الدولة تقترض من مصرف لبنان نيابةً عن كارتيل المحروقات!

ما تفعله السلطة بما تبقّى من مؤسّسات، ليس حفلة جنون، ولو بدت كذلك. لا أحد يحرّك ساكناً لوقف الانهيار. فقط استمرار في شراء الوقت، من دون أن يعرف متى ينفد هذا الوقت. المنظومة بعدما ضمنت حماية نفسها ومكتسباتها، توحي بأنها تعمل لحماية الناس من الارتطام في نهاية السقوط.

لم يجترح عقلها أكثر من بطاقة تمويلية مخصصة لمنح جزء من الناس مبالغ قليلة لن تقيهم شر نتائج الانهيار الكبير الذي سيبدأ بعد رفع الدعم. ولذلك، صُوّر إقرارها بحد ذاته على أنه الإنجاز الذي سيُنقذ الناس من المصير الأسود. أقرّت اللجان النيابية المشتركة مشروع قانون البطاقة، من دون أن يتّضح مصير تمويلها. ما اتفق عليه أنه سيستفيد من هذه البطاقة 500 ألف عائلة تضاف إلى العائلات المستفيدة من مشروع الأسر الأكثر فقراً ومن مشروع شبكة الأمان الاجتماعي، ما يجعل مجموع المستفيدين نحو 750 ألفاً. وقد قدرت كلفة تمويل هذه البطاقة بنحو 556 مليون دولار، ستؤمن من خلال فتح اعتماد استثنائي في الموازنة، يفترض أن يموّل مؤقتاً عبر الاقتراض من مصرف لبنان، على أن يسدد القرض حين الحصول على قروض البنك الدولي التي لم تصرف (تقدر بنحو 500 مليون دولار)، بعد الاتفاق معه على تغيير وجهتها، أو عبر مساعدات مالية قد تحصل عليها الحكومة. وفيما كانت مصادر الاجتماع تشير إلى أن النقاش كان يجري بخلفية شمول البطاقة الأغلبية الساحقة من اللبنانيين، كان التركيز على الاستثناءات. وعلى سبيل المثال، من يملك حساباً مصرفياً يفوق بضع مئات من الدولارات أو من يقبض راتباً يفوق الثلاتة ملايين ليرة، لن يكون مخوّلاً الحصول على البطاقة…

لكن نتيجة النقاشات التي تبعت الجلسة، تبيّن أن لا حاجة إلى مشروع جديد، طالما أن المشروع الذي أقرّ يتضمن طلب فتح اعتماد استثنائي، وبالتالي فإن كل المطلوب هو تعديل قيمة الاعتماد الذي كان بقيمة 1.2 مليار دولار، وتخفيضه إلى ما اتفق عليه في اللجان (556 مليون دولار). وبناء عليه، تقرر أن يتم الاكتفاء بإرسال رئاسة الحكومة رسالة إلى المجلس النيابي تبلغه فيها بتوجّهها إلى «ترشيد الدعم» وفق الآلية التي سبق أن اطلعت عليها اللجان، والتي تشير إلى تخفيض الدعم من 5 مليارات دولار إلى 2.5 مليار دولار (تخفيض الدعم على الخبز 15 في المئة، وعلى الأدوية 54 في المئة، وعلى السلة الغذائية مئة في المئة، وعلى المحروقات بين 30 و40 في المئة)، علماً بأن هذه النسب ليست ثابتة بعد، وتثبيتها ينتظر موافقة مصرف لبنان عليها. وهو ما يبدو بعيد المنال بالنظر إلى الأجواء الراهنة، وإلى تمسّك مصرف لبنان بإلغاء الدعم بعد إقرار البطاقة التمويلية.

في السياق نفسه، كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يترأس، صباح أمس، اجتماعاً ضم وزيرَي المال والطاقة غازي وزني وريمون غجر، إضافة إلى سلامة، خصص لعرض وضع المحروقات في البلاد وانعكاساته. وبحسب البيان الرسمي، فإنه «خوفاً من حصول أي مضاعفات سلبية تنعكس على الاستقرار الأمني والمعيشي في البلاد، اتُّفق على أن يصار إلى إصدار قرار استثنائي بالاقتراض من مصرف لبنان الأموال التي تسمح بالاستمرار بدعم البنزين لكن على سعر 3900 ليرة».

دياب رفض بداية توقيع هذا القرار، انطلاقاً من أنه لطالما أعلن أنه يرفض ترشيد الدعم قبل إقرار البطاقة التمويلية. وهذا الموقف، كشفه النائب جبران باسيل أمام النواب في جلسة اللجان المشتركة، كما نقلته قناة «إم تي في». لكن دياب ونتيجة الأوضاع الحالية، وربطاً بحقيقة أن البطاقة التمويلية صارت على سكة الإقرار، وتسهيلاً لانطلاق الموسم السياحي، الذي كان يمكن أن تساهم أزمة البنزين في ضربه، عاد ووافق على توقيع القرار. أما سلامة، فلم يتأخر من جهته في إصدار بيان يعلن فيه موافقته على منح الحكومة القرض المطلوب، بحسب المادة 91 من قانون النقد والتسليف، «على أن يقترح التدابير التي من شأنها الحدّ مما يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة، وخاصة الحد من تأثيره على الوضع الذي أعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية».

وقبل هذا وذاك، بأيّ منطق تقوم الدولة بالاستدانة نيابة عن كارتيل النفط، وبأيّ منطق لا يزال مصرف لبنان يتمسّك بسعر الصرف الرسمي، إذا كان يرفض تأمين حاجة السوق للدولارات؟ مفهوم الدعم لم يكن يوماً مرتبطاً بدعم سعر الصرف. هذا يقرره مصرف لبنان الذي ثبّت سعر الصرف الرسمي، والذي يفترض به الالتزام به على الأقل لتأمين حاجات القطاع العام. عادة، تتدخل الحكومة لدعم سلع استراتيجية، لكنها لا تتدخل لدعم سعر الصرف للقطاع الخاص… إلا في لبنان!

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةأبو شقرا: بواخر البنزين تقف بعرض البحر لأن مصرف لبنان لم يفتح اعتمادات لها
المقالة القادمةالدولة «تتخلّص» من مشروع الباص السريع