“الحياة” : وقائع من آخر اجتماع لإقرارها وتشديد على وحدة الموقف

 

وفي الاجتماع العشرين لمجلس الوزراء انتقل مشروع موازنة لبنان التي طال انتظارها إلى المجلس النيابي، لدراستها ‏وإصدارها بقانون، كي يتم الإنفاق على أساسها لنصف السنة الثاني، بعدما تقرر تمديد الإنفاق على ارقام موازنة ‏‏2018 لشهر إضافي هو حزيران (يونيو) المقبل بقانون من البرلمان أحيل مشروعه أمس أيضا‎.‎

‎ ‎ولم يمر إقرار الموازنة التي ترقبتها شرائح متعددة من اللبنانيين لمعرفة تأثير التقشف فيها على معيشتهم، ورصدتها ‏الدول المانحة والمدينة للبنان نظرا إلى اشتراطها الإصلاحات البنيوية في المال والاقتصاد، وفي عدد من المؤسسات، ‏ووقف الهدر والفساد لضمان حسن استخدام أموال مؤتمر “سيدر” الاستثمارية التي تقررت قبل أكثر من سنة في ‏باريس‎.‎

‎ ‎وعلمت “الحياة” أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي انعقدت الجلسة برئاسته بادر الوزراء إلى القول ‏‏”اشتقنالكم بعد غياب شهر” (كانت الموازنة تدرس خلال 19 جلسة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري)، ودعا الى ‏مقاربتها من منظار اقتصادي وليس سياسي‎.‎

‎ ‎ومن الملاحظات التي عرضها عون حول مشروع الموازنة، معتبرا أنها تحتاج إلى تعديل ما نصت عليه لجهة الحد ‏من تسريح الموظفين في وقت مبكر، وتكليف المتقاعدين بدفع ضرائب أكثر من الذين في الخدمة. وطالب باعداد ‏مشروع موازنة العام 2020 كي تحال الى مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية‎.‎

‎ ‎وطلب الحريري من وزير المال علي حسن خليل أن يقدّم عرضاً بما آل اليه مشروع الموازنة، فاعتبر الأخير أن ‏الأساس في مناقشة موازنة 2020 هو ما توصلت إليه الموازنة الحالية، وأن فذلكتها تشير إلى ذلك‎.‎

‎ ‎وقال مصدر وزاري ل”الحياة” إن خليل شدد على وجوب ذهاب الحكومة بعد نقاشات جدية ومطولة قدم خلالها جميع ‏الوزراء اقتراحات فأدخلت تعديلات على المشروع، بموقف موحد إلى البرلمان، موضحا أن النفقات باتت 23 ألف ‏و340 بليون ليرة وأن الواردات صارت 19 ألف و16 بليون ليرة، وبات العجز 7.59 في المئة من الناتج المحلي، ‏إثر إضافة 2500 بليون ليرة هي عجز قطاع الكهرباء، بعد أن كان 8.7 في المئة عند عرض المشروع‎.‎

وأشار خليل حسب قول المصدر الوزاري ل”الحياة” إلى أن قطع الحساب مع السنة المالية السابقة الذدي سيثار في ‏المجلس النيابي أرسل إلى ديوان المحاسبة، آملا أن ينهيها لإرسالها إلى البرلمان كي تتم مناقشته بالتزامن مع بحث ‏الموازنة‎.‎

‎ ‎وذكرت مصادر وزارية ل”الحياة” أن النقاش الذي أعقب عرض الوزير خليل تشعب فاعتبر وزير الخارجية جبران ‏باسيل أنه على رغم أن الطموح كان أكثر من المشروع المعروض فإن جهدا غير مسبوق قد بذل في المناقشات، مشيرا ‏إلى إبلاغ وزير الاتصالات مجلس الوزراء في آخر جلسة مفاجأة خفض إيراداتها زهاء 150 بليون ليرة. وقال أن ‏بعض الوزراء التزم خفض نفقات وزارته والبعض الآخر لم يفعل. ورأى أن المداخيل من الجمارك يجب أن تكون ‏أعلى ووزير الدفاع (الياس بو صعب) من كتلتنا ويجب أن نتشدد في منع التهريب من المعابر غير الشرعية. وأشار ‏إلى أن التوفير من طريقة تطبيق التدبير الرقم 3 (آثار استنفار القوات المسلحة على الإنفاق) تُرك للمعالجة برئاسة ‏رئيس الجمهورية. وأمل ألا يتم التعديل في الأرقام في البرلمان‎.‎

‎ ‎وتبعه نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني معتبرا أنه حصل إنجاز جيد استغرق وقتا طويلا لم يعد يجوز أن يستمر ‏مع ضرورة التوجه إلى البرلمان لإقرار الموازنة، وأعرب عن خشيته من ألا يرتفع الناتج المحلي بقدر الآمال حتى ‏تبقى نسبة العجز منخفضة. وكرر حاصباني التحفظات التي كان وزراء حزب “القوات اللبنانية” أثاروها في الجلسة ‏الأخيرة، عن ضرورة رفع مداخيل وزارة الاتصالات، داعيا إلى خصخصته معتبرا أن في الإمكان زيادة تحويلات ‏المرافئ ولا سيما مرفأ بيروت لصالح الخزينة والذي اقترح أيضا خصخصته، والتشدد في جباية الغرامات على ‏مخالفات الأملاك البحرية، داعيا إلى قرارات من الحكومة بضبط المعابر غير الشرعية من الجيش والطلب من شركات ‏التدقيق بفواتير الاستيراد من المنشأ (لوقف التلاعب بالرسوم الجمركية) وضرورة تكليف شركات خاصة الكشف عبر ‏السكانر على الحاويات التي يتم التلاعب بمحتوياتها لخفض رسومها‎.‎

‎ ‎كما انتقد حاصباني تخصيص اعتمادات لصندوق المهجرين في اللحظة الأخيرة، قبل وجود دراسة حول كيفية إنفاقها، ‏وطالب بالبت في مصير عدد من المؤسسات العامة وتشركتها مع القطاع الخاص‎.‎

‎ ‎وتمنى حاصباني على وزارة المال أن تضع جردة كاملة بكافة المتوجبات المالية على الخزينة والتي لا تذكر في ‏الموازنة‎.‎

‎ ‎أما وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان فتطرق إلى الموازنة من زاوية دورها في تقليص الفوارق بين ‏اللبنايين، منطلقا مما تقدمه وزارته من مساعدات ل240 ألف لبناني من الأكثر فقرا معظمها من المساعدات الأوروبية، ‏متمنيا إعادة ال3 بلايين ليرة التي حسمت من موازنة وزارته، مشيرا إلى 50 ألف لديهم بطاقة تغذية، بينما هناك 104 ‏آلاف معوق، و350 ألف مواطن يستفيدون من دعم الخدمة الصحية، وسط صعوبة تأمينها من المستشفيات الحكومية‎.‎

‎ ‎وأوضحت المصادر الوزارية ل”الحياة” أن قيومجيان نبه إلى أن جمعيات تهتم بالمعوقين تتجه للإقفال لعدم القدرة ‏على تقديم المساعدات لها.كما كرر ما طالب به حاصباني من خطة لإقفال ملف المهجرين والوزارة بعد تخصيص ‏ال40 بليون ليرة لها، تطبيقا لمبدأ الشفافية‎.‎

‎ ‎لكن وزير المهجرين غسان عطا الله أكد أن وزارته وضعت خطة لإقفال ملف المهجرين من دون استنسابية، وكلفتها ‏أقل من السابق ب60 في المئة، من أجل إقفال الوزارة. وانتقد الاعتراض على تخصيص مبلغ للملف في وقت طرحت ‏مبالغ لوزارات أخرى لم يطلب أحد تفاصيلها رافضا حسم نسبة من موازنة وزارته، داعيا إلى مقاربة مهمتها من زاوية ‏إنسانية. ولفت إلى أن عودة مت تبقى من مهجرين إلى قراهم لإعمار أبنيتها، يساهم في الدورة الاقتصادية، وإلى أنه ‏مستعد لعرض خطته.

وأشارت المصادر الوزارية إلى أن وزير الشباب والرياضة محمد فنيش(حزب الله) لاحظ أنها المرة الأولى التي يجري ‏فيها نقاش حول الموازنة بهذه الطريقة داعيا إلى عدم التقليل من النتيجة الإيجابية التي توصلنا إليها. وطالب بالانضباط ‏في تطبيق الموازنة وبموقف موحد لانعكاس ذلك على الأسواق المالية. ومع إشارته إلى أنه كان يتمنى أن تتم دراسة ‏أفضل لبند الزيادة 2 في المئة على البضائع المستوردة وملاحظاته حوب نقاط أخرى، أكد التزام حزبه بالموازنة. وعن ‏الإيرادات من وزارة الاتصالات اعتبر أن هناك إمكانية زيادة حصة الخزينة من هذا القطاع بدل خفضها. ودعا إلى ‏إعادة هيكلة الإدارة وتحديد الوصيف الوظيفي‎.‎

‎ورد وزير الاتصالات محمد شقير على الملاحظات حول انخفاض مداخيل وزارته بالقول إن الدخل من هذا القطاع ‏تراجع في كل دول العالم، لأن الناس تجري اتصالاتها الدولية عبر خدمة “واتسأب”. وأشار إلى أن الخيار هو بين ‏قطع الواتسأب، وبين وضع رسم ألف ليرة على هذه الخدمة، وإلى أن الوزارة حافظت على مدخول 1754 مليار ليرة ‏على رغم تقلص إيرادات القطاع‎.‎

‎ وأبدى وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس استعداد وزارته لزيادة الغرامات على الأملاك البحرية، متمنيا لو ‏يرفع وزراء “القوات اللبنانية” تحفظهم في هذا الموضوع. وقال أن الخزينة تحصل على أكثر من 50 في المئة من ‏عائدات مرفأ بيروت‎.‎

‎وشرح وزير الاقتصاد منصور بطيش أنه اقترح استخدام جزء من مدخول رسم ال2 في المئة على البضائع المستوردة ‏في دعم القطاعات الإنتاجية في موازنة العام المقبل. ودعا إلى وضع خطة للنقل العام. كما دعا للإفادة من أملاك الدولة ‏لتوفير الإيجارات التي تدفعها الخزينة، وإلى إصلاح النظام الضريبي‎.‎

‎ ‎وتدخل الرئيس عون قائلا إن هذه الموازنة كان يمكن أن تكون أفضل، مشيرا إلى خفض رواتب النواب، بعد أن جرى ‏خفض تعويضات النواب السابقين، داعيا إلى مناقشة خفض رواتب النواب والرؤساء ، إذ لا يمكن أن نخفض موازنة ‏الشؤون الاجتماعية من دون أن يسري ذلك علينا نحن‎.‎

‎ ‎وجرى نقاش بين الوزير بوصعب و وبين الحضور حول ماورد في الموازنة في شأن تأخير سن التفاعد لكبار ضباط ‏الجيش، مشيرا إلىى تأثير ذلك على الهرمية في الجيش، لصعوبة ترقية من يليهم من الضباط. وشارك في النقاش ‏الرئيس عون، الذي أنهاه بالقول إن المجلس الأعلى للدفاع سيدرس الأمر‎.‎

وختمت الجلسة على التأكيد من الوزير خليل والرئيسين عون والحريري على أهمية احتفاظ الحكومة بموقف موحد ‏خلال جلسات البرلمان لمناقشة الموازنة‎.‎

‎ ‎وبعد الجلسة، قال الوزير خليل مناقشة المزازنة بهذا الشكل أمر غير مسبوق في مناقشة الموازنات ومقاربة كل الملف ‏الاقتصادي والمالي، استجابة للتحديات الكبيرة التي يعاني منها البلد على صعيد المال، والاقتصاد، والمؤسسات. ‏وجاءت هذه الموازنة ونقاشها في ظرف اقتصادي ومالي ضاغط جداً، بعدما مررنا في العام 2018 بظروف استثنائية، ‏من تأخير تشكيل الحكومة بعد اجراء الانتخابات النيابية، وضغوطات مختلفة، وأزمات المنطقة وفي سياق مالي ‏متضخم‎.‎

‎ واضاف: “ان نسبة 35 % من الموازنة تذهب الى الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد، و35 % خدمة دين ‏عام، و11% عجز كهرباء، وما يقارب 9 % انفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة. من هنا كان التركيز على ‏معالجة كل النقاط الاساسية في هذه الموازنة. تم بحث موضوع خدمة الدين العام، واعادة النظر في مخصصات اضافية ‏وتعويضات غير مبررة‎.‎

‎ ‎ووصف النتائج بأنها تحول استثنائي مهم جداً

‎ ‎

وأوضح أننا بنينا هذا الامر على نسبة نمو محدودة تبلغ 1.2 % للناتج المحلي، ليصل الى ما يقارب 90 الف مليار ( ‏‏89935 مليار). وبالتالي انا اتوقع، ان اي عنصر ايجابي يطرأ على الوضع العام، يمكن ان يساهم في الحفاظ على هذا ‏الرقم، أو يحسنه. وفي الوقت نفسه، نحن نرسل رسالة واضحة الى المجتمع الدولي، وكل الصناديق الملتزمة بالوقوف ‏الى جانب لبنان، بأننا جديون في هذا المجال وبالتالي سيترجم هذا الامر بضخ واطلاق مشاريع استثمارية جديدة ‏سيكون لها اثر كبير على تحريك عجلة الاقتصاد‎.‎

‎ ‎وقال إن الموازنة أقرت من دون أي اعتراض عليها‎.

مصدرجريدة الحياة
المادة السابقةالموازنة إلى المجلس بتحفظات من أهلها‎ !‎
المقالة القادمةرسوم بطعم “القيمة المضافة”… وتجميد التقاعد والتوظيف: موازنة الترقيع!