الدولة «تتخلّص» من مشروع الباص السريع

«يلي ما رح يقدر يدفع حق التنكة ما يستعمل سيارته، يستعمل شي تاني»… الـ«شي تاني» الذي كان يفترض أن يقصده وزير الطاقة ريمون غجر في المؤتمر الذي تحدث فيه عن ارتفاع سعر صفيحة البنزين ليلامس الـ 200 ألف بعد رفع الدعم، هو مجموعة حافلات تربط بين المناطق وتوصل الأشخاص إلى مكان توجههم، أو أي وسيلة نقل عام تقوم بهذه المهمة. لكن للسخرية، البطاقة التمويلية المُعدّة ليكون جزءٌ منها بمثابة تعويض عن غلاء صفيحة البنزين، أرادها صانعو المشروع أن تُموّل من القرض المخصص لإنشاء الباص السريع! بمعنى أوضح، بدل مضاعفة خيارات السكان بواسطة حلول تسهّل تنقلهم وتوفر عليهم تكلفة النقل، تريد حكومة تصريف الأعمال الإطاحة بالأمل الوحيد عبر حرمانهم من مشروع تم الإعداد له، وجرى تأمين تمويله من البنك الدولي بقيمة 300 مليون دولار، وهو بالمناسبة القرض الأول من نوعه المخصص لمصلحة النقل العام.

البحث عن مصادر تمويل للبطاقة التمويلية، وبعد عصف أفكار بين اللجنة الوزارية المكلفة مناقشة رفع الدعم، رسا على استخدام قرض مشروع الباص السريع. جرى ذلك بعد جسّ نبض وفد من البنك الدولي حول إمكانية الاستفادة من قروض لم تُنفذ بعد، فأبدى البنك تجاوبه مع الموضوع على أن يعود إلى إدارته وأن يتم ذلك بطلب واضح من الحكومة اللبنانية. على الأثر، دخل وزير المال غازي وزني إلى جلسة اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس مشروع قانون البطاقة التمويلية ليبشّر الحاضرين بتوفر 300 مليون دولار، وهي قيمة القرض المقدم من البنك الدولي لإنشاء مشروع الباص السريع. لكن، حتى مع إقرار البطاقة في اللجان المشتركة يوم أمس، ما زالت الموافقة على استعمال هذه القيمة غير محسومة وتحتاج إلى مسار كامل يبدأ بمفاوضة يجب أن يجريها وزير المال مع البنك الدولي بحيث يطلب فيها تعديل وجهة صرف قرض الباص السريع. وإذا ما حصل على الموافقة الأولية، يتوجب عليه بعدها إرسال هذا التعديل كمشروع قانون إلى مجلس النواب لإبرام العقد. علماً أن مشروع القانون الذي سيصدر عن رئيس الحكومة حسان دياب اليوم حول الدعم المالي عبر «البطاقة التمويلية»، لا يؤكد أن التمويل سيحصل من هذا القرض ولكنه يضعه كخيار وارد.

اليوم، بشحطة قلم، ومن دون الرجوع إلى الناس أو مناقشة موضوع بهذه الأهمية، قررت الحكومة ومجلس النواب إلغاء مشروع حيوي وضروري اجتماعياً واقتصادياً وإنمائياً بدل الإسراع به للتخفيف من وطأة غلاء المحروقات وتخفيض كمية الاستيراد وكلفة التنقل على السكان. وللصدفة كان هذا المشروع تحديداً محور مؤتمر «نحو نقل منظم في لبنان» الذي نظمته نقابة المهندسين في لبنان في أواخر عام 2017، حيث تم النقاش بتفاصيله وما سيحققه مع ممثلين عن البنك الدولي والمديرية العام للنقل البحري والبري وكل المتخصصين في هذا المجال. فوفقاً لدراسات البنك الدولي، من المتوقَّع أن يوفر المشروع مليونَي يوم عمل في وظائف البناء لمحدودي الدخل من اللبنانيين والسوريين. ويُمثِّل المرحلة الأولى من برنامج وطني طموح للنقل العام، ويجتذب نحو 300 ألف راكب يومياً، إضافة إلى خفض مدة الانتقال بين بيروت وضواحيها الشمالية إلى النصف. فالتقديرات تشير إلى دخول أكثر من 700 ألف سيارة إلى العاصمة يومياً. والكلفة التي يمكن للحافلات السريعة توفيرها على هذه السيارات إذا ما احتُسِبَت كمية البنزين التي تحرقها 700 سيارة وصرفها ما يعادل صفيحة ثمنها اليوم 45 ألف ليرة لبنانية. أولوية المشروع هي للخط الساحلي من بيروت إلى طبرجا (باعتباره الأكثر اكتظاظاً) ومن ثم إلى جبيل وطرابلس، وفي مرحلة لاحقة على الخط الساحلي من بيروت إلى صيدا، ثم على الخط الشرقي لتغطية كلّ مخارج بيروت.

مصدرجريدة الأخبار - رلى ابراهيم
المادة السابقةالدولة تقترض من مصرف لبنان نيابةً عن كارتيل المحروقات!
المقالة القادمةإمساك رأس خيط “الحسابات الإئتمانية” يقود إلى التحويلات غير الشرعية