التغيّر المناخي يؤثر على جودة الإنترنت

توصلت دراسة علمية جديدة إلى أن تدفق البيانات الرقمية عبر شبكات الألياف البصرية حول العالم في خطر بسبب ظاهرة تغير المناخ. وبحسب الدراسة التي أجراها فريق بحثي من المركز الوطني لأبحاث المحيطات في المملكة المتحدة وجامعة وسط فلوريدا الأميركية، ونشرتها الدورية العلمية «إيرث ساينس ريفيوز» المتخصصة في علوم الأرض، فإن الاضطرابات التي تحدث في المحيطات وقرب الشواطئ بسبب أحوال الطقس المتطرفة تؤدي إلى تعرية «نقاط ساخنة» على امتداد الشبكة العالمية لكابلات الألياف البصرية.

وأظهرت الدراسة أن الأضرار التي تتعرض لها هذه الشبكات قد تكون هائلة بالنسبة للحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الربحية التي تعتمد عملياتها وأنشطتها بشكل كامل على التدفق الآمن للبيانات الرقمية.
ويقول الباحث توماس ويل، المتخصص في الهندسة البيئية والمدنية والإنشائية بجامعة وسط فلوريدا، وأحد المشاركين في إعداد الدراسة، إن «الدراسة التحليلية التي أجريناها تؤكد بشكل واضح الحاجة إلى التخطيط بحرص عند رسم مسارات كابلات الإنترنت، وكذا محطات الوصول إلى اليابسة بحسب المخاطر الموجودة في كل منطقة، وطريقة تأثر هذه الكابلات بالتغيرات المناخية».

وذكر الباحثون على سبيل المثال، أن اشتداد حدة الأعاصير الاستوائية في شمال المحيط الهادي يضغط على الكابلات البحرية الغاطسة قبالة سواحل تايوان. أما في المناطق القطبية التي تنطوي على أهمية استراتيجية بالغة، فقد أدى ذوبان الأنهار الجليدية والكتل الثلجية الطافية «إلى تغيرات عميقة في طبيعة بيئة المحيطات بشكل أسرع مقارنة بأجزاء أخرى كثيرة من العالم».

واستخلص الفريق البحثي هذه النتائج اعتماداً على دراسة البيانات المتاحة بشأن شبكات البنية التحتية الخاصة بكابلات الألياف الضوئية في قيعان البحار، ومدى تعرضها للتغيرات المناخية. وشارك في إعداد هذه الدراسة المركز الأميركي للأبحاث الجيولوجية وجامعة ساوث هامبتون البريطانية وجامعة فيكتوريا بالعاصمة النيوزيلندية ويلنغتون، وكذلك اللجنة الدولية لحماية الكابلات. وذكر الفريق البحثي في تقرير أورده الموقع الإلكتروني «أميركان ساينتفيك» المتخصص في الأبحاث العلمية: «لقد وجدنا أن أحوال المحيطات سوف تختلف على الأرجح على الصعيد العالمي بسبب تغير المناخ، ولكن التأثيرات والصلات بين التغير المناخي والظواهر الطبيعية من جهة، والأنشطة البشرية من جهة أخرى، تكون مركبة في كثير من الأحيان». وأضاف أعضاء الفريق أن مثل هذه المخاطر أو التأثيرات تزداد تعقيداً بسبب مشكلات مثل ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات، حيث إن هذه المشكلة تنطوي على مخاطر جسيمة، ويمكن أن تخلق تهديدات جديدة، بل ويمكن أن تنقل هذه التهديدات إلى بقاع أخرى على كوكب الأرض.

وفي الوقت ذاته، تستمر شبكات الألياف الضوئية في التوسع والانتشار حول العالم، فقد أظهرت بيانات شركة تليجيوغرافي البحثية المتخصصة في مجال الاتصالات، وجود شبكة هائلة من الكابلات تمتد عبر المحيطين الأطلسي والهادي من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا. كما تتصل القارات الأخرى في العالم مثل أفريقيا وأميركا الجنوبية بكابلات بحرية تربط الخطوط الأرضية على الشواطئ بواسطة الآلاف من نقاط الاتصال. ويقول الفريق في تقريره، إنه في حين أن الكوارث الطبيعية التي تدمر الكابلات البحرية أقل في عددها من الحوادث الناجمة عن الأنشطة البشرية، مثل الصيد بشباك الجر في الأعماق، أو الحوادث الناجمة عن مراسي السفن الضخمة، فإن حوادث انقطاع الكابلات بسبب المخاطر الطبيعية «يمكنها أن تدمر أنظمة شبكات عديدة عبر مساحات واسعة وبشكل متزامن، ما يؤدي إلى عزل أقاليم بأسرها عن خدمات الإنترنت».

وفي تصريحات للموقع الإلكتروني الكندي «أوبن كندا»، تؤكد نيكول ستاروسيلسكي أستاذة الإعلام والثقافة والاتصالات في جامعة نيويورك الأميركية ومؤلفة كتاب «شبكة تحت البحر»، أن شبكات الاتصالات البحرية في الوقت الحالي يتم مدها بمراعاة أكبر لمخاطر الكوارث الطبيعية، غير أن كثيراً من المحطات الأرضية التي تصل إليها الكابلات قبل الالتقاء بالشاطئ «شيدت قبل أن يلتفت المهندسون إلى مخاطر التغيرات المناخية».

وفي عام 2021، أصدرت اللجنة الدولية لحماية الكابلات، التي تضم مسؤولين حكوميين ومتخصصين في هذه الصناعة، وثيقة توضح «أفضل الممارسات» لحماية وزيادة مرونة شبكات الاتصالات البحرية، ومن بين توصياتها ضرورة تفريق ونشر البنية التحتية للكابلات، وتوفير خطوط متكررة واتخاذ إجراءات تعويضية لمواجهة الظروف المتطرفة. وكانت اللجنة قد أصدرت عام 2009، تقريراً بالاشتراك مع برنامج المناخ للأمم المتحدة، يحذر من أن ارتفاع منسوب مياه البحار يهدد بتآكل محطات الاتصالات على الشواطئ وغمرها بالمياه.

وأكد التقرير أن الأعاصير والزوابع والعواصف العاتية «لن تهاجم السواحل فحسب، بل سوف تؤثر أيضاً على استقرار الجروف القارية وقيعان البحار والمحيطات من خلال تحريك تيارات بحرية وأمواج»، موضحاً أن مثل هذه الأنشطة البحرية قد تعرض الكابلات للتآكل والتعطل، وتزيد من مخاطر الانهيارات الأرضية في الأعماق وتعكير المياه.
ويرى مايك كلير رئيس فريق الدراسة والباحث بالمركز الوطني لعلوم المحيطات، أنه من الضروري أن يقوم العلماء والمهندسون بتقييم المخاطر المحتملة التي يمكن أن تعطل عمل كابلات الألياف البصرية في ضوء التغيرات المناخية.

ويقول كلير في بيان صحافي، إن «اعتمادنا على كابلات لا تزيد في قطرها على قطر خرطوم ري الحديقة قد يأتي بمثابة مفاجأة بالنسبة للكثيرين الذين يظنون أن الأقمار الصناعية هي وسيلة الاتصال الرئيسية في عالم اليوم، ولكن الأقمار الصناعية ببساطة لا يمكنها توفير النطاقات الترددية الكافية لدعم الأنظمة الرقمية الحديثة… فالحوسبة السحابية في الحقيقة ليست في السماء… إنما هي في قاع البحر».

 

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةالتباطوء العالمي يهدد اقتصاد الصين
المقالة القادمةالرياض تستضيف «ملتقى السياحة السعودي»