التسوية” تترنَّح.. ماذا عن الحكومة؟.. وأسئلة نيابية تنتظر الموازنة

 

ما ان أُسدلت الستارة على الحلقة العشرين من مسلسل الموازنة في مجلس الوزراء، وما تخلّل كل الحلقات من نفور ‏ومناكفات سياسية ومزايدات شعبوية واستعراضية، حتى فُتح الباب اللبناني على غارات سياسية متبادلة تصاعدت على ‏أثر الأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية في قضية المقدّم في قوى الامن الداخلي سوزان الحاج والمقرصن ايلي ‏غبش. والساعات الاربع والعشرون الماضية شكّلت حلبة لاشتباك سجالي على كل الخطوط، كان أعنفه بين “التيار ‏الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، حيث اظهرت حدّة الخطاب المتبادل بينهما انّ التسوية السياسية المعقودة بين ‏التيارين، شارفت على ان تلفظ أنفاسها. ولعلّ اولى نتائج هذا الاشتباك هو انقطاع التواصل بين أطراف التسوية. الّا انّ ‏اللافت للانتباه في هذا السياق، هو غياب حركة الوساطات لتبريد التوتر الآخذ بالتفاقم اكثر فأكثر‎.‎

هذه الصورة المتأرجحة، تبدو مرشحة الى مزيد من السخونة، وخصوصاً انّ المسرح السياسي يتنقل من اشتباك الى ‏آخر. فاشتباك “التيّارين” محتدم، يضاف الى اشتباكات تعاقبت خلف بعضها البعض على مدى الاسابيع الاخيرة، ‏واستُهلت بخلاف كبير بين الحزب “التقدمي الاشتراكي” و”حزب الله” على خلفية كسارة آل فتوش، تبعه اشتباك اكثر ‏عنفاً بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، وثم اشتباك كلامي بين “التيار” و”التقدمي” حول الموقف من ‏اساتذة الجامعة اللبنانية، وصولاً الى الاشتباك الذي بدأ يتصاعد بين “المستقبل” و”حزب الله”، على خلفية إدانة ‏الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الموقف الذي اعلنه رئيس الحكومة سعد الحريري في كلمة لبنان التي القاها ‏خلال قمّتي مكة‎.‎

هذه الأجواء أدخلت لبنان في وضع ملبّد قبل عيد الفطر، وأعربت مصادر سياسية عن خشيتها من انزلاق الأمور الى ‏ما هو ابعد في الايام المقبلة، ليس فقط على مستوى العلاقات بين القوى السياسية، بل على المستوى الحكومي، التي ‏تطرح علامات استفهام حول كيفية تمكّنها من متابعة مسارها في ظل أجواء مكهربة بين مكوناتها‎.‎

سجال التيّارين

كانت الساعات الاربع والعشرون الماضية، قد شهدت توتراً سياسياً بين “الوطني الحر” وتيار “المستقبل”، تخلّله ‏سجال حاد على خط التسوية السياسية الرئاسية بين التيارين. تواكب مع اهتزاز واضح في الجسم الحكومي على خلفية ‏المواقف الاخيرة التي اطلقها رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل، وما تلاها من مواقف عالية السقف من قِبل ‏‏”التقدمي الاشتراكي” و”المستقبل” و”القوات اللبنانية‎”.‎

وشكّلت قضية الحاج – غبش، الشرارة التي أشعلت فتيل التوتر، الذي دلّ تسارع اشتعاله واحتدامه الى انّ الخريطة ‏السياسية الداخلية اشبه ما تكون بمربعات متصارعة وكامن لبعضها البعض عند اي مفترق او محطة حتى ولو كانت ‏ثانوية‎.‎

باسيل

واذا كان الوزير باسيل يرى انّ الحملة التي تُشن عليه ليست بريئة، فإنه عاد واكّد خلال جولة في الشياح امس، انّ هذه ‏الحملة نابعة من تحريف متعمّد لكلام اطلقه، وقال: “العماد عون ليس ابن المارونية السياسية ليربينا عليها. ومخطىء ‏من يعتقد أنّ البلد يمشي وفقاً لمارونية سياسية، سنّية سياسية أو شيعية سياسية‎”.‎

واشار الى انّ “ما جرى ليس بسبب كلام قلته بل على كلام افتراضي، بل اخترعوا جملاً وبدأوا بالردّ عليها، منها عن ‏السنّية السياسية واساتذة الجامعة اللبنانية وإقالة مدير عام الامن الداخلي. وكل ما يهاجمونه غير موجود”. وقال باسيل: ‏‏”انا لم اتحدث يوماً عن إقالة المدير العام لقوى الامن الداخلي. لكن لا احد يحاول إخافتنا وإخضاعنا حتى لا نتحدث عن ‏أخطاء. فهناك في الدولة من هو اعلى من رئيس الحكومة، فيعطي رخصاً وما الى ذلك، ويفتعلون دائماً مشكلات ‏استباقية لأهداف اخرى‎”.‎

‎”‎المستقبل” يهاجم

وتزامناً، تفاعل هجوم تيار “المستقبل” على الوزير باسيل وحملته على المحكمة العسكرية والمطالبة بإلغائها، واصفاً ‏الحكم الصادر في قضية الحاج – غبش بالمسيّس. وقد افيد من اوساط “المستقبل” بأنّ “الرئيس سعد الحريري، ‏الموجود في الرياض، أولى اهتمامه الكبير بطلب القاضي هاني الحجار نقله من المحكمة العسكرية. مشيرة الى انه بعد ‏عودته الى بيروت سيبادر رئيس الحكومة الى مطالبة المعنيين في الدولة مناقشة شفافة ومسؤولة للحيثيات التي وردت ‏في الطلب، الذي يُفترض تعميم مضمونه كي يتسنى للجميع الإطلاع على ما يجري في المحكمة العسكرية، لأنّ سياسة ‏ورقة التين لم تعُد تنفع‎”.‎

وفي وقت تؤكّد فيه اوساط “التيار الوطني الحر” انّ لا وجود لخطر على التسوية السياسية القائمة مع “المستقبل”، ‏فإنّ الخلاف كان اللافت فيه امس، المقدّمة النارية التي أوردها تلفزيون المستقبل ضد الوزير باسيل، حيث توجّه اليه ‏بالقول: “نصيحة لوجه الله ؛ أسلوبك في مخاطبة اللبنانيين قد يأتيك ببعض ‏المصفقين من الأنصار، لكنّه بالتأكيد ‏يستدعي حالات من التذمّر لدى قطاعات واسعة من الناس، ‏‎هناك من يعتبر انك صرت عبئاً على العهد، وتضع رئاسة ‏الجمهورية في مواجهة العديد من ‏المكونات السياسية‎. ‎والعهد ينجح بتضامن اللبنانيين وحماية الاستقرار السياسي ‏والتكافل على اطلاق عجلة الانقاذ ‏الاقتصادي والمالي، والتوقف عن لغة الاستقواء والتهديد والوعيد في الصالونات ‏المقفلة وغير ‏المقفلة‎.‎ ‎العهد ينجح اذا لم تنزعوا عنه صفة، بي الكل وحامي الكل، والمسؤول عن كل اللبنانيين، شارك ‏يا معالي الوزير اذاً، في نجاح العهد‎”.‎

‎”‎القوات‎”‎

وقالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية”، انّ الخوف الوحيد على التسوية متأتٍ من الوزير باسيل الذي حوّل ‏الحياة السياسية إلى مواجهات متواصلة، وهذا ما يفسّر حالة النقمة الواسعة والعابرة للطوائف ضدّه، فهو بدلاً من ان ‏يكون في موقع انفتاحي وتواصلي مع الجميع يقوم بالمستحيل لتطويق هذا الطرف ومواجهة ذاك، وهذه السياسة بدأت ‏تنعكس سلباً على الاستقرار السياسي في ظل تراجع مخيف بثقة الناس، ولا مصلحة للعهد باستمرار هذا المناخ السلبي ‏الذي يجب وضع حد له تجنباً لتداعياته على أكثر من مستوى‎”.‎

ورأت المصادر، أنّ “موقف لبنان في الجامعة العربية يعبِّر تماماً عن الموقف الرسمي المطلوب”، وأكّدت أنّ “القرار ‏السيادي بيد الدولة وحدها، وممنوع على أي طرف وتحت أي ذريعة أن يهدّد أمن لبنان واللبنانيين”، وقالت، “يُخطئ ‏من يعتبر أنّ الأمور فالتة في لبنان على طريقة كل مين ايدو إلو”، وحذّرت من اي مغامرات تطيح بلبنان، وأسفت ‏لهذا الكلام الذي يهدّد موسم الاصطياف الواعد، في لحظة لبنان أحوج ما يكون فيها لكل بحصة يمكن أن تسند خابيته ‏الاقتصادية‎.‎

‎ ‎

الجيش ينتقد

ويُنتظر ان تنطلق اليوم اولى جلسات لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي لدرس مشروع الموازنة، بدءًا من ‏عرض فذلكتها في جلسة اليوم. وافادت معلومات سابقة للجلسة عن تحضير لتحرّك يقوم به المتقاعدون العسكريون ‏يواكب الجلسة، وتتخلله محاولة تقديم مذكرة بمطالبهم الى النواب‎.‎

وما لفت عشية بدء جلسات لجنة المال، انتقاد الجيش للموازنة، في موقف عبّر عنه قائد الجيش العماد جوزف عون، ‏اعتبر فيه أنّ ما أفرزته الموازنة حتى الآن، من منع التطويع بصفة جنود او تلامذة ضباط ومنع التسريح، يُنذر ‏بانعكاسات سلبية على المؤسسة العسكرية بدءاً من ضرب هيكليتها وهرميتها مروراً بالخلل في توازنات الترقيات‎”.‎

واشار عون، الى “سلوك متعمّد لتطويق المؤسسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وعسكرييها، ‏وهذه جريمة بحق الوطن”، وقال: “لن نستكين ولن نرضى المس بحقوق ضباطنا وجنودنا ولا بكرامتهم، ولن تثنينا ‏محاولات إضعاف المؤسسة من الضغط باتجاه استمرار المطالبة بحقوقنا‎”.‎

مسار طويل

وقالت مصادر لجنة المال لـ”الجمهورية”، “انّ مساراً طويلاً ينتظر دراسة مشروع الموازنة، خصوصاً انّ الاجواء ‏النيابية، وتحديداً من قِبل النواب الجدد الذين دخلوا عالم النيابة للمرة الاولى، توحي بحماسة للنقاش وطرح الافكار. ‏حتى ولو لم يكونوا اعضاء في لجنة المال والموازنة، اذ انّ من حق اي نائب ان يحضر جلسة لجنة المال، ولكن من ‏دون ان يحق له ان يصوّت. ما يعني انّ جلسات اللجنة ستكون موسعة، وحضورها النيابي سيكون كثيفاً‎”.‎

وأشارت المصادر، الى انّ الجعبة النيابية تحوي مجموعة من الاسئلة للحكومة، التي تسأل عن الاسباب التي تمنعها ‏حتى الآن من المبادرة الى تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء او للطيران المدني او لقطاع الاتصالات، وكذلك تعيين نواب ‏حاكمية مصرف لبنان الاربعة، وهو الامر الذي يضع الحكومة في خانة المتهمة بالتقاعس حيال هذا الامر، فضلاً عن ‏سائر التعيينات الملحة في وظائف الفئة الاولى، تضاف اليها اسئلة حول مصير المستحقات للمستشفيات والبالغة ‏‏1300 مليون دولار، والمستحقات للمقاولين والبالغة 400 مليون دولار، والمستحقات للضمان الاجتماعي البالغة ‏‏2100 مليون دولار، والمستحقات لمؤسسة ضمان الودائع 1100 مليون دولار. وكذلك المستحقات العائدة الى ‏البلديات. ولماذا لم يؤت على ذكرها في الموازنة؟

أين الالتزامات؟

على صعيد آخر، في موازاة التطمين الذي اطلقه السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه حول ان “سيدر” ليس في ‏خطر، وانه قد بُدئ تطبيقه، الا انّه لفت الانتباه الى انّ المجتمع الدولي انخرط لمساعدة لبنان بشرط أن يقوم بإصلاحات ‏بنيوية. ويجمع الخبراء الاقتصاديون على ان موضوع “سيدر” هو قرار سياسي لا اكثر، وانه لو كان امراً تقنياً، فلن ‏يحصل لبنان منه على قرش‎.‎

ويلفت هؤلاء، الى انه بحسب الاتفاق مع الجهات المموِّلة، فلبنان لم يتخطّ الشروط التي هو ألزم نفسه بها أمام الدول ‏الممولة، وعلى وجه الخصوص الشرط الاساس بإجراءات الإصلاحات المطلوبة ووقف الهدر. وعلى اساس هذه ‏الالتزامات تقرّر اعطاء لبنان 11 مليار دولار على شكل قروض ميّسرة وبفوائد متواضعة جداً‎.‎

ويلقي هؤلاء احتمالات سلبية بأنّ لبنان لن يحصل على ما يتمناه من هذا المؤتمر، إن ثبت انّ نسبة العجز اعلى بكثير ‏من النسبة المقدّرة بـ (7،56%)، خصوصاً انّ جهات دولية قالت انّ الموازنة التي انتهت اليها حكومة لبنان غير ‏مقنعة، وإن ثبت ايضاً انّ هناك اخلالاً ببعض الالتزامات التي قطعها لبنان على نفسه، ولاسيما لجهة تعيين الهيئات ‏الناظمة للاتصالات والطيران والكهرباء، وهو احد شروط الاساسية للتمويل. وبالتالي فإنّ الكرة ما زالت في ملعب ‏الحكومة اللبنانية، التي عليها ان تبادر الى اتخاذ الخطوات السريعة للايفاء بما التزمت به، ولا تكتفي بالقول انّها من ‏خلال اقرار الموازنة بالشكل الذي انتهت اليه قد وجّهت رسالة إيجابية الى المجتمع الدولي‎.

مصدرجريدة الجمهورية
المادة السابقةالفلك الدولي” يكشف توقعاته لموعد عيد الفطر حول العالم
المقالة القادمةمؤتمر الطاقة الإغترابية يُمهِّد لولادة «لوبي» لبناني