عن قصدٍ، جرت شيطنة دعم الاستيراد، لأنّه يمكن أن يُموّل من حساب «التوظيفات الإلزامية» لدى مصرف لبنان. يُشير رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية ــــ بيروت، غسان ديبة إلى أنّ «الاحتياطات بالعملات الأجنبية لا يمكن اعتبارها ثابتة. يُحكى اليوم عن قيمة الاحتياطي لدى مصرف لبنان كأنه «قجّة» مقفلة تنقص فقط عندما يتم استعمالها للاستيراد، لكنها أيضاً مُرشّحة للازدياد في ظلّ تدفّق العملة الصعبة من الخارج، إن عبر التصدير أو عبر أموال المغتربين أو السياحة، وكلّ هذه المصادر مرشّحة للزيادة». إضافةً إلى ذلك، «ما لدى مصرف لبنان اليوم (15 مليار دولار، بحسب ما أبلغ نائب الحاكم مجلسَ النواب)، هو أكثر من الاحتياطي الذي يملكه الكثير من المصارف المركزية في العالم، ويكفي لأكثر من سنة ونصف سنة من الاستيراد. لماذا الهلع إذاً؟».
يوضح ديبة أنّ «الاحتياطي» لدى مصرف لبنان مكوّن لأمرين: «أولاً، الدفاع عن الليرة (و/أو التخفيف من الأزمات المالية)، ثانياً تمويل الاستيراد». يعتبر أنّ الاحتياطي حساب سيادي، ولا يستطيع «مالكو الدولار» منع «المركزي» من استخدامها. «مثلاً، إذا اعتبر المُصدّر أنّ دولاراته هي له ولا يستطيع البنك المركزي استخدامها لتمويل الاستيراد وأبقاها خارج لبنان، فماذا تفعل الدولة للاستيراد، ومنها حاجات الطاقة والكهرباء؟ ومن يتحدث عن أن الإنفاق الحكومي بالعملة الأجنبية هو بمثابة دَين على الدولة للمودعين مخطئ».
ولكن هل يجب أن يستمر مصرف لبنان بتمويل الاستيراد؟ يقول ديبة إنّه في حال «سبّب الأمر قلقاً لدى البعض، يُمكن نقل كلفة الدعم من السلطة النقدية إلى وزارة المالية، التي بعد استيراد السلع على «سعر السوق» (لا يمكن للدولة أن تستعمل السعر في السوق السوداء، يعني استمرار نوع من دعم الدولار للاستيراد)، أن تدعم أسعار هذه السلع عبر الضرائب على الأرباح والثروة. هذا لن يُخفّف من قيمة الاستيراد التي يسعى إليها البعض، ولكن هل يمكن فعلياً تخفيف قيمة الاستيراد من المحروقات والدواء من دون هزّة اقتصادية واجتماعية كبرى؟ المسألة إذاً توزيعية، يمكننا الاستمرار بالدعم إذا استطعنا أن نُحمّل الرأسمال عبئه. وهم يريدون تحميل الثمن للطبقات الوسطى والعاملة. إنّه وضع كلاسيكي من الصراع الاجتماعي، وخصوصاً خلال الأزمات».