فيما تجهد حكومة ميقاتي لتوقيع اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات النيابية وانتهاء ولايتها، إلّا انّ هذا الاتفاق، في حال توقيعه، لا يساوي شيئاً إذا لم تطبّق الحكومة المقبلة الالتزامات التي تعهّدت بها حكومة ميقاتي.
فيما تستمرّ المفاوضات بين الحكومة اللبنانية ووفد صندوق النقد الدولي المتواجد في لبنان لغاية أواخر الاسبوع الحالي، يعوّل فريق رئيس الحكومة المفاوض، على إمكانية توقيع الاتفاق المبدئيstaff level agreement مع الصندوق في ختام مهمّة الاخير الحالية في لبنان، لكي تحصد حكومة ميقاتي ثمار هذا الإنجاز، على الرغم من انّ الاتفاق المبدئي لن يكون إنجازاً طالما لن تواكبه او تلحقه الإجراءات الاولية المطلوب تطبيقها من قِبل الصندوق، لكي يتحوّل هذا الاتفاق المبدئي الى برنامج تمويل.
وقد أعربت مصادر مواكبة للمفاوضات، عن خشيتها من ان لا تترجم الحكومة المقبلة التي ستتشكّل بعد إتمام الاستحقاق النيابي المنتظر، بنود الاتفاق المبدئي الذي تعمل حكومة ميقاتي جاهدة لتوقيعه قبل الانتخابات، وأن لا تنفذ الخطوات الأولية (prior actions) الذي يعدّ بها حالياً الوفد اللبناني المفاوض، صندوق النقد الدولي.
وأشارت المصادر لـ»الجمهورية»، الى انّ إمكانية توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات، ليست مضمونة بعد، وانّ نسبة النجاح في هذه المهمّة ما زالت 50%. لافتة الى انّ إقرار قانون الكابيتال كونترول، «إن حصل»، لا يعني إتمام كافة الإجراءات الاولية المطلوبة، وبالتالي لن يكون اعلان نيّة الحكومة الحالية بتطبيق كافة الإجراءات الاخرى المطلوبة، ضمانة لدى الصندوق بأنّ الحكومة الجديدة ستكون لها النوايا الحسنة ذاتها، خصوصاً انّ الإجراءات الاولية المطلوبة للحصول على تمويل الصندوق، مرتبطة بمواضيع شائكة وحساسة على الصعيد السياسي، كمشروع الموازنة والكهرباء، والتي لن تكون السلطة التشريعية الحالية في وارد البتّ بها على مشارف الانتخابات النيابية. وهذا ما اكّده نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي امس، معلناً انّ أهم ما يُبحث به حالياً مع وفد الصندوق، «إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإنجاز خطة التعافي الاقتصادي وإقرار الموازنة في مجلس النواب وإقرار مشروع الكابيتال كونترول، على أمل أن نوقّع قريباً الاتفاق الأولي، وأن يلي ذلك تنفيذ الإجراءات المسبقة قبل التوقيع النهائي».
وفيما تؤكّد المصادر انّ توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، خطوة مهمّة وايجابية، إلّا انّ «التهليل لهذه الخطوة واعتبارها بمثابة حصول لبنان على تمويل صندوق النقد الدولي، سيكون أمراً مبالغاً به، إذ أننا قد نعود الى نقطة الصفر في حال أنتجت الانتخابات النيابية، السلطة التشريعية نفسها، والتي لم تفلح طوال مدّة الأزمة المالية والاقتصادية، بإقرار أي قانون او أي إجراء صائب لوقف الانهيار ووضع البلاد على مسار النهوض او حتّى تحقيق الاستقرار».
من جهتها، اجتمعت الهيئات الاقتصادية امس لمدة 3 ساعات مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو ريغو راميريز، حيث استمع الاخير الى ملاحظاتها ومخاوفها وتحفظاتها على خطة التعافي التي تعدّها الحكومة، خصوصاً لناحية عدم مشاركة الدولة بنسبة مقبولة في عملية سدّ الفجوة المالية في القطاع المصرفي من خلال أصولها، وذلك من اجل استعادة الثقة بالدولة وبإمكانياتها على تسديد الديون التي اقترضتها، إن كان الديون المحلية او سندات اليوروبوندز.
علامة استفهام
وفي هذا الإطار، كشف تقرير لبنك أوف أميركا، عن أنّ السجّل الضعيف للطبقة السياسيّة لناحية تطبيق الإصلاحات خلال العامين الماضيين يضع علامة إستفهام حول إمكانيّة تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي.
وقد علّق بنك أوف أميركا على مهمّة صندوق النقد الحاليّة في لبنان، مشيراً إلى أنّه في حين لا يمكن إستبعاد حصول إتفّاق على برنامج للصندوق قبيل الإنتخابات، إلّا أنّه عند الأخذ بالإعتبار حالات مماثلة في دول ناشئة، يكشف صعوبة حصول هكذا إتفاق إلّا إذا إستحصل صندوق النقد على ضمانات من الطبقة السياسيّة بالتزامها هكذا برنامج بعد انتهاء الإنتخابات. في هذا الإطار، علّق بنك أوف أميركا بأنّ إنجاز اتّفاق مع الصندوق سينعكس إيجابيّاً على السوق، إلّا أنّ تطبيقه يبقى صعباً. وقد أجرى بنك أوف أميركا تحليلاً لثلاثة سيناريوهات ترتكز على النتائج المحتملة للإنتخابات النيابيّة القادمة. ويرتكز السيناريو الأوّل المسمّى «تغيير سياسي»، والذي يتوقّع بنك أوف أميركا أنّ احتمال حصوله ضعيف على حصد المعارضة والمجتمع المدني لغالبيّة المقاعد في المجلس النيابي، ما سينتج منه حكومة إصلاحيّة ستستحصل على دعم كبير من المجتمع الدولي وإبرام صفقة مع صندوق النقد وتلقّي لبنان تدفقّات نقديّة كبيرة، وارتفاع كبير في سعر الصرف الحقيقي لليرة اللبنانيّة وتعافٍ إقتصادي سريع. أمّا بالنسبة للسيناريو الثاني تحت مُسمّى «إستقرار»، يعتبر بنك أوف أميركا أنّ احتمال حصوله متوسّط، ويفترض أنّ المعارضة والمجتمع سيستحصلان فقط على أقليّة في المجلس النيابي، وبأنّ الطبقة السياسيّة الحاليّة ستنجز إتفاقاً مع صندوق النقد الدولي قبل الإنتخابات وعدم حدوث فراغ دستوري بعد الإنتخابات. وسيقود هذا السيناريو إلى استقرار إقتصادي، إلاّ أنّ التعافي سيكون أبطأ من وتيرة التعافي في السيناريو الأوّل.
أمّا بالنسبة للسيناريو الثالث والمسمّى «بقاء الوضع على حاله»، والذي يعتبر بنك أوف أميركا أنّ إحتمال حصوله متوسّط أيضاً، فيفترض أنّ الطبقة السياسيّة ستتجنّب توقيع إتّفاق مع صندوق النقد، بما سيؤدّي في المستقبل القريب إلى تدهور إضافي في سعر الصرف وإلى انكماش إقتصادي في النصف الثاني من العام 2022. على الصعيد المتوسّط، فإنّ هذا السيناريو يفترض بأنّ الإقتصاد اللبناني لم يصل بعد إلى أدنى مستوياته، وبأنّه عند وصوله إلى هذه المستويات فإنّ التعافي سيكون بطيئا ما سينتج منه عقد ضائع على اللبنانيين. دائماً بحسب هذا السيناريو، فإنّ تحويل الودائع المعنونة بالعملة الأجنبيّة إلى الليرة سيستغرق سنوات ما سينتج منه ارتفاع في الكتلة النقديّة وتدهور إضافي في سعر الصرف. إلّا أنّ هذا التراجع في سعر الصرف سيؤدي إلى فائض في الميزان التجاري وتعزيز لمستوى الإحتياطات الأجنبيّة لدى المصرف المركزي. إلاّ أنّه يبقى غير واضح، ما إذا كان هذا السيناريو قابلاً للإستدامة، إذ قد ينتج منه انفجار إجتماعي. أمّا بالنسبة لتحويل الودائع المعنونة بالعملة الأجنبيّة، فيتوقّع بنك أوف أميركا أن تستغرق العمليّة ما بين 5 و 10 سنوات، آخذاً في الاعتبار أنّ متوسّط السحوبات من الودائع بالعملة الأجنبية قد بلغ 0.8 مليار دولار شهريّاً خلال الفترة الممتدّة بين تشرين الأول 2019 وكانون الأوّل 2021.