الإنتقال من “سرطان” الدعم المعروف إلى منصات الإستنسابية المجهولة… ليس حلاً

يفترض المنطق رفع الدعم عن الدواء والمحروقات والطحين، والإنتقال سريعاً إلى البطاقة التمويلية، فتح الإستيراد ومكافحة الإحتكارات. فلعبة “عض الأصابع” التي “تلهو” بها المنظومة مع مصرف لبنان، انتهت إلى “اقتلاع” أرواح المواطنين حرفياً، لا مجازياً، من دون أن يصرخ أحد منهما. عداد الضحايا في المستشفيات وعلى محطات المحروقات يسجل ارتفاعاً يومياً في الأعداد، بظاهرة تستحق رفع دعاوى جزائية بحق المقصّرين من المسؤولين والمحتكرين، ومحاكمتهم، لا تركهم يتسلون بوضع الحلول الترقيعية والخطط “الخنفشارية”.

سجل لبنان خلال “فورة” تقطير الدعم على الدواء والمحروقات سقوط أكثر من 13 ضحية. فقضت الطفلتان جوري السيد (10 أشهر) وزهراء طليس (9 سنوات) نتيجة عدم توفر الدواء. وهلك نحو 11 ضحية على محطات المحروقات، من بينهم محمود دلباني، وغيث المصري و5 أفراد من عائلة حويلي، و3 أشخاص في الضنية والبداوي شمال لبنان، وشاب سوري الجنسية في عكار. هذا العدد الهائل من ضحايا فوضى الدعم، وتسجيل الإقتصاد خسائر فادحة نتيجة الإصطفاف لساعات في الطوابير وفقدان المواد الأساسية للاستشفاء والانتاج والنقل والحياة، لم يستأهل من المسؤولين التوقف عن كل المناكفات والصراعات وتقديم المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة، والانتقال فوراً إلى خطط بديلة ومنطقية.

منذ نهاية العام 2020 سار رفع الدعم بخطين متوازيين: تمثل الأول بالبطاقة التمويلية والمساعدات الدولية لنحو 700 ألف أسرة بقيمة تتراوح بين 93 و130 دولاراً للأسرة الواحدة. فأقر قرض “شبكة الأمان الاجتماعي” المقدم من البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار لنحو 200 ألف أسرة في 12 آذار الفائت، والبطاقة التمويلية لنحو 500 ألف عائلة، وبقيمة 566 مليون دولار في 30 حزيران. أما الخط الثاني، فكان بانصراف الوزراء إلى وضع الإستثناءات بعد رفع الدعم بخطط هجينة تتطلب “جمهورية أفلاطون الفاضلة” لتطبيقها. فظهرت خطة الدواء في 16 تموز المنصرم، وخُفّض الدعم عن المحروقات إلى 3900 ليرة في نهاية حزيران. و يجري البحث حالياً عن تأمين عدد معين من صفائح البنزين المدعوم على منصة خاصة، واستثناء المستشفيات والأفران، واحتمال المولدات الخاصة، من رفع الدعم عن المازوت.

الخطان المتوازيان لم ولن يلتقيا لمصلحة المواطن والإقتصاد. فلم يُتفق لغاية اليوم على كيفية احتساب سعر صرف قرض البنك الدولي بعدما حدده مصرف لبنان على 6240 ليرة، ولم تلتزم الحكومة المستقيلة بمتطلبات تطبيق الإتفاقية التي طلبها البنك الدولي لجهة الشفافية واحترام المعايير العالمية. وفي جميع الأحوال فانه طالما بقي الدعم لبعض الفئات أو القطاعات، طالما سيستمر التقنين في فتح الاعتمادات وفقدان السلع المدعومة. خصوصاً في ظل التفاوت الهائل بين السعر المدعوم من جهة وسعر السوق من جهة ثانية. في المقابل فان الإتفاق على ضرورة وحتمية رفع الدعم، يفرض سؤالاً جوهرياً عن مدى صلاحية البدائل المقترحة سابقاً، وقدرتها على توفير الحلول الشافية، بسبب التبدل السريع في الظروف والمعطيات وتعطل آليات المراقبة.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةأزمة الكهرباء تهدّد سلامة الغذاء: الأسوأ لم يأتِ بعد
المقالة القادمةلجنة الصحة توافق على الاستيراد الطارئ للدواء بشروط