الحكومات العربية تلاحق الطلب المتنامي على الكهرباء

تشكل انقطاعات الكهرباء لساعات، وخاصة في فصل الصيف الذي بات أشد حرارة جراء الاحتباس الحراري، هاجسا يؤرق العديد من الحكومات العربية، خاصة أن نسبة الطلب تزداد سنويا بنسب تصل أحيانا إلى ضعف المعدل الدولي.

وتركت التحولات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العقدين الماضيين ندوبا على مسألة توفير الكهرباء، حيث انتشر انقطاع التيار، مما زاد من نقمة السكان المحليين وفاقم من متاعب الصناعيين والمزارعين.

وتشير التقديرات إلى أن معدل نمو الطلب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتراوح بين 7 إلى 10 في المئة سنويا، مقارنة بخمسة في المئة كمعدل دولي.

لكن في المقابل، تمكنت دول عربية أخرى من تجاوز الأزمة عبر استثمار المليارات من الدولارات على مدى أعوام، والانتقال إلى مرحلة التصدير.

ولجأت دول أخرى إلى استيراد الكهرباء ومصادر الطاقة النظيفة لمواجهة العجز وإنهاء الانقطاعات، التي كان لها دور جوهري في وقوع احتجاجات عنيفة في عدد من الدول العربية مثل ليبيا ولبنان والعراق.

ومع ذلك، فإن معدل الحصول على الكهرباء في المنطقة العربية بلغ في 2020 نحو 90.3 في المئة بحسب إحصاءات البنك الدولي.

ومع ذلك تقول الشركة العربية للاستثمارات البترولية (ابيكورب) في تقرير أصدرته مؤخرا إن حجم الاستثمارات المخطط لها بقطاع الكهرباء في المنطقة تراجع بنحو 114 مليار دولار مقارنة بتوقعات 2019 /2023.

وتكاد الحياة المعاصرة لا تستقيم من دون كهرباء التي بها تتم إنارة المدن والمنازل والمكاتب وتوفير التبريد والتكييف للأغذية والأدوية وتشغيل المصانع، وشحن البطاريات بأنواعها، فضلا عن مجالات حيوية أخرى مثل الزراعة.

ورغم الأهمية الملحة للكهرباء، فإن دولا عربية تعاني انقطاعات طويلة تصل في اليمن إلى 18 ساعة، وفي لبنان من 12 إلى 18، وفي السودان من 10 إلى 12، وفق موقع “الطاقة” المتخصص.

أما في سوريا فتتراوح الانقطاعات من 8 إلى 10 وفي العراق من 6 إلى 12، وفي ليبيا من 4 إلى 6 ساعات في العام الماضي، والوضع في قطاع غزة ليس أحسن حالا، إذ تصل ساعات وصل الكهرباء إلى نحو 5 ساعات مقابل 12 ساعة قطع.

وحتى قطاع الأعمال يبدو متضررا فقد أظهرت تقارير دولية أن 49 في المئة من شركات المنطقة تعتبر الكهرباء عائقا رئيسيا أمام أنشطتها أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.

وثمة إدراك متزايد للمسؤولين الحكوميين بالمنطقة بأن دعم الطاقة يفاقم المشكلة ويجب تقليصه تدريجيا وفق برامج إصلاحية تخفف الضغط على الميزانيات العامة السنوية.

ومع تفجر الفوضى مطلع العقد الماضي كانت المنطقة تشكل ما يقرب من نصف الدعوم المقدمة للطاقة على مستوى العالم، أي بنحو 8.6 في المئة إجمالي الناتج المحلي للدول العربية ونحو 22 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي.

ولتغطية العجز لجأت دول إلى الاستيراد فقد رفع المغرب مشترياته من الكهرباء خلال يوليو الماضي بنحو 133 في المئة بمقارنة سنوية، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء بين 7 و8 في المئة سنويا.

وبحسب وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة أنا بلاسيو يستورد المغرب نحو 20 في المئة من احتياجاته للكهرباء من إسبانيا.

وبلغت واردات الكهرباء المغربية من إسبانيا في مايو الماضي نحو 23.5 ألف ميغاوات وفق موقع “هسبريس” المغربي.

وتعول الرباط على إنتاج 52 في المئة من الكهرباء من الطاقة الشمسية لتعويض العجز في الإنتاج، عبر استثمار 40 مليار دولار بين 2018 إلى 2030.

وثمة دول تحولت من العجز إلى التصدير فقد حققت مصر والجزائر وبدرجة أقل موريتانيا، قفزات مهمة في قطاع الكهرباء بعد أن عانت في سنوات سابقة من انقطاعات لساعات متفاوتة خاصة في الصيف، بل تحول بعضها إلى تصدير الطاقة لدول الجوار.

ولكن هذه النجاحات كلفت دول شمال أفريقيا استثمارات ضخمة بالمليارات من الدولارات، فالجزائر مثلا استثمرت 150 مليار دولار بين عامي 2000 و2017، في إنجاز محطات لتوليد الكهرباء، بحسب وزير الطاقة الأسبق مصطفى قيطوني.

وارتفع إنتاج الكهرباء بالبلد النفطي من 3.9 ألف ميغاواط في بداية هذه الألفية، إلى 18 ألف ميغاوات في شهر نوفمبر 2017، أي أن الإنتاج تضاعف قرابة خمس مرات في أقل من عقدين.

وشهدت البلاد صيف 2012 احتجاجات عنيفة بسبب انقطاع الكهرباء في عدة محافظات ولساعات طويلة، ما أدى إلى تحرك السلطات لضخ استثمارات كبيرة وحل الأزمة، خاصة أن الجزائر أكبر منتج ومصدر للغاز في أفريقيا.

وفي مصر التي عانت من انقطاعات للكهرباء لفترات طويلة منذ 2010 واشتدت في السنوات التي تلتها، تمكنت من تحقيق فائض في الكهرباء بلغ 13 ألف ميغاواط في يونيو 2020، بعدما وصل العجز إلى 6 آلاف ميغاواط في يونيو 2014.

وبحسب وزير الكهرباء محمد شاكر، الذي لم يطاله التعديل الحكومي الأخير، فقد استثمرت بلاده بين 2014 و2021 أكثر من 18.5 مليار دولار لتوليد الكهرباء.

وحققت مصر هذا الإنجاز خاصة بعد اكتشاف حقل الظهر للغاز الطبيعي في البحر المتوسط في 2015، وبداية الإنتاج في 2017، ما حوّلها من بلد مستورد للغاز إلى مصدر له، فضلا عن دوره في إنتاج الكهرباء بالبلاد.

أما الأردن الذي استورد من مصر في يوليو 2010 نحو مئتي ميغاواط، فأصبح اليوم من الدول المصدرة للكهرباء إلى الأراضي الفلسطينية، ويرغب في توسيع ذلك إلى لبنان والعراق، بالنظر إلى الفائض في الإنتاج الذي يحققه.

ويصل إنتاج الأردن إلى 4500 ميغاواط، بينما الاستهلاك لا يتجاوز 3300 ميغاواط، ويبلغ الفائض نحو 1200 ميغاواط.

وموريتانيا هي الأخرى حققت قفزة في إنتاج الكهرباء وتصديرها، فبعدما سجلت عجزا في الإنتاج بنحو 22 ميغاواط في 2009، حققت فائضا بواقع 380 ميغاواط في 2015، وفي نفس العام صدرت الكهرباء إلى جارتيها مالي والسنغال.

ورغم أن إنتاج الكهرباء يفوق الطلب بقرابة أربعة أضعاف، فإن موريتانيا مصنفة ضمن فئة البلدان الفقيرة والمثقلة بالديون في ما يتعلق بنسبة الحصول على الكهرباء، التي لا تتجاوز وفق البنك الدولي 47.3 في المئة، مقارنة بمصر وتونس والمغرب مئة في المئة، والجزائر 99.98 في المئة.

ومن المفارقات، أن بلدا يشهد حربا مدمرة مثل اليمن يحقق نهضة في استخدام الطاقات المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية، إذ أن نصف محطات توليد تعرضت لأضرار جزئية بينما دمرت 8 في المئة منها بشكل كامل.

فبحسب البنك الدولي، فإن 75 في المئة من المنازل في المدن اليمنية تستخدم الطاقة الشمسية، وتنزل هذه النسبة إلى 50 في المئة في المناطق الريفية، إلى غاية نوفمبر 2016.

وفي الصومال، الذي شهد انهيار شبكته الكهربائية منذ الحرب الأهلية في 1991، يعيش ثورة في قطاع الطاقات المتجددة، خاصة طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وتظهر البيانات الرسمية أن نحو 20 في المئة من الكهرباء المستخدمة في العاصمة مقديشو تأتي من الطاقة الشمسية، إذ شجع ارتفاع تكلفة الإنتاج من مصادر الطاقة الأحفورية (نفط وغاز وفحم) على الاستنجاد بالطاقة المتجددة.

وتكلفة الكهرباء في مقديشو أعلى ثلاثة أضعاف من السعر العالمي، لكن التوسع في استخدام الطاقات المتجددة ساهم في تخفيض الأسعار.

ويمتلك الصومال، الواقع في القرن الأفريقي، رياحا شاطئية ذات إمكانات عالية، تتفوق على 21 دولة أفريقية أخرى، وفق بنك التنمية الأفريقي.

وسرعة الرياح، التي تصل إلى 6 أمتار في الثانية، من الأعلى عالميا، ومن شأنها توليد كميات كبيرة من الكهرباء، و”تصديرها إلى دول الجوار”، وفق تصريح صحافي لمدير المكتب المكلف بجهود الطاقة المتجددة في الصومال أحمد دوبو.

ووفق موقع “هيران” المحلي، فإن الطاقات المتجددة يمكن أن تكون حلا لتسعة ملايين صومالي من أصل 15 مليون نسمة، يفتقدون إلى خدمات الكهرباء.

وفي جيبوتي، الدولة الصغيرة والهادئة المطلة على مضيق باب المندب، فتستورد جزءا من احتياجاتها من الكهرباء من إثيوبيا، وتغرق الكثير من قُراها في ظلام دامس، لقلة الإنتاج وحاجتها لاستيراد مصادر الطاقة الأحفورية.

وتعول البلاد على طاقة حرارة الأرض لإنتاج الكهرباء، خاصة أنها تقع في منطقة الوادي المتصدع. وأكدت الدراسات وجود “سوائل الحرارة الأرضية” قريبة من السطح، ما يسمح باستغلالها إذا توفرت الإمكانات المالية والتكنولوجية.

وتسعى جيبوتي لتكون أول دولة أفريقية تعتمد على الطاقات المستدامة بالكامل، خاصة وأنها لا تملك أي نوع من الطاقات الأحفورية.

أما دول الخليج، فرغم امتلاكها إمكانات كبيرة من الغاز والنفط، فإنها تخصص استثمارات مهمة للتحول نحو الطاقات النظيفة.

فالسعودية تنوي الاعتماد على الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء بنحو 60 في المئة من مجمل الطلب المحلي بحلول عام 2030، والإمارات 30 في المئة.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةأوبك تحذر من اختلال وشيك في إمدادات النفط عالميا
المقالة القادمةاتفاق الفيول العراقي: لا نيّة لبنانية للدفع وتنفيذ الالتزامات!