غجر يوقع الاتفاقية مع العراق اليوم… وتسليم الفيول في غضون أسبوع

لم يسبق في عزّ الحرب الأهلية أن كان الوضع الاجتماعي والمعيشي بهذا السوء. لا أفق أمام الناس سوى الجوع والمرض. لا أساسيات الغذاء ولا أساسيات الطبابة متاحة. وإن توافرت، فبأسعار هائلة، تتغير على مدار الساعة. حتى البنزين والمازوت، اللذين ارتفع سعرهما بشكل قياسي، ليسا متوافرين. وهذا بدأ ينعكس على المولدات الخاصة، التي توقف بعضها عن العمل، بسبب عدم توافر المازوت، بعدما سبقتها كهرباء لبنان إلى تخفيض إنتاجها إلى مستويات قياسية، بسبب شح الفيول وعدم القدرة على إجراء الصيانات اللازمة.

أزمة البنزين عادت إلى ما كانت عليه. صحيح أنها لم تنته يوماً منذ بدأ مصرف لبنان تقييد عملية فتح الاعتمادات، لكنها بعد أن صار الدعم على سعر 3900 ليرة للدولار بدلاً من 1500 ليرة لوحظ انخفاض طفيف في أعداد السيارات المنتظرة أمام المحطات. هذا لم يدم أكثر من أسبوع. خلال أيام العيد وبعده، عادت المحطات لتشهد اصطفاف عشرات السيارات. السبب مجدداً هو تأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات. وهذا أمر سيتكرر مراراً طالما أن الفارق لا يزال كبيراً بين السعر المدعوم للدولار وسعر السوق. وعليه، فإن النتيجة اليوم أن مخزون المحروقات، بنزين ومازوت، حتى مع إضافة الشحنتين اللتين تنتظران في مرفأ بيروت فتح الاعتمادات لتفريغهما، بالكاد يكفي حتى نهاية الشهر، إذا لم تُفتح اعتمادات جديدة.

لكن الأخطر أن المازوت شبه مفقود من السوق. حتى منشآت النفط خزاناتها فارغة، ولن تصلها أي شحنة قبل عشرة أيام. شحنتها الأخيرة (24 مليون ليتر)، أفرغتها قبل العيد. ولأن حصتها السوقية تصل إلى 30 في المئة، فإن شحّ المازوت لديها يعني تلقائياً شحّ المادة في السوق. فالكمية المتبقّية حالياً هي تلك التي تملكها بعض شركات النفط، والتي بالكاد تكفي لأيام. لكن، بحسب المعلومات، فإن بعضها لديه شحنات فُتحت اعتماداتها أمس، بما يمكن أن يسمح بتوافر المادة أكثر. ذلك قد يُقلل من منسوب الكارثة، لكنها باقية، وبدأت تأثيراتها تطاول كل القطاعات من دون استثناء. إطفاء بعض المولّدات الخاصة هو أهون التداعيات. أصحاب المستشفيات رفعوا الصوت، محذرين من كارثة استشفائية حقيقية إن لم يؤمن المازوت للمستشفيات. القطاع السياحي، الذي يُعوّل عليه ليكون في فترة الصيف رافعة الاقتصاد، بدأ يتسلل الشلل إليه. فنادق بدأت تقفل أبوابها، بسبب عدم قدرتها على تأمين الطاقة الكهربائية.

أما الصناعيين، فبعدما أعلن وزير الصناعة عماد حب الله أنه «تقرر السماح للمصانع بالاستيراد المباشر لمادة المازوت وغيرها من المشتقات النفطية من دون إجازة مسبقة»، تعتبر مصادر عاملة في القطاع أن هذا الحل لا يمكن تطبيقه عملياً. إذ إن المصانع ليست مستعدة لاستيراد المازوت على سعر السوق، أولاً لأن كلفة الإنتاج سترتفع بشكل هائل، وثانياً لأنها لا تملك قدرات تخزينية كافية، وثالثاً لأن المشكلة الأساس هي في شح الدولارات، فمن أين ستأتي بالدولارات لتأمين حاجاتها من المحروقات؟

وفي السياق نفسه، كان وزير السياحة رمزي مشرفية يزور رئيس الجمهورية ميشال عون أمس، محذراً من أن شحّ ​المازوت​ والفيول يؤثّر في القطاع السياحي بأسره، إضافة إلى تأثيره في القطاع الصحي والاستشفائي، وقطاع المواد الغذائية. لكن مع ذلك، فقد سمع مشرفية، الذي افترض أن أزمة الكهرباء مستجدة، من عون أن الإجراءات لحل هذه الأزمة ستكون قيد التنفيذ في غضون يومين. وهذا الإعلان مرتبط عملياً بحسم مسألة الاتفاق مع العراق، الذي سيوقّع اليوم من قبل وزير الطاقة ريمون غجر عن الجانب اللبناني، علماً أن غجر كان انتقل إلى بغداد أمس، برفقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي أعلن، أنه بعد توقيع الاتفاق، ستحتاج إجراءات استقدام الفيول إلى ما بين أسبوع وعشرة أيام. أما الخطوة الأولى، فكانت أمس تثبيت زيادة الكمية، مع شركة تسويق نفط العراق («سومو») من 500 ألف طن إلى مليون طن من الفيول الأسود، الذي سيُصار إلى استبداله بفيول يُناسب الحاجات اللبنانية، من خلال مناقصات «سبوت كارغو» تجريها وزارة الطاقة.

مصدرجريدة الأخبار
المادة السابقةأزمة الدواء تكبر: لا استيراد ولا توزيع ولا بَيع!
المقالة القادمةالسلطة النهمة تُقاسم الفقراء رغيفهم “الناشف”… ولا تشبع