السلطة النهمة تُقاسم الفقراء رغيفهم “الناشف”… ولا تشبع

في الظاهر يعمل المسؤولون على توزيع المازوت بحسب الأولويات مثلما يفترض المنطق. وقد عمدت رئاسة الحكومة للغاية، إلى تأمين 500 ألف ليتر من المازوت من شركة “Uniterminals” للأفران المهدّدة بالإقفال، ستُسلّم بناءً على قسائم صادرة عن وزارة الاقتصاد. إنما في المضمون الأمور أعقد من ذلك بكثير. فللحصول على هذه القسائم على الفرن تقديم، بالإضافة إلى الإذاعة التجارية والسجل التجاري وشهادة تسجيل المحل تجاري، شهادة صناعية. و”هنا المشكلة”، يقول نقيب أصحاب الأفران في الشمال طارق المير. فـ”للحصول على الشهادة الصناعية يتوجب دفع مبلغ 1500 دولار أميركي كبدل تأمين، والشهادة لا تصدر بجميع الحالات قبل 3 أشهر. وعليه فان هناك الكثير من الأفران غير المستوفية للشروط لن تستفيد من المازوت الموزع بحسب الأولويات وستضطر إلى التوقف عن إنتاج الخبز والإقفال، أو شراء المادة من السوق السوداء وتحمّل الخسارة. أمّا الأفران المستوفية للشروط فلن تحصل على المازوت قبل منتصف الأسبوع القادم. حيث علم أن الباخرة المحملة بمادة المازوت لن تشطط قبل نهار الثلثاء القادم. وبحسب المير فان “الدولة هي من تفتعل أزمة الخبز، وتضع أصحاب المصالح في وجه المواطنين الغاضبين لأنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية الإنهيار وتبدأ بالإصلاح الجدي”.

تفيد مصادر الأفران إلى أن الوزراء المعنيين بالقطاع يتهربون من تحمل المسؤولية ويرمون التهم على بعضهم البعض. فعند مراجعة وزير الإقتصاد ومطالبته بايجاد الحل لأزمة المازوت للأفران يطالبهم بمراجعة وزير الطاقة ريمون غجر. مع العلم أنه ليس من صلاحيات أصحاب الأفران التواصل مع وزارة الطاقة، ذلك أن وزارة الإقتصاد هي الوصية على قطاع الأفران عامة وربطة الخبز المدعومة خاصة.

في الواقع، نجحت الأزمة في إخراج الرغيف من دائرة “المحرمات”، و”رمته” في مهب السلع والمواد الغذائية المحررة أسعارها. من دون أي اعتراض توقّع وزارة الإقتصاد دورياً على رفع سعر ربطة الخبز وتخفيض وزنها، وتُوقِع المزيد من العائلات في العجز عن تأمين أبسط متطلبات الحياة. حيث لم تشهد ربطة الخبز تاريخياً استسهالاً في “اللعب” بسعرها ووزنها كالذي تشهده اليوم. فبأقل من عامين ارتفع سعرها رسمياً من 1500 إلى 4500 ليرة، وخفض وزنها من حدود 930 إلى 850 غراماً. فعلى الرغم من استمرار الدولة بدعم الطحين بأكثر من 100 مليون دولار سنوياً، فان رفع الدعم كلياً عن بقية المكونات التي تدخل في صناعة وتغليف الرغيف من سكر وملح وخميرة ونايلون، وجزئياً عن المازوت رفع كلفة الإنتاج وحتّم رفع الأسعار.

هذه المرحلة التي وصلها البلد أصبحت تتطلب “رفع الدعم كلياً عن كل السلع والمواد والمنتجات، فتح باب المنافسة، إلغاء الوكالات الحصرية والإنتقال إلى دعم الأفراد بشكل مباشر”، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك د. زهير برو، “فلا يجوز بأي شكل من الإشكال إبقاء استيراد الطحين والقمح والمازوت وبقية السلع حكراً على بعض التجار الذين يتفقون من تحت الطاولة على تحديد الأسعار والإمساك بالأسواق.” على الرغم من تكرار الازمات وتشابه عناوينها العريضة إلا أن المسؤولين لم يتعلموا. والسبب كما ورد في تقرير “لبنان يغرق” الصادر عن البنك الدولي لا يعود إلى نقص في المعلومات، أو إلى توجيهات خاطئة، بل إلى الإجماع السياسي في الدفاع عن نظام مفلس أفاد البعض لفترة طويلة. وعلى هذا المنوال تستمر معالجة جرح الأزمات النازف بضمادات الحلول الترقيعية إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً”.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةغجر يوقع الاتفاقية مع العراق اليوم… وتسليم الفيول في غضون أسبوع
المقالة القادمة“اليونيسف”: لبنان في خطر فقدان المياه الصالحة للشرب