الترسيم وإعادة توزيع حصص الرخص البتروليّة: شراكة فرنسية-قطرية

من المفترض أن تبدأ اليوم جولة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين على المسؤولين اللبنانيين، بدءًا من رئيس الجمهوريّة، على أن تُكلّل الجولة بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود في الناقورة (راجع المدن). واستباقًا لتوقيع الاتفاق، صادقت حكومة تصريف الأعمال اليوم على تنازل شركة توتال لبنان عن حصّتها من رخصة البلوك رقم 9، والبالغة 40%، لشركة أخرى مملوكة من توتال فرنسا أيضًا، تحمل إسم “داجا 215”. مع الإشارة إلى أنّ لبنان صادق أيضًا على قرارات تُعنى بحصّة الدولة في البلوكين 4 و9، وحق المشاركين في البلوكين بالتنازل عن حصصهم.

وبذلك، تكون الحكومة قد مهّدت لتوقيع اتفاق ترسيم الحدود غدًا، بإصدار القرارات المطلوبة منها لإعادة توزيع حصص الرخص البتروليّة، حسب تفاهمت مسبقة مع شركة توتال. فبنود اتفاق ترسيم الحدود تفرض معايير معيّنة بخصوص الشركات التي ستحمل رخص التنقيب والاستخراج في البلوك رقم 9 تحديدًا، وهو ما فرض على لبنان إصدار هذه القرارات في هذا التوقيت بالذات.

سبب الاضطرار لإعادة توزيع الرخص البتروليّة

بمجرّد توقيع اتفاق ترسيم الحدود، لن يملك لبنان الحريّة المطلقة في ما يخص أنشطة التنقيب والاستخراج في البلوك رقم 9، حتّى في المناطق البحريّة التي تقع شمال الخط 23. فحسب الفقرة (ج) من القسم الثاني في الاتفاق، من المفترض أن تكون الشركات المشغّلة في هذا البلوك شركات دوليّة ذات سمعة جيّدة، وغير خاضعة لعقوبات دوليّة. كما لا يمكن أن تكون هذه الشركات لبنانيّة.

بهذا المعنى، لا يمكن للحصص البتروليّة في البلوك رقم 9 أن تبقى على حالها. فنسبة الـ40% التي تملكها شركة توتال، مسجّلة بإسم شركة لبنانيّة مملوكة من توتال فرنسا، تحمل إسم “توتال لبنان” (بالإنكليزيّة: Total energies EP Liban SAL). وهذا الواقع يتعارض مع نص اتفاق ترسيم الحدود، الذي سيحول دون تمليك الرخص لشركات مسجّلة في السجل التجاري اللبناني كـ”توتال لبنان”، ولو كانت مملوكة من شركات دوليّة كتوتال فرنسا. كما تبرز إشكاليّة أخرى هنا، إذ أنّ شركة “توتال لبنان” ليست شركة دوليّة معروفة، ولا تملك أي سمعة في هذا القطاع، كما يفرض نص الاتفاق.

الملفت في الموضوع، هو أنّ إسرائيل فرضت تضمين الاتفاق بنود تفرض تلزيم البلوك للشركات الدوليّة الكبرى ذات السّمعة الجيّدة، بدل تلزيمها لفروع محليّة مملوكة منها، كي تضع الشركات الدوليّة مباشرةً أمام الإلتزامات التي ستترتّب لصالح إسرائيل (أي حصّتها من الأرباح)، بدل أن تترتّب هذه الإلتزامات على شركات محليّة محدودة المسؤوليّة، لا تملك أي ملاءة أو أصول تُذكر. وهذه المسألة لم تكن قد دخلت في حسابات أو اهتمامات اللبنانيين عند تلزيم البلوكات 4 و9، لمصلحة شركات كـ”توتال لبنان”، ما يشير إلى الفارق الشاسع بين طريقة تعامل كل من إسرائيل ولبنان مع هذا الملف.

ومن ناحية أخرى، بعد توقيع الاتفاق، لن تملك الدولة اللبنانيّة ترف الاحتفاظ بـ20% من البلوك رقم 9، كما هو الحال اليوم، لكون هذه الحصّة مملوكة من قبل طرف لبناني أولًا، ولا تديرها أي شركة بتروليّة معروفة في هذا القطاع ثانيًا. ولذلك، سيفرض الدخول في اتفاق ترسيم الحدود تنازل الدولة عن هذه الحصّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الدولة حصلت على هذه الحصّة بشكل تلقائي، بعدما تنازلت عنها شركة نوفاتيك الروسيّة، إثر فرض العقوبات الدوليّة عليها.

قرارات توزيع الحصص الأخيرة

بهدف إعادة توزيع الحصص، عملت وزارة الطاقة والمياه خلال الأيام الماضية على مجموعة من القرارات التي استبقت عمليّة توقيع اتفاق ترسيم الحدود في الناقورة، بالتنسيق مع شركة توتال، ومنها القرار الذي صادقت عليه الحكومة اليوم:

– لإخراج شركة توتال لبنان من معادلة البلوك رقم 9، ستتنازل الشركة عن حصّتها في الرخصة البتروليّة في هذا البوك لشركة دوليّة مملوكة من توتال فرنسا، تحمل إسم “داجا 215”. علمًا أن هذه الحصّة تبلغ اليوم حدود 40%.

– لإخراج الدولة اللبنانيّة من معادلات البلوكين 4 و9 معًا، ستتنازل الدولة عن حصصها لشركة دوليّة مملوكة من توتال فرنسا أيضًا، تحمل إسم “داجا 216” (وهي غير “داجا 215” المذكورة أعلاه، والتي ستتملّك حصّة توتال لبنان). علمًا أن هذه الحصّة تبلغ 20% من رخص البلوكين.

– لن تسدد “داجا 216” أي بدل في الوقت الراهن للدولة اللبنانيّة، لقاء حصولها على نسبة 20% من رخصتي البلوكين 4 و9. لكن بعد أن تقوم “داجا 216” ببيع الحصّة لشركات بتروليّة أخرى، ستسدد للدولة اللبنانيّة قيمة الأتعاب والمصاريف التي تحمّلتها شركة نوفاتيك في الماضي، والتي تمثّل عمليًّا القيمة الحاليّة لهذه الحصّة.

– ستحتاج “داجا 216” إلى القيام بهذه العمليّة، أي بيع الحصّة لشركات دوليّة والسداد للدولة اللبنانيّة، خلال ثلاثة أشهر، تحت طائلة استعادة الدولة لملكية الحصّة في حال عدم القيام بهذا الأمر.

– أخيرًا، رخّصت الدولة لمالكي رخص البلوكين 4 و9 التنازل عن جزء من حصصهم لشركات أخرى.

التوزيع الأخير للحصص

قد يبدو كل ما سبق ذكره معقدًا، لكن ما سيجري متفق عليه وبسيط. تنازل لبنان عن حصّته البالغة 20% في البلوكين 4 و9 لشركة داجا 216، والتي ستتنازل بدورها عن الحصّة لشركة قطر للطاقة. كما ستحصل قطر للطاقة على حصّة إضافيّة قدرها 10% في البلوكين، من الشركاء المالكين للرخص البتروليّة حاليًّا (أي توتال وإيني). وفي النتيجة سيكون التوزيع الأخير للحصص على الشكل التالي:

– 35% من الحصص بإسم داجا 215 (المملوكة من توتال).

– 35% من الحصص بإسم شركة إيني الإيطاليّة.

– 30% من الحصص بإسم قطر للطاقة.

وفي النتيجة، سيحصل لبنان على المبلغ الذي ستدفعه قطر للطاقة لقاء حصولها على حصّة الدولة اللبنانيّة في رخص البلوكين 4 و9، على ينطلق بعدها التحالف الثلاثي في أعمال التنقيب في البلوكين. أمّا حصة إسرائيل من الأرباح المتعلّقة بأي أعمال استخراج مستقبليّة في حقل قانا المحتمل، فستحدد وفقًا للاتفاق الذي سيُعقد مع شركة توتال، فيما يتم ذلك وفقًا كميّة الغاز الموجودة جنوبي الخط 23، الذي تم الترسيم على أساسه.

بالنسبة إلى توتال، ستكون قد تمكنت من إدخال شريك جديد ومليء قادر على تحمّل نسبة جيّدة من النفقات الاستثماريّة في حقول الغاز اللبنانيّة المحتملة، أي شركة قطر للطاقة. كما ستكون قد وسّعت شراكتها الاستراتيجيّة مع قطر في مجال الطاقة، والتي بدأت أساسًا بتوسّع توتال في استثماراتها في قطاع الغاز داخل قطر نفسها. أمّا قطر للطاقة، فستكون قد وجدت موطئ قدم مهم على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، وهو هدف وضعته الشركة لنفسها منذ فترة، في ظل تسابق الشركات البتروليّة على الرخص البتروليّة في المنطقة.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةرفع “اللولار” من 8000 إلى 15000 ليرة: تذويب الودائع
المقالة القادمةالبنك الدولي وفضائح الكهرباء!