البنك الدولي عن لبنان: الإنكار الكبير

الاقتصاد السياسي للبنان يتفكّك. هذه أبرز خلاصة وردت في نشرة المرصد الاقتصادي الصادرة عن البنك الدولي بعنوان «الإنكار الكبير». هو إنكار كبير لأن الأزمة استمرّت بعد سنتين من انفجارها وفق تقدير أن الانهيار حصل في تشرين الأول 2019. خلال فترة السنتين استمرّ الانحدار. لم يعمل أحد على إيقافه. بل كانت الاضطرابات النقدية والمالية تخلق ظروفاً إضافية للأزمة من خلال ثلاثة عوامل أساسية: تدهور سعر الليرة، خلق الأموال، والتضخّم. دينامية العوامل الثلاثة أصبحت مركز الأزمة يتمحور حولها استشراف المستقبل. فعمليات تحويل الودائع إلى ليرة وخلق الأموال النقدية وضخّها في السوق، ستكون لها تداعيات تضخّمية. لذا، يشير البنك الدولي إلى أنه «في عام 2021 عانت الليرة اللبنانية من تدهور بنسبة 210% مقابل سعر الدولار النقدي في السوق، علماً بأن نسبة التدهور كانت تبلغ 250% في 2020»، وأن التضخّم «ازداد سوءاً».

وفق تقديراته، فإن إفلاساً بهذا المستوى قوّض الاقتصاد السياسي لما بعد الحرب الأهلية. هذا النموذج كان قائماً على «تدفق الودائع لتمويل القلّة الحاكمة في القطاع الخاص والعام والتي كانت تسيطر على الإدارة العامة». إذاً، الخسائر لا تتعلق فقط بما حصل في القطاع المالي الذي تتداخل فيه الحكومة بمصرف لبنان بالمصارف بالمودعين، إنما هناك خسائر المجتمع التي يزداد حجمها يومياً من دون أي مكابح.

ومنذ تقريره الأخير بعنوان «لبنان يغرق»، فإن تقديرات البنك الدولي ما زالت على حالها وتفيد بأن مصرف لبنان هو صانع السياسات الوحيد في لبنان حالياً، وأن سياساته هي الأساس في كل النتائج التي يشهدها لبنان. لذا، يقدّر البنك الدولي أن «يبقى الاضطراب المالي والنقدي قائماً»، ويشير التقرير إلى أن تحويل الودائع إلى ليرة بدأ بتعاميم مصرف لبنان التي سمحت للمودعين بالدولار أن يسحبوا أموالهم على أسعار صرف أعلى من السعر الرسمي، وأقل من سعر السوق الموازية.

كانت البداية مع التعميم 151 الذي أتاح سحب كل دولار بقيمة 3900 ليرة ضمن سقف سحب يبلغ 5000 دولار شهرياً. «هذا الأمر يعني هيركات بنسبة 84%، على افتراض أن سعر صرف الدولار في السوق يبلغ 25000 ليرة» وفق البنك الدولي. لكن «المركزي» لم يكتف بهذا التعميم، بل وسّع عملياته في هذا الجانب وأصدر في حزيران 2021 التعميم 158 الذي أتاح سحب 800 دولار شهرياً، نصفها على شكل دولار نقدي، ونصفها الآخر بالليرة على سعر صرف 12000 ليرة للدولار، «ما يعني هيركات بنسبة 26%. ورغم أن التعميم 158 كان بمثابة فرصة أفضل من التعميم 151، على الورق، إلا أنه أثار قلق المودعين بسبب عدم الوضوح والشفافية، فضلاً عن عدم الثقة بقدرة القطاع المصرفي على الاستمرار في تطبيقه».

آلية تطبيق التعميم 158 لم تكن متطابقة بين جميع المصارف ما زاد من أزمة الثقة في القطاع المصرفي. لكن خلق ظروف الإنكار استمرّ، إذ إنه «في 9 كانون الأوّل 2021، أصدر مصرف لبنان تعديلاً على التعميم 151، يقضي برفع سعر الصرف إلى 8000 ليرة مقابل الدولار مع خفض سقف السحب إلى 3000 دولار شهرياً، ما يعني haircut بنسبة 68%». هذا التعديل رفع السقف الشهري للسحب من 19.5 مليون ليرة، إلى 24 مليون ليرة ما أدّى إلى زيادة إضافية في توسّع الكتلة النقدية بالليرة بنسبة 23%.

وبعد ارتفاع كبير في سعر الدولار في السوق، أصدر مصرف لبنان التعميم 161 القاضي ببيع الدولارات للمصارف لتعطيها للمودعين بدلاً من سحوباتهم بالليرة على أساس سعر صرف منصّة Sayrafa، وكان الهدف من هذا التعميم سحب سيولة الليرة الموجودة في السوق ولجم الارتفاع في سعر الصرف. في النتيجة، بسبب كل هذه العوامل، انخفضت قيمة الليرة مقابل الدولار بنسبة 210% في عام 2021، بعدما فقدت 250% من قيمتها في 2020.

يرى البنك الدولي أن لبنان يحتاج، بشكل عاجل، إلى اعتماد وتنفيذ خطّة إصلاحيّة موثوقة، وشاملة، وعادلة من أجل تفادي الانهيار الكامل للشبكة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ووضع حدّ فوري لخسارة رأس المال البشري الذي يسير في اتجاه لا رجعة فيه. ويجب أن تعتمد هذه الاستراتيجيّة على:

– إطار سياسة نقديّة جديد يُعيد الثقة والاستقرار إلى سعر الصرف.
– برنامج إعادة هيكلة للدين من شأنه أنّ يحقّق الحيّز المالي على المدى القصير واستدامة الدين على المدى المتوسط.
– إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة ملاءة القطاع المصرفي.
– تصحيح مالي منصف وتدريجي يهدف إلى إعادة الثقة في السياسة المالية.
– إصلاحات معزّزة للنمو.
– تعزيز الحماية الاجتماعيّة.