الخبير باز: لا مفرّ من طلب مساعدة مالية دولية

حاضر الخبير الإقتصادي والمالي فريدي باز حول «الأزمة النقدية في لبنان من نقطة الإنعطاف الى النقطة الحاسمة»، في جامعة القديس يوسف، بدعوة من كلية العلوم الإقتصادية، في حضور حشد من الاساتذة ومسؤولي الجامعة والطلاب ومهتمين.
قال باز، انّ «هناك ثلاثة اجيال من الأزمات النقدية التي يمكن ان يمرّ فيها بلد مثل لبنان يتميّز باقتصاد صغير ومنفتح على الخارج، ونحن في الجيل الثالث وهو الأكثر جدّية. لكن هذه الازمة ليست تلقائية ولا مستقلة بل متدرجة. إذ بدأت مع الجيل الأول في سياق عدم اخذ اي اجراء استباقي من قِبل السلطات المعنية، ما ادّى الى تطورها الى المرحلة الثانية التي تمتاز بفقدان تام للثقة. وعندما نصل الى المرحلة الثالثة تكون التوأمة قد حصلت بين مشكلات الإقتصاد الحقيقي وازمة المالية العامة وازمة المدفوعات الخارجية وازمة السيولة المصرفية. ويمكن ان نتخيّل مدى خطورة هذا الخليط المتفجّر».

أضاف: «من البديهي ملاحظة أنّ هكذا ازمات حصلت ويمكن ان تحصل في العديد من البلدان. الخبرة الإحصائية تشير إلى انّ البلدان التي حصلت فيها هكذا ازمات تكون امام تشوّهات كبيرة في الإقتصاد وتداعياتها الإجتماعية والمالية والمصرفية كبيرة. لكن من المتوقع ان تكون الأزمة اكثر حدّة في لبنان لأنّها تحصل في سياق اقتطاع وتضخم ومعدّل بطالة قارب الـ40% وتوزيع غير عادل للدخل وبنية تحتية ضعيفة والتقديمات الإجتماعية معدومة تقريباً».

وتابع: «كما انّ الأزمات النقدية غير مستقلة. فهي لا تنشأ من فراغ، بل هي تعبير عن أزمة بنيوية اكبر بكثير. في مروحة الأزمات الإقتصادية هناك ما له علاقة بالإنتاج، او الإستهلاك، او المالية العامة او المدفوعات الخارجية، لكنها تُترجم في شكل واحد، أي قيمة النقد. الأزمة البنيوية الناتجة من سياسات سيئة أوصلتنا الى هذه الأزمة النقدية الحادّة. منذ سنة 1992 شرعنا ببناء اقتصاد منحرف ومختل، أخذ ينتج ديناً داخلياً وخارجياً. اقتصاد استهلاك واستيراد وليس انتاجاً، اي أنّ الإستهلاك على مدى 27 سنة شغل 88% من الناتج، اي اكثر من قدرتنا على الإنتاج، وبالتالي خلقنا تبعية للخارج. مقابل ذلك ماذا انتجنا؟ اقتصاد خدمات ذو انتاجية متدنية جداً واستهلاكه لليد العاملة الماهرة قليل».

وأردف: «هذا النموذج الإقتصادي المختل يقابله مالية عامة ليست ايضاً بأفضل احوالها. فالإدارة غارقة بالفساد والهدر وجباية الضرائب غير فاعلة، إذ هناك دائماً 10% فرق بين ما تحصّله الدولة وما يُفترض بها ان تحصّله. اما على صعيد الإنفاق فنرى ان 72% من قيمته على مدى 27 سنة، كانت تصرف على الاجور وخدمة الدين والتحاويل الى شركة كهرباء لبنان، فلم يبق شيء للإنفاق الإستثماري على بنية تحتية تعزّز تنافسية الإقتصاد اللبناني. لذلك اصبحنا نرى عجزاً متكرّراً للموازنة، تُرجم بخلق مديونية متعاظمة وصلت الى مستويات لا يستطيع الإقتصاد السيطرة عليها. لذلك، نواجه اليوم صدمات من دون امكانية مواجهتها بموازنة مرنة تحفّز الإقتصاد. اقتصاد الإستهلاك هذا، والذي لم يكن موجوداً قبل الحرب الأهلية، إذ كانت صادراتنا تمثل 65% من الواردات، أخلّ بميزاننا الغذائي الذي هو مؤشر مهم الى مدى استقلالنا وسيادتنا».

وبالعودة الى موضوع الأجيال المتعاقبة للأزمات النقدية، أشار باز الى أنّ «الجيل الأول بدأ في أيار 2016 لأنّ في هذا التاريخ اطلق البنك المركزي هندساته المالية مما شكّل مؤشراً الى الصعوبات المالية. لكن قبل ذلك في العام 2011 مع الحرب في سوريا والتشنجات الإقليمية في ظل انخفاض سعر البترول، تراجعت التحويلات المالية الى المنطقة ومن ضمنها لبنان، وصولاً الى شبه توقفها مع تحويل 3 مليارات دولار فقط الى لبنان في اول 7 أشهر من عام 2019. وادّى ذلك الى عجز تراكمي في ميزان المدفوعات وصل الى 18 ملياراً. في نفس السياق تفاقم العجز في المالية العامة، أي نمو نسبة الإنفاق اسرع من نسبة نمو الإيرادات، وحقق لبنان عجزاً بالميزانية قارب 37 مليار دولار. كما أنّ سياسة تثبيت سعر صرف الليرة خلقت منذ اطلاقها سنة 1997 وحشاً هو كناية عن موجودات في البنوك هي اكبر 4 مرات من حجم الإقتصاد، وهو ما ليس موجوداً لا في هونغ كونغ ولا في سنغافورة. وخلق ذلك دولرة للاقتصاد».

وذكر باز أنّ هناك «ثلاثة تحدّيات كبرى للاقتصاد الكلي يواجهها لبنان الآن، هي: الدين العام غير المستدام الديناميكي على خلفية النمو السلبي، وارتفاع أسعار الفائدة وإدارة فاسدة وغير فعّالة، دين ديناميكي خارجي لا يمكن تحمّله بسبب التوقف المفاجئ تقريباً لتدفقات رأس المال، وهي عملة تقدّر قيمتها بنسبة 50% (وفقاً لصندوق النقد الدولي) ومخاطر هائلة لإعادة التمويل والتآكل السريع لاحتياطيات النقد الأجنبي في المصرف المركزي».

وحذّر من أنّ «تأثير الهبوط الصعب أمر مكلف للغاية، على مستوى الركود العميق في الناتج المحلي الإجمالي، وإعادة الهيكلة المعقّدة للديون، وإعادة الرسملة الحتمية للبنوك وخطر حقيقي من ثقب الودائع»، موضحا أنّه «مهما كان خيار الخروج من الأزمة، فإن لبنان سيتعيّن عليه طلب مساعدة مالية دولية لا مفرّ منها، أكان من صندوق النقد الدولي او من مجموعة أصدقاء لبنان أو من مجلس التعاون الخليجي وغيرها، والمتطلبات ستكون هي نفسها تقريباً:

– تنفيذ الإصلاحات الهيكلية في غضون 12 شهراً كحد أقصى
– إعادة ضبط السياسات النقدية والمصرفية لاحتواء مشكلات الملاءة المحتملة.

– تحديد أهداف العجز والديون بحد أقصى 100% على مدى 5 سنوات (6& النمو الحقيقي و6% قاعدة الفائض الأولي)
– إضفاء الطابع الرسمي على ضوابط رأس المال وتكون شفافة تماماً مع المودعين والدائنين.

– التخفيض الفوري للواردات بنسبة 30 إلى 40% (استناداً إلى تجارب من بلدان مماثلة).
– استكشف مع صندوق النقد الدولي أسئلة تقييم سعر الصرف الحقيقي.

– خطط لإعادة هيكلة لطيفة للديون الخارجية بما يتوافق مع احتياجاتنا من السيولة قصيرة الأجل بالعملات الأجنبية.
– تعزيز امتصاص الصدمات الاجتماعية، وخصوصاً على مستوى أفقر الناس».

المادة السابقةقطاع الخلوي: التمديد لشركتين متّهمتين بالفساد!
المقالة القادمةالمال السوري والمؤسسات المصرفية اللبنانية: «حِكّلي لحِكّلك»!