فئة دون أخرى، وكلّ ذلك على حساب منطق الدولة المتآكل أساسا. هذا الواقع، دفع بهيئة أوجيرو الى المجاهرة بسبب إنقطاع خدماتها شمالاً، وكذلك فعلت شركة “ألفا” التي أشارت الى أنّ الصهاريج التي تنقل مادة المازوت الى محطات الارسال العائدة الى الشركة في مناطق عدة، يتم التعرض لها، مما يؤدي الى عدم قدرتها على الاستعانة بالمولدات الخاصة بها عند الحاجة، مشيرة الى انّ هذا الواقع يحتّم توقف خدماتها تلقائياً عند انقطاع التيار الكهربائي عن المحطات التي تغذّي مناطق واسعة.

إلى هذا الواقع المأسوي، وبينما يبحث الناس عن مادة المازوت بـ”الشبر والندر” متنقّلين من محطّة وقود الى أخرى، يُفاجؤون بـ”بسطة” لبيع هذه المادة على بعد أمتار من المحطّة ولكن بشكل فردي وبأسعار خيالية! يقول أحد النواب المعنيين: ان مناطق واسعة في عكار صارت خارجة على القانون بفعل قطاع الطرق، الذين باتوا يمتهنون مصادرة المحروقات من الشاحنات إما لبيعها في السوق السوداء وإما لتهريبها الى سوريا، لدرجة ان قطاعات حيوية عدة توقفت نهائياً عن شراء تلك المادة تحاشياً لتكبّدها الخسائر نتيجة السرقة التي تتعرض لها الصهاريج.

ويشير النائب الى ان الحاجة باتت قصوى لكي ينعقد المجلس الأعلى للدفاع من أجل تكليف القوى الأمنية والعسكرية اتخاذ الاجراءات الكفيلة بإنهاء هذه الحال الشاذة، التي باتت تهدّد الأمن الاجتماعي للعكاريين، وتكرّس حالات من الأمن الذاتي المبغوض الذي يذكّر بزمن الحرب ومآسيها.

مصدرليبانون فايلز - ميرا جزيني
المادة السابقةأصحاب الشركات المستوردة للمحروقات بدأوا منذ فترة العمل بآلية “تهريب داخلية”
المقالة القادمة«كهرباء زحلة»: 48 ساعة تفصلنا عن العتمة الكاملة