البطاقة التمويليّة من دون خطّة: نحو الانهيار الكبير

لا قضية اليوم تعلو فوق قضية الدعم. «ترشيده» (أي تخفيفه) أو إلغاؤه هو الحدث الذي صار مقبولاً ممن ظلّ يرفضه لأشهر طويلة. رضخ حسان دياب للأمر الواقع، ولم يعد يُعارض رفع الدعم إلا شكلياً، كأن يرفض الترشيد قبل توزيع عدد معين من البطاقات التمويلية أو أن يسعى إلى زيادة قيمة البطاقة، وصولاً إلى «إنجاز» تحويل عملة البطاقة من الليرة إلى الدولار، بحجة لجم التضخم.

صارت الحكومة المستقيلة تتحدث عن «العدالة» بوصفها غاية الدعم. لكن النقاش بالأرقام يدل على أن الأزمة مستمرة، وستزداد سوءاً، كما أن ميزان العدالة لن يستوي طالما أن الترقيع هو السائد. البطاقة التمويلية هي تحديداً بطاقة العبور إلى الانهيار الكبير، ما لم تترافق مع إجراءات إصلاحية جدّية تضمن استنهاض الاقتصاد مجدداً. وهذا لا مفر من مروره بتأليف حكومة جديدة تضع نصب عينيها تنفيذ برنامج إصلاحي حقيقي.

ترى الحكومة في مشروعها أن تقديم الدعم بالدولار من شأنه ضبط التضخم والحدّ من ارتفاع سعر الصرف (كلفة البطاقة مليار و235 مليون دولار، أي ما يعادل 14.4 تريليون ليرة على سعر 12500 ليرة للدولار). لكن هذه الفرضية تعوزها الإشارة إلى أن الطلب على الدولار لن يتوقف، وأن المستوردين سيستمرون في الحصول على حاجتهم من الدولارات من السوق (نحو 6 مليارات دولار كانت قيمة الواردات غير المدعومة من مصرف لبنان).

ترى مصادر معنية أن الاحتياطي الفعلي لا يتجاوز 10 مليارات دولار (تضاف إليها قيمة القروض المقدمة للبنوك)، ولذلك فهي تسأل: هل يريد حاكم مصرف لبنان صك براءة على صرفه الاحتياطي الإلزامي الذي فرضه بنفسه على المصارف؟ أم أنه يريد من رفع الدعم رفع الأسعار بشكل كبير، بما يؤدي إلى عدم قدرة الناس على الشراء، وبالتالي تخفيض الطلب على الدولار؟

المشكلة الأكبر تتمثل في تقدير الأرقام في المشروع. اجتماعات لا تحصى عقدت لتكون النتيجة أرقاماً لا تمتّ إلى الكلفة الفعلية للمعيشة بصلة. الحديث عن استبدال دعم المحروقات والمواد الغذائية بالبطاقة، يتغاضى عن عامل أساسي، وهو أن إلغاء الدعم عن المواد الأساسية لا يؤثر على استهلاك هذه المواد حصراً، بل يؤثر على كل كلفة الإنتاج، وعلى كلفة كل الخدمات الأساسية، من مسكن إلى طبابة واستشفاء وتعليم…

ما سبق يشير الى أن إلغاء الدعم أو «تخفيفه» وتقديم البطاقة التمويلية بديلاً له، إذا لم يقترن بإجراءات لإعادة النهوض بالاقتصاد، سيكون وصفة لتدمير ما تبقّى من قدرة للعيش في لبنان. أما حجة انخفاض الاحتياطي الإلزامي، فلا تكفي لتبرير ضرب الأمان الاجتماعي للناس. مؤشرات البطالة تشير إلى 400 ألف شخص عاطل عن العمل، وبالتالي فإن الحاجة إلى 5 ملايين ليرة لتأمين كلفة المعيشة للناس، يعني أن المجتمع بأكمله سيتحوّل إلى ما دون خط الفقر.

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةكركي : لأنّ الجميع تحت سقف القانون
المقالة القادمةسلامة يضغط على الحكومة: وقف الدعم نهائياً