الاحتياطي الأجنبي الموريتاني يأكله الاختلاس وسوء الإدارة

شهد الاحتياطي الرسمي من العملة الصعبة في موريتانيا قفزة نوعية خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة. غير أن حجم الاحتياطي عاد للتراجع بسبب عمليات الاختلاس التي كان آخرها اختفاء 2.4 مليون دولار منه مطلع شهر حزيران/ يونيو، إضافة إلى تقاعس السلطات عن الكشف عن الحقائق وصولاً إلى المحاسبة.

واقع، أدى إلى أزمة ثقة بالنظام المصرفي، ما انعكس سلباً على سعر صرف العملة المحلية “الأوقية”. كذا صعد مستوى التضخم في بلد لا يزال الفقر يسجل فيه مستويات مرتفعة، حيث يعيش 50.6 في المائة من السكان في فقر متعدد الأبعاد وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2019.

ووفقاً لآخر تقرير فصلي للبنك المركزي الموريتاني فإن الاحتياطي الرسمي من العملة الصعبة وصل إلى مليار و82 مليون دولار. وخلال العام الماضي سجل الاحتياطي، الذي شمل لأول مرة مشتريات الذهب لدى المنقبين التقليديين، ارتفاعاً ليصل إلى 1.136 مليار دولار، مقابل 918 مليون دولار عام 2018 ارتفاعاً من 849 مليون دولار في العام 2017.

ويأتي التحسن النوعي في مستوى احتياطي النقد الأجنبي خلال عام 2019 في مرحلة تميزت بزيادة أسعار الحديد والذهب عالميا، وتعد خامات الحديد والذهب أهم صادرات موريتانيا من المواد الأولية، وساهمت زيادة أسعارهما في تحسين عجز الحساب الجاري الذي وصل إلى 4.2 مليارات أوقية (حوالي 114 مليون دولار) في نهاية العام 2019 أي نسبة 2.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى الباحث الاقتصادي كريم الدين ولد الخليفة أن الاحتياطي الأجنبي يعاني من غياب استراتيجية ملموسة لتنميته وتنويع مصادره، مشيرا إلى أن موريتانيا تبنت أخيرا سياسة تهدف إلى تطوير وعصرنة سوق الصرف، من خلال إقامة سوق بيني، مما سيضفي مزيدا من المرونة في السياسة النقدية، وسيرفع قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الداخلية والخارجية ويعزز قوته التنافسية.

ويشدد ولد الخليفة في تصريح لـ “العربي الجديد” على ضرورة تنويع مصادر العملة الصعبة والعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي في المجال الغذائي، مما سيخفف الضغط على احتياطي البنك المركزي ويساهم في نموه. ويعبر الباحث الاقتصادي عن خشيته من تأثير عملية الاختلاس الأخيرة على ثقة المستثمر الأجنبي وكذا العملاء في النظام المصرفي الموريتاني، خاصة مع انخفاض معدل الوصول للخدمات المصرفية في أوساط المواطنين والمقدر في موريتانيا بحوالي 30 في المائة.

وكان البنك المركزي الموريتاني قد أعلن مطلع شهر يونيو الماضي عن اختفاء 2.4 مليون دولار من خزينة المصرف، وهي الفضيحة التي هزت الوسط المالي، ولا تزال مجريات التحقيق جارية في تحديد المسؤولين عنها، فيما تم توقيف حوالي عشرة من المتهمين على ذمة التحقيقات. وبحسب البنك، فإن عملية الاختلاس طاولت إحدى الخزينات الفرعية للعملة الصعبة وقد وصلت المبالغ المختفية إلى 935 ألف يورو و558 ألف دولار.

وتعتمد موريتانيا بشكل خاص على عائدات ثروتها المعدنية والسمكية كمصادر رئيسية لتنمية الاحتياطي الأجنبي من العملة، كما تساهم قطاعات النفط والسياحة بالإضافة إلى تحويلات المغتربين في تموين الاحتياطي بنسب متفاوتة. وظل هذا الاحتياطي يتأثر بشكل مباشر بتقلبات سوق المواد الأولية، إذ تأثر بالتراجع الكبير في أسعار خام الحديد التي انهارت خلال السنوات الأخيرة قبل أن يتحسن مع انتعاش أسعار الحديد والذهب في الفترة الأخيرة.

وانتقل سعر خام الحديد الموريتاني تركيز 62 في المائة من 135.4 دولاراً للطن في العام 2013 إلى حوالي 50 دولاراً للطن في العام 2017 قبل أن يشهد قفزة ابتداء من العام 2019، حيث وصل سعر طن خام الحديد الموريتاني 110.4 دولارات مع نهاية شهر يوليو/ تموز.

وساهم في تحسن احتياطي النقد الأجنبي في العام الماضي، ارتفاع إيرادات استغلال مناجم الذهب وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، بالإضافة لعائدات قطاع الصيد والتي بلغت خلال العام الماضي 228 مليون دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي.

يذكر أن الاحتياطي الموريتاني من النقد الأجنبي يتم إيداعه في “بنك فرنسا المركزي” و”بنك الاحتياطي الفدرالي” في الولايات المتحدة، فيما يحتفظ البنك المركزي الموريتاني بالجزء المخصص لتلبية الطلب اليومي على العملة الأجنبية على مستوى سوق الصرف المحلي.

ولا تتوقع مصادر “العربي الجديد” أن يرتفع احتياطي موريتانيا من العملة الصعبة بسبب استمرار تباطؤ النمو العالمي وانعكاسات ذلك على تراجع المواد الأولية، وغياب استراتيجية ملموسة لتنمية الاحتياطي في بلد يعتمد في جل استهلاكه على الاستيراد من الخارج.

وتحذر المصادر من ضياع فرص الرفع من الاحتياطي النقدي في موريتانيا، وتطالب بمكافحة الفساد وإرساء قواعد الحكم الرشيد والسعي لتوفير رصيد مهم من العملة الصعبة يمكن موريتانيا من مواجهة الصدمات الخارجية، إضافة إلى فرض إصلاحات اقتصادية وحماية العملة المحلية خاصة بعد استبدال العملة القديمة وتغيير قاعدتها بحذف الصفر. وقامت موريتانيا قبل عامين بإصلاح نظامها النقدي وتم استبدال العملة القديمة بأخرى جديدة.

 

 

مصدرالعربي الجديد - سكينة إبراهيم
المادة السابقةمخاوف العزل العام تهبط بأسواق المال العالمية
المقالة القادمةغوغل تطلق برنامجا لتسريع التعافي الاقتصادي في الشرق الأوسط