الاستقرار المالي لا حماية المصارف

تمكّن أصحاب النفوذ والحظوظ من تحويل أرصدتهم في المصارف اللبنانية إلى الخارج خلسةً،  وذلك خلال ثلاثون شهرًا مضت على اندلاع الأزمة النقدية في البلاد وعلى وقع صراخ المُكتوين بأزمات الدواء والاستشفاء والغذاء والسكن والتعليم والعمل والمتألمين من هجرة أبنائهم إلى بلاد الله الواسعة.
الغريب أنّ موضوع الكابيتال كونترول (Capital control) حلّ فجأةً، ضيفًا في رأس سلّم الأولويات تارةً في المجلس النيابي وطورًا في مجلس الوزراء، تحت عنوان الاستجابة إلى شروط صندوق النقد الدولي (IMF) لمساعدة لبنان، والأغرب أن طرح مثل هذا التشريع يتمّ دون خطة مالية شاملة، ولا يستحوذ بالتأكيد على موافقة صندوق النقد الدولي بالصيغة الهجينة المطروحة لمجرّد أنه لا ينصّ على توحيد سعر الصرف.
«الكابيتال كونترول» يجب أن ينحصر بمنع التحويلات إلى الخارج، باستثناء تلك المتعلقة بالاستشفاء والتعليم والمستحقات المتوجبة بصورة حُكمية، ويجب أن يُطبّق على قدم المساواة بين المودعين بعيدًا عن أي تمييز، كما وترشيد استعمال السيولة المتبقية، وتحديد المواد المستوردة من الخارج، في ضوء جردة شفافة لحسابات مصرف لبنان، وتقييم لمستلزمات مختلف الوزارات، على أن يتلازم ذلك مع إعادة هيكلة المصارف، لاستعادة الثقة بالقطاع المصرفي، تمهيدًا لإنقاذ البقية الباقية من أموال المودعين، وحصر نطاق تطبيقه بمدة زمنية محدودة، تُنجَز خلالها الإصلاحات الكفيلة بوقف الهدر والحدّ من الفساد وتحفيز الإقتصاد، عن طريق تسهيلات حيوية تُقنِع المستثمرين.
قانون «الكابيتال كونترول» ليس عقوبة للمودع، وهو ما يُفترض تناسبه مع جميع فئات المودعين ووضع تصوّر واضح لكيفية إعادة الودائع بالعملة ذاتها التي أودعت فيها. ومن غير المقبول أن يضع القانون قيودًا على حرية التداول بالملكية، أو يتعارض مع الدستور اللبناني الذي نص على «احترام شرعة حقوق الإنسان»، وأن محاولة تطبيق هذا القانون مع مفعول رجعي يجرّد المودع والمستثمر من كل حماية قضائية بالنسبة للفترة السابقة لإقراره، ويكون «الّلي ضرَب ضرَب، والّلي هرَب هرَب».
تلك هي الخطوط العريضة لإقرار قانون «الكابيتال كونترول» إذا كانت النيّة إطلاق عملية إصلاحية لإنقاذ الودائع ووضع حدّ للانهيار المأساوي. وإلا تكشّفت الحقيقة المرّة التي تؤكد: أننا أبعد ما نكون عن الاستقرار المالي والنقدي وأن ما يجري لا يعدو كونه حمايةً للمصارف من الدعاوى في لبنان والخارج.
مصدراللواء - د. نعمة جعجع
المادة السابقة“التكيّف السلبي” يقضّ مضاجع اللبنانيين
المقالة القادمةروسيا لتوسيع خطط «الدفع بالروبل»