الدواء المحلّي بديل المستورد: قفزة صناعية وفارق شاسع بالأسعار

يبدو أن وزارة الصحة العامة تركّز جهودها اليوم نحو توسيع سوق الدواء المحلي على حساب المستورد، دعمًا للاقتصاد الوطني، ورأفةً بالمريض اللبناني الذي يعاني الأمرّين من فقدان أدويته المزمنة أو عدم قدرته على شرائه إذا وُجد، لذلك أقرّ مجلس النواب يوم الثلاثاء، قانون دعم صناعة الأدوية المحليّة، كي تباشر الجهات الضامنة احتساب أسعار الأدوية المدرجة في الفواتير الاستشفائية أو الفواتير الناتجة عن العلاجات الصحية أو العمليات الجراحية، على أساس أسعار الأدوية المصنّعة محليًّا، على أن تستثنى الأدوية التي لا تُنتج محليًّا وتلك التي لا ينتج بديل عنها في لبنان.

في لبنان 12 مصنع أدوية مرخصة تساهم في تأمين الأمن الدوائي، 3 مصانع منها لصناعة الأمصال تغطي 100 في المئة من حاجة السوق ولديها طاقة متاحة، و9 مصانع لصناعة الأدوية العلاجية، وفق ما صرّحت به نائبة رئيسة نقابة مصانع الأدوية في لبنان بيرتا أبو زيد في حديثها لـ”المدن”، لكن ماذا عن المعايير النوعية المتبعة من قبل هذه المصانع؟ شددت أبو زيد على أنها تطبّق معايير التصنيع الجيد لصناعة الدواء المعروفة بالـGMP (Good manufacturing practices)، وذلك على حلقات التصنيع التالية: تطوير المستحضر، استيراد المواد الأولية، التصنيع، مراقبة النوعية، التخزين، فيما تخضع الأدوية اللبنانية إلى شروط تسجيل نفسها للأدوية المستوردة.

وأضافت: “تم اعتماد أحد المصانع اللبنانية الحائز على شهادة (WHO prequalification)، لتحليل الأدوية المحلية والمستوردة، وذلك لضمان نوعيتها وجودتها، كما حاز أحد المصانع اللبنانية على شهادة خط إنتاج الدواء الشراب (Syrups production line) من الاتحاد الأوروبي (EU Certification)”، لافتة إلى أن وزارة الصحة أو أي جهة رقابية أخرى، تستطيع أن تزور المصانع بشكل مفاجئ، وكذلك الشركات العالمية التي تصنّع لدينا وممثلو دول الخليج وأفريقيا وروسيا والمشرق وبعض الدول الأوروبية من التي تستورد الأدوية من مصانعنا، جميعهم يدققون دوريًّا في كل تفاصيل عملنا، كما أننا نقوم بإرسال الأدوية إلى مختبرات في بلجيكا وفرنسا وهي معتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية، لتحليلها وفحصها، لأنه لا يمكننا تسجيل أي دواء وتسويقه من دون الحصول على شهادة تثبت جودته العالية من الأماكن المذكورة.

وعما إذا كانت المصانع قادرة على تلبية حاجة السوق المحلي، لفتت أبو زيد إلى أنه تمت زيادة الإنتاج لتلبية حاجات المرضى، خصوصًا خلال جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، إذ رفعت المصانع إنتاجها 63 في المئة عام 2020 مقارنة مع 2019، و30 في المئة عام 2021 مقارنة مع 2020، مشددة على أنه يمكننا تغطية أكثر من 60 في المئة من السوق اللبناني، بأريحيّة، كما لدينا طاقة إنتاجية متاحة وقدرة مرنة على زيادة إنتاجنا من أجل تأمين 100 في المئة من حاجة السوق. وفي ظل الاستنزاف الجاري لاحتياطي المصرف المركزي وعدم ضمان الاستمرار في دعم المواد الأولية، قالت أبو زيد إنها لا تستند على الدعم فقط، “إنما نقوم بخطة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي عبر تأمين مداخيل من الدولار النقدي إلى مصانعنا، من خلال آليات تتعلق بتصدير الأدوية إلى الخارج وبعض التعاملات مع جهات دولية”.

وعن إمكانية تغطية كل أنواع الأدوية والعلاجات الطبية، أكدت أن أحدًا لا يمكنه تحقيق هذا الأمر، بل نعمل على تطوير كل دواء على حدة، ولغاية اليوم، يمكن القول أننا مجهزون بأحدث التقنيات التكنولوجية لتصنيع الأدوية المعدّة لمعالجة الأمراض المزمنة الأكثر شيوعًا، كأمراض القلب، الضغط، التجلّط، السكّري، أمراض الجهاز التنفسي، أمراض الكلى والمسالك البولية، الإلتهابات، وبعض الأمراض السرطانية والمستعصية، ونقوم حاليًّا بدراسة وتطوير أدوية وعلاجات جديدة تشمل شريحة أوسع من الأمراض.

فيما قدّرت أبو زيد عدد الأيدي العاملة في قطاع مصانع الأدوية بأكثر من 2000 موظف، يُصنّفون في المصانع بين عمال وتقنيين وصيدلانيين ومهندسين وأطباء ومتخصصين بالتسويق والمبيعات ومهام أخرى..

تؤمن المصانع المحلية أدوية نوعية بأسعار مناسبة للمريض والجهات الضامنة معًا، إذ تُعتبر أسعار الأدوية المزمنة أدنى من المستحضرات الـBRAND والـGENERIC بنسب تتراوح بين 20 و55 في المئة كمعدل وسطي، بحسب بيانات وزارة الصحة العامة.

فارق الأسعار بين الأدوية المستوردة والأدوية نفسها من الصناعة المحلية، شاسع، تظهره بيانات الوزارة التي اطّلعت عليها “المدن”، وعلى سبيل المثال، دواء الـ”AMLOR” المستورد من فرنسا لمعالجة أمراض الضغط يبلغ سعره 159 ألف ليرة بعد رفع الدعم عنه مقابل 50 ألف ليرة سعر دواء الـAMLINE لبناني الصنع، والذي يؤدّي الغرض عينه، وكذلك دواء الـ”JANUVA” البريطاني الذي يستخدم لعلاج مرض السكري، يبلغ سعره 815 ألف ليرة بعد رفع الدعم مقابل 203 آلاف ليرة للدواء نفسه المصنّع محليًّا وإسمه “SAGIFOR”، ومثال آخر بين العديد من الأدوية التي يمكن مقارنتها بين المستورد والمحلي، دواء “BONVIVA” البريطاني لعلاج أمراض العظام، يبلغ سعره 336 ألف ليرة مقابل 103 آلاف ليرة سعر دواء الـ”BONAFOR” المحلّي.

لإطلاق خطة دعم الدواء المحلّي، عقد وزير الصحة العامة فراس أبيض مؤتمرًا صحفيًّا في الوزارة اليوم، أوضح فيه أن “الدعم الذي تحصل عليه الصناعة الدوائية المحلية يشكل 85 في المئة من المواد الأولية، وهو ما يشكل 25 في المئة من كلفة الدواء ككل، بينما تدعم الدولة الدواء المستورد بنسب تتراوح بين 25 في المئة و45 في المئة، ما يظهر أن الدواء المحلي هو الأقل حصولًا على الدعم، علمًا أن دعم الدواء المستورد يعني إستخدام الأموال لدعم مصانع في الخارج ضد صناعتنا المحلية، مشيرًا إلى أن تطبيق القرار سيؤدي إلى تحقيق وفر بالعملات الصعبة يمكن استثماره في استمرار استيراد كمية أكبر من أدوية الأمراض السرطانية التي نواجه مشكلة في تأمينها بالكمية اللازمة للمواطنين، بالاضافة إلى تقديم المزيد من الدعم للصناعة المحلية بحيث تكون قادرة على تغطية كامل احتياجات السوق اللبناني.

الوقائع هذه حتّمت اتخاذ القرار بالإبقاء على الدعم الكامل للصناعة الدوائية المحلية وعدم دعم الدواء المستورد المنافس له في السوق اللبناني، لفت أبيض، مؤكدًا أن هذا القرار لن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية التي يستخدمها المواطن لأنها كلها متوفرة محليًّا، مشدّدًا على أن سعر الدواء اللبناني أقل ثمنا من أسعار الأدوية المستوردة كما أنه من الأكثر جودة مما يجعله أقل كلفة على المواطن. واعتبر أن المصانع اللبنانية تعتمد معايير عالمية ما يشكل مدعاة فخر بما حققته هذه المصانع رغم أن كثر لا يعرفون التطور الحاصل في قطاع الدواء في لبنان.

ويسلّط أبيض الضوء على إيجابيات دعم هذا القطاع أمام واقع البطالة الذي يسيطر على الشباب اللبناني، فهو رأى أن “مصانع الدواء ستفتح فرص عمل برواتب جيدة للعديد من الشباب الخرّيجين الذين لن يضطروا للبحث عن وظائف خارج لبنان”، قائلًا: “دعم المصانع يفتح المجال للمزيد من فرص العمل كما يؤمن مصدر دخل بالعملة الصعبة للبنان”. وأعلن أن نقابة مصانع الدواء المحلي ستضع خطًّا ساخنًا في التصرف للتواصل مع أي مواطن يجد صعوبة في تأمين دوائه بحيث يتم ضمان الحصول على الدواء الأفضل بالسعر المناسب.

مصدرالمدن - محمد زهوة
المادة السابقةسقوط الكابيتال كونترول.. والمعركة لم تنته
المقالة القادمةما هو الكابيتال كونترول “المثالي”؟