الموازنة إلى المجلس بتحفظات من أهلها‎ !‎

 

لم تشكل الجلسات العشرون لمجلس الوزراء رقماً قياسياً ومؤشراً استثنائياً غير مسبوق في تاريخ اقرار الموازنات في ‏لبنان فحسب، بل جاءت مسارعة الامم المتحدة بلسان ممثلها في بيروت الى الترحيب باقرارها دلالة اضافية على ‏الطابع الاستثنائي الذي اكتسبته. فان يحتاج العبور من مجلس الوزراء الى مجلس النواب الى 20 جلسة وبموازنة لن ‏يبقى من مفاعيلها التنفيذية سوى ستة أشهر اذا اكتفى مجلس النواب ولجانه بشهر واحد للافراج النهائي عنها، فان ذلك ‏يعكس عمق الازمة الاقتصادية والمالية التي تتخبط فيها البلاد والتي احتاجت الى جراحة سياسية بالغة التعقيد على يد ‏قابلة حكومية وسياسية مشكوك جداً في اهليتها لتولي العملية الانقاذية وهي أقرب الى تركيبة مصالح سياسية متناقضة ‏ومتضاربة لا يجمعها سوى الخوف من انهيار كان ليصبح أمراً واقعاً مرعباً بين ليلة وضحاها لو لم يستدرك الجميع ‏الخطر من خلال الانخراط في وضع موازنة تراجع العجز فيها رسمياً وعلى نحو نهائي الى 7,59 في المئة‎.‎

‎وبينما تبدأ الآن رحلة التشريع الاخيرة للموازنة بعد احالتها على مجلس النواب اعتبرت الحكومة بلسان وزير المال ‏علي حسن خليل “اننا بالمجمل امام تحول استثنائي مهم جداً وأساسي على صعيد تخفيض النفقات، وزيادة الواردات ‏والمواد الاضافية في الموازنة التي تؤسس لمعالجة بعض من الخلل في الوضعين الاقتصادي والمالي، وتؤسس ايضا ‏لموازنة في العامين 2020 و 2021 تكمل ما بدأنا به. لذا علينا ان ننظر الى هذه الموازنة في السياق الذي بدأنا به، ‏بالتحضير لموازنة العامين المقبلين”. وأوضح “ان الانفاق في هذه الموازنة وصل الى 23340 مليار ليرة لبنانية، ‏نضيف اليه 2500 مليار سلفة لدعم كهرباء لبنان. في المقابل لدينا واردات تبلغ 19016 مليار ليرة، بزيادة أيضاً عما ‏كان مقرراً سابقاً، فتصبح نسبة العجز بالمقارنة مع الناتج المحلي 7.59 %، وهو رقم مرض جداً يعبر عن التزام ‏حقيقي حصل في النقاشات خلال الاسابيع الماضية، ويعكس ايضا ارادة حقيقية عند الحكومة بأن تسير على طريق ‏تصحيح الوضع المالي‎”.‎

‎ ‎ومن اللحظة الاولى لبدء الجلسة في قصر بعبدا أمس اعطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الضوء الأخضر ‏لمرورها السريع، بتأكيده “أهمية إنجازها واحترام كل القوانين بالتعاطي معها بنظرة اقتصادية وليس من منطلق ‏سياسي كي نتمكن من مواجهة العجز الذي يطاول كل القطاعات‎ “.‎

‎ وبعدما أدلى ببعض الملاحظات على بنودها، دعا “لمباشرة اعداد مشروع موازنة 2020‏‎ “.‎

وقال رئيس الوزراء سعد الحريري بدوره إن “هذه الجلسة يجب أن تكون للقراءة النهائية وللتصديق على الموازنة و ‏ليس لإعادة النظر في النقاط التي تم إقرارها‎”.‎

‎ وبأسرع ما يمكن قدم الوزراء ملاحظاتهم الاخيرة التي سلٌمت بالجملة بإقرار الموازنة، وسجلت بالمفرق ملاحظات أو ‏اعتراضات على بعض نقاطها‎.‎

“‎القوات‎”‎

‎ ‎وقدم نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني مداخلة باسم “القوات اللبنانية” ايٌد فيها اقرار الموازنة والإصلاحات التي ‏ادخلت عليها، الا انه سجل تحفظاً عن بعض النقاط، وقال: “نحن مع ان تمضي الموازنة لتناقش في مجلس النواب ‏وتحفظنا عن بعض النقاط لعدم الخوض بالتفاصيل وتأخيرها. بعد 19 جلسة خفضنا 1,3 % من الموازنة التي ‏اقترحها وزير المال ولَم يبلغ العجز فعلياً 7,5% من الناتج، وهناك ارقام يمكن ان تكون أفضل. هناك اجراءات ‏وخطوات علينا ان نلتزمها كحكومة لتنفيذها فوراً والا لن ننجح في تحقيق إصلاحات بنيوية كبرى مطلوبة في قطاع ‏الاتصالات والمرفأ والمؤسسات العامة يجب ان نبدأ بها بأسرع وقت. وقال : “نتحفظ حول الارقام العامة في الموازنة ‏ونسبة العجز بحيث لم يتحقق الهدف المرتجى خاصة بما يتعلق بالنقاط التي طرحناها سابقاً: تحويلات مرفأ بيروت‎.‎

‎ ‎تحويلات قطاع الاتصالات

‎ ‎زيادة على التحصيل الجمركي والضريبي والأملاك البحرية

‎ ‎تخفيض إضافي في النفقات ( في الصناديق المتعددة)، كان يمكن ان توزع على مبالغ معقولة لتصل الى مجموع ‏يخفض العجز الى 7,5%، مع تحفظنا عن التوقعات حول نسبة النمو التي تبنى عليها قيمة العجز‏‎”.‎

‎ ‎ووصف وزير الخارجية جبران باسيل الرقم الذي تم التوصل إليه لخفض عجز الموازنة بأنه جيد، وتحدث عما بذل ‏من جهد غير مسبوق لدراسة الموازنة. لكنه سجٌل مأخذاً على إنخفاض واردات الاتصالات، وعلى تخصيص مبلغ ‏ضئيل وغير كاف لوزارة المهجرين‎.‎

‎ ‎الاشتراكي

‎ ‎وبدورهم أصر وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي على رفع التخمينات على الأملاك البحرية اذ أن كل المبررات التي ‏قدمت في الجلسات السابقة لم تكن مقنعة، وأكدوا المطلب

القاضي باعادة النظر في قانون البرامج البالغ قيمته 193 ‏مليار ليرة،والذي رأوا فيه اتفاقاً سياسياً أكثر مما هو انفاق إنمائي‎.‎

‎ ‎كما سجل وزراء الاشتراكي اعتراضاً على عدم خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب متسائلين كيف نطلب ‏التقشف من الناس ولا نساهم فيه كسياسيين. كما اعترضوا على خفض المساعدات للاسر الاكثر فقراً. واشادوا بخفض ‏العجز إلّا انهم رأوا انه غير كاف: وشبه الوزير وائل ابو فاعور هذه النتيجة “بالفاكهة المتدلية لجهة عدم ذهابها الى ‏اتجاهات اصلاحية‎”.‎

‎ ‎”‎لبنان القوي‎”‎

‎ ‎وقالت مصادر “تكتل لبنان القوي”، انه كانت للتكتل رغم الموافقة على موازنة 2019، تحفظات كثيرة، “لكن في ‏النهاية نعتبر اننا وصلنا الى الحد الأدنى المقبول وأسسنا لمناقشة موازنة 2020 على أسس جديدة. ففي موضوع ‏وزارة الاتصالات، نعتبر انه يوجد انحدار للموارد وزيادة للإنفاق وهذا ما تحفظنا عنه اذ ان الامر غير مبرر. وفي ‏وزارة للمهجرين، “تكتل لبنان القوي” الوحيد من بين كل الوزارات يملك خطة متكاملة لإقفال الوزارة وستعرض ‏قريباً على مجلس الوزراء‎”.‎

‎ ‎

كذلك كان للتكتل تحفظ كبير عن المساهمات للجمعيات لأن الموازنة الحالية ما زالت تقدّم مساعد ات لجمعيات غير ‏مبرر الإنفاق عليها‎.‎

‎ ‎وأشارت مصادر التكتل الى ان وزراءها طرحوا سؤالاً أساسياً وطالبوا به، هو أين قطع الحساب؟ كما وضع التكتل ‏شرطاً مهماً وأساسياً على الحكومة بأن عليها ان تستقيل اذا لم تتمكن من ان تقفل المعابر غير الشرعية‎.‎

‎ ‎وطرح وزير الاقتصاد منصور بطيش في معرض مطالبته ببناء تصور حول الاقتصاد لتحويل الانفاق غير المنتج الى ‏استثمار داعم للنمو الحقيقي ثلاث نقاط أولاها انشاء نظام نقل عام يخفف فاتورة استيراد الوقود كما يخفف زحمة السير ‏والتلوث البيئي، رفع الواردات من خلال مكافحة التهرب الضريبي، اصلاح النظام الضريبي وجعله اكثر كفاءة وعدالة ‏ولا سيما لجهة استبدال الضرائب المتعددة بالضريبة الموحدة‎.‎

‎ ‎لكن مصادر سياسية مواكبة لجلسات الموازنة ومعارضة لنهج وزراء “التيار الوطني الحر” اعتبرت في خلاصتها ان ‏الجلسات الحكومية “شهدت تضعضعاً لدى وزراء “التيار” الذين حاولوا ان يسوّقوا أعلامياً امتلاكهم رؤية اقتصادية ‏متكاملة ودورهم الكبير في إعداد الموازنة، بيد أنَّ الواقع الذي استحكم في النقاشات اظهر أنَّ وزراء “التيار” كانوا في ‏معظم الجلسات في موقع المتفرّج والمستمع الى اقتراحات وزارة المال وغيرها، كما أنَّ “الرؤية” التي سوّقها الوزير ‏باسيل لا تعدو كونها ورقة من مجموعة نقاط تمّ جمعها من مصادر مختلفة ومن اقتراحات سابقة لأفرقاء آخرين، فظهر ‏انعدام الترابط بين مقاطعها‎”.‎

‎ ‎وقالت هذه المصادر إنه “من أخطر الأمور التي عصفت بجلسات الموازنة، الاستهتار الذي أبداه بعض الوزراء في ‏الجلسة الإخيرة أثناء طرح بند تمويل وزراة المهجرين بـ40 مليار ليرة لبنانية دون أيّ خطة تُذكر بحيثُ تمّ إدراجه في ‏الموازنة في الدقيقة الأخيرة اضافة الى خفض في عائدات الاتصالات، وسط استعجال رئيس الوزراء للانصراف ‏لارتباطه بموعد، كما تعمّد وزراء “التيار” لإثارة البلبلة تغطية لتمرير البند‎”.‎

‎ ‎ومساء أمس أفيد ان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقعا مرسوماً يجيز للحكومة الصرف على القاعدة الاثني ‏عشرية حتى آخر حزيران‎.‎

‎ ‎ورحب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش “بموافقة الحكومة على مشروع موازنة العام 2019 وأمل ‏أن يتم اقرارها في مجلس النواب في أسرع وقت بعد مراجعة شاملة ومعمقة”. وقال: “إن إقرار موازنة العام 2019 ‏يتيح الفرصة لاتخاذ تدابير أولية لخفض العجز. كما انها فرصة للبدء بإدخال الإصلاحات اللازمة بطريقة مستدامة ‏سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كجزء من الجهد الاوسع نحو تنشيط الحكم الرشيد والمحاسبة والاستثمار وخلق فرص ‏عمل‎”.‎

‎ ‎سلامة

‎ ‎وأكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من بعبدا، مجدداً “استقرار الليرة وكذلك السوق المصرفية حيث الاوضاع ‏تحت السيطرة”، قائلاً “إن المصرف المركزي حريص على مواكبة الجهود المبذولة حالياً، مع التركيز على احترام ‏القوانين اللبنانية والقواعد المالية العالمية التي لا تسمح بأي مبادرة الزامية على المصارف، وتترك مثل هذه الامور في ‏الحدود القانونية”. وخلص الى أن مشروع موازنة 2019 وخصوصاً لجهة الخفض الذي سجل فيه، “يخدم الاهداف ‏التي حددتها الحكومة”، و”ان الاصلاحات الواردة في الموازنة وانطلاق تنفيذ خطة الكهرباء، كل ذلك يعطي اشارات ‏ايجابية للاسواق‎”.‎

مصدرجريدة النهار
المادة السابقةحاولوا التسلل إلى إسبانيا بطريقة جهنمية.. وفشلوا
المقالة القادمة“الحياة” : وقائع من آخر اجتماع لإقرارها وتشديد على وحدة الموقف