“الدواء” بحاجة إلى من يداويه

متابعة الأخبار عن انقطاع الدواء، ومشاهدة عذابات المرضى أمام الصيدليات يثيران الغضب ويدفعان إلى المنادة للإبقاء على الدعم. إلا أنه من الجهة الأخرى، فان قطاع الدواء مصاب كغيره من القطاعات بـ “ورم” تثبيت سعر الصرف “الخبيث”. حيث وفّر “وهم” العملة القوية، المدعومة بغياب السياسات الصحية وحملات التسويق الفوضوية، قدرة غير محدودة على الإستيراد من الخارج والتسويق في الداخل. فانتفخ القطاع وتوسع حتى وصلت فاتورة الدواء السنوية إلى ما بين 1.3 و2 مليار دولار. ما يعني أن حصة الفرد اللبناني من الدواء تبلغ 350 دولاراً سنوياً، في حين أنها لا تتجاوز 60 دولاراً في تونس و180 دولاراً في المملكة العربية السعودية.

التضخم في استيراد الأدوية كان لا بد أن ينعكس زيادة كبيرة في أعداد الصيدليات. فانتشر على الأراضي اللبنانية نحو 3300 صيدلية. إلا أن وضع الصيدليات الذي ظل ممتازاً حتى الأمس القريب، أصبح اليوم أسوأ من حالة المواطنين. فـ”بعض الشركات لا تلتزم بتسليم الحد المتفق عليه من الأدوية. والتقنين ارتفع بنسبة تصل إلى 70 في المئة”، تقول الدكتورة الصيدلانية منار أنيس موسى. “وهذا يطال أكبر الشركات التي تغطي السوق بأدوية السكري والضغط والقلب والسيلان. ففي الوقت الذي تم الإتفاق فيه على سبيل المثال على تزويد صيدلية معينة بـ 14 علبة من دواء “مدر البول”، فان الكمية المسلمة هذا الشهر بلغت 4 علب فقط. مع العلم أن الكميات المطلوبة أو المتفق عليها مقسمة على المرضى. الأمر الذي يحرم 10 أشخاص من أصل 14 من الدواء، ويوقع الصيدلي بحيرة في أمره لمن سيعطي الدواء قبل غيره”. والذي يحصل بحسب موسى أن “المرضى يقصدون كل الصيدليات في نطاقهم أو حتى أبعد، ويشترون من كل صيدلية علبة دواء، وذلك خوفاً من انقطاعه أو ارتفاع سعره، وهذا ما يعمق الأزمة”.

إضافة إلى هذا الواقع المر الذي حول أغلب الصيدليات إلى متاجر لبيع مواد التعقيم ومستحضرات التجميل، فان “الإبقاء على تسعيرة الأدوية على 1515 وبعمولة 22.5 في المئة ألحق خسائر فادحة في الصيدليات”، تقول موسى. “مع العلم أن كل المصاريف الشخصية والمتعلقة بالعمل تسعّر على دولار السوق، أي 12700 ليرة، ما يدفع الصيادلة إلى الإستهلاك من رأسمالهم ويأكلون من لحمهم الحي”. وهو ما سيدفع بحسب موسى إلى “إقفال المزيد من الصيدليات. حيث أن الأدوية التي تباع لا يعاد تسليم نفس الكميات منها من قبل الشركات. وهناك العديد من الأصناف فقدت كلياً وأهمها حليب الأطفال للفئة العمرية بين 1 و3 سنوات. كما أن مطالبة مصرف لبنان الشركات بأخذ الموافقة المسبقة على الإستيراد، يؤخر تأمين الأدوية في الأسواق”.

في ظل غياب الرقابة الجدية والفاعلة، فان زيادة الطلب عن العرض تدفع إلى أمرين خطيرين جداً: توسع السوق السوداء، بحيث أن الذي يدفع أكثر يحصل على السلعة. أما الأمر الثاني فهو سواد مبدأ المفاضلة، إذ يعمد مالكو السلع إلى توزيعها باستنسابية ومن دون قواعد عقلانية. وهذا مع الأسف ما يحصل في سوق الدواء وأسواق كل المواد المدعومة.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةمدارس نحو وضع خطّة تعليم مدمج للعام المقبل: الـ«أونلاين» باقٍ… ولو ذهبت «كورونا»
المقالة القادمةلم يتبقَّ للبنانيين سوى سمك في بحر