يرسو عدد من سفن الحاويات في البحر الأحمر وأوقفت أخرى أنظمة التتبع بينما يقوم التجار بتعديل المسارات والأسعار ردا على الهجمات البحرية التي يشنها الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن على طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب في العالم.
وأثارت الهجمات التي وقعت مؤخرا على السفن في طريق الشحن الرئيسي في البحر الأحمر شبح موجة أخرى من تعطيل التجارة الدولية في أعقاب اضطرابات الوباء، ودفعت قوة دولية بقيادة الولايات المتحدة للقيام بدوريات في المياه بالقرب من اليمن.
ويرتبط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس، مما يشكل أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا، حيث تمر حوالي 12 في المئة من حركة الشحن العالمية عبر القناة.
وتقول شركات الشحن الكبرى، بما في ذلك هاباغ لويد وأم.أس.سي وميرسك وشركة النفط الكبرى بي.بي ومجموعة ناقلات النفط فرونت لاين، إنها ستتجنب طريق البحر الأحمر وستغير مسارها عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا.
لكن العديد من السفن لا تزال تبحر في الممر المائي. وأظهرت بيانات تتبع السفن من شركة أل.أس.إي.جي أن العديد من السفن الجارية لديها حراس مسلحون على متنها.
وكشفت البيانات أن ما لا يقل عن 11 سفينة حاويات مرت عبر السويس وكانت تقترب من اليمن تحمل سلعا استهلاكية وحبوبا متجهة إلى دول مثل سنغافورة وماليزيا والإمارات، راسية الآن في البحر الأحمر بين السودان والسعودية.
وبحسب أل.أس.إي.جي، فإن أربع سفن حاويات تابعة لشركة أم.أس.سي في البحر الأحمر تم إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها منذ الأحد الماضي، ومن المرجح أن تتجنب اكتشافها.
وقال إيوانيس باباديميتريو، كبير محللي الشحن في فورتيكسا، لرويترز إن “بعض السفن تحاول إخفاء مواقعها عن طريق المرور على مواقع أخرى، كإجراء احترازي عند دخول الساحل اليمني”.
ودخل الحوثيون المدعومون من إيران، والذين يقولون إنهم يدعمون الفلسطينيين تحت الحصار المفروض على غزة، في الصراع بين إسرائيل وحماس من خلال مهاجمة السفن في ممرات الشحن الحيوية وحتى إطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل.
وفي دليل آخر على استمرار لعملياتهم هاجم الحوثيون سفينتين شحن تجاريتين جنوب البحر الأحمر الاثنين الماضي.
وتعرضت سفينة نقل المواد الكيميائية سوان أتلانتيك لهجوم بطائرة مسيرة هجومية أحادية الاتجاه وصاروخ باليستي مضاد للسفن أطلقا من مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن.
وفي الوقت نفسه تقريبا، أبلغت سفينة البضائع السائبة كلارا عن انفجار في مياه بالقرب من موقعها. وهذا الهجوم منفصل عن الهجوم على السفينة سوان أتلانتيك.
وبينما أوقفت بي.بي للطاقة مؤقتا جميع الرحلات عبر البحر الأحمر، قالت مجموعة ناقلات النفط فرونت لاين الاثنين الماضي إن “سفنها ستتجنب عبور الممر المائي”، مما يشير إلى أن الأزمة تتسع لتشمل شحنات الطاقة.
وتقول مصادر الصناعة إن التأثير على التجارة العالمية سيعتمد على مدة استمرار الأزمة، لكن أقساط التأمين والطرق الأطول ستشكل أعباء فورية.
وقال باباديميتريو من شركة فورتيكسا الثلاثاء إن “سعر سفينة سويزماكس لنقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا ارتفع بنسبة 25 في المئة خلال أسبوع”.
وارتفعت أسعار النفط القياسية خلال اليومين الماضيين ردا على الهجمات وتحويلات المسارات، إذ صعدت العقود الآجلة لخام برنت ستة سنتات إلى 78.01 دولارا للبرميل.
وقالت تينا تنغ، المحللة لدى سي.أم.سي ماركتس في أوكلاند “المخاطر المحتملة الناجمة عن انقطاع الإمدادات والاضطرابات في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسواق النفط”.
ومع ذلك، يرى بنك غولدمان ساكس أن انقطاع تدفقات الطاقة في البحر الأحمر لن يكون له على الأرجح تأثير كبير على أسعار الوقود الأحفوري، إذ إن فرص إعادة توجيه السفن تعني أن الإنتاج يجب ألا يتأثر بشكل مباشر.
وقال البنك في مذكرة الاثنين الماضي إنه “من غير المرجح أن تكون لتعطيل تدفقات الطاقة في البحر الأحمر آثار كبيرة على أسعار الخام والغاز الطبيعي المسال، حيث يمكن إعادة توجيه السفن”.
وأضاف “نقدر أن إعادة التوجيه الافتراضية طويلة الأمد لجميع تدفقات النفط الإجمالية البالغة 7 ملايين برميل يوميا (شمالا وجنوبا) سترفع أسعار النفط الخام الفورية مقارنة بالأسعار طويلة الأجل بمقدار 3 و4 دولارات للبرميل”.
وذكر مشتر آسيوي للنافتا، وهي مادة بتروكيمياوية مستوردة من أوروبا، لرويترز أن سفنه لا تزال تستخدم طريق البحر الأحمر، حيث سيستغرق الأمر ما بين سبعة و14 يوما أخرى لإعادة توجيهها عبر رأس الرجاء الصالح.
ويقول سماسرة سفن إن بعض مالكي ناقلات النفط يقومون بإدخال بند جديد لإدراج خيار رأس الرجاء الصالح في عقود الشحن الخاصة بهم كإجراء احترازي.
ويمكن أن تؤدي عمليات تحويل الشحن إلى تباطؤ الشحنات بشكل كبير وربما ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين.
وقال مصدر مطلع على الذراع اللوجستية كاينياو التابعة لشركة علي بابا إنهم قد يشهدون أوقات تسليم ورسوم شحن أطول قليلا، ولكن بشكل عام فإن إعادة التوجيه لن يكون لها تأثير يذكر على الأعمال.
وفي العادة يستغرق شحن البضائع من شنغهاي إلى روتردام 27 يوما عبر قناة السويس. وأكد ريكو لومان المحلل في آي.أن.جي، أنه ستتم إضافة أسبوع على الأقل من وقت الإبحار لسفن الحاويات.
وقال لومان “سيؤدي هذا على الأقل إلى تأخيرات في أواخر ديسمبر 2023، مع تأثيرات غير مباشرة في يناير المقبل وربما فبراير، حيث سيتم تأجيل الجولة التالية أيضا”.
ويرى معهد التصدير والتجارة الدولية أن الاضطرابات ستؤثر على الأرجح على إمدادات السلع الاستهلاكية قبل العام الصيني الجديد على وجه الخصوص.
وقال ماركو فورجيوني، المدير العام للمعهد، إن أي “تأخير سيترك تجار التجزئة بمخزون غير قابل للبيع، مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين”.
وبسبب الهجمات المتواترة حولت مجموعة دانون الفرنسية للأغذية معظم شحناتها، مما سيزيد وقت العبور.
وقال متحدث باسمها “لدينا خطط تخفيف سيتم تفعيلها إذا استمر الوضع على المدى المتوسط إلى الطويل”. وأضاف “سيشمل ذلك استخدام طرق بديلة عبر البحر أو الطريق حيثما أمكن ذلك”.
وتعتقد منصة الشحن العالمية فريتسو أن في حين أنه من المرجح أن ترتفع أسعار الشحن في هذه الرحلات الطويلة أيضا، فإن شركات النقل في الوقت الحالي تبحث عن طرق للاستفادة من الطاقة الفائضة. واستبعد رئيسها التنفذي تسفي شرايبر أن ترتفع أسعار الفائدة إلى المستويات التي شهدتها خلال الوباء.
وفي خضم ذلك، ترتسم على آفاق التجارة العالمية الكثير من الغيوم القاتمة بسبب الضبابية التي لا تزال تلقي بظلالها على سلاسل الإمدادات بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني والتوترات الجيوسياسية في أماكن كثيرة من العالم.
وتوقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في تقرير حديث نشره الأسبوع الماضي انكماش حجم التجارة العالمية بواقع 5 في المئة بنهاية العام الجاري بمقارنة متشائمة مع توقعات متشائمة بشكل عام إزاء 2024.
وفي تحديث للتجارة العالمية، توقع أونكتاد أن تصل التجارة هذا العام إلى ما يقرب من 30.7 تريليون دولار.
ووفقا للمؤتمر، فإن من المتوقع أن تنكمش التجارة في السلع بنحو تريليوني دولار بنهاية العام الحالي أو بنحو 8 في المئة، لكن تجارة الخدمات ستزيد بنحو 500 مليار دولار أو سبعة في المئة.
وأرجع خبراء المنظمة الأممية الانكماش في التجارة العالمية إلى أسباب من بينها ضعف أداء صادرات الدول النامية.
وقال أونكتاد في بيان “شهدت التجارة العالمية انخفاضا طوال عام 2023، متأثرة في المقام الأول بتراجع الطلب في الدول المتقدمة، وضعف الأداء في اقتصادات شرق آسيا، وهبوط أسعار السلع الأساسية”. وتابع أن “هذه العوامل مجتمعة أسهمت في انكماش ملحوظ في تجارة السلع”.