“الصندوق”… “عاوِز كِدَا”!

من كان لا يزال يأمل ان يضيف فريق صندوق النقد الدولي شيئاً من المصداقيّة والمنطق الى خطط الحكومة وألاعيبها خاب ظنّه خيبة لا قيامة منها. فما تم الإعلان عنه في بعبدا في حضور رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبركتهما لم يكن إتفاق إطار او إتفاقاً على مستوى فريق بعثة خبراء الصندوق انما كان صكّ براءة ذمّة للمنظومة وارتكاباتها من قبل مؤسسة دولية يفترض انها كانت تراقب عن كثب وضعيّة المالية اللبنانية ومصرف لبنان طوال عقود.

امّا الفقرة الأخطر من اعلان «الصندوق» هي اعطاء تمريرة للمنظومة لتقوم بسرقة أموال المودعين وتعب أجيال من اللبنانيين مع إعفاء المتسببين الأساسيين بالكارثة من مسؤوليّاتهم. فالعصابة المجرمة التي تختطف البلد بشعبه وتمارس عليه جميع وسائل الإذلال والإبادة الجماعية حصلت من صندوق النقد على «رخصة» للقيام بالجرائم الكبرى التى كانت حتى الآن تستهيب الإقدام عليها.

خريطة الطريق المفصلة التي أعلنها الصندوق من ناحيته وترافقت مع التصريح الرسمي اللبناني عن الاتفاق تتضمن الكثير من الأمور الإيجابية لو انها تصل يوماً الى التطبيق ولكننا نعرف من خبرة حياة كاملة مع هذه الذهنيّة في ادارة الشأن العام انها لم ولن تطبّق. لا يهمنا مَن أقنع مَن ولا مَن خدع مَن للوصول الى هذا الإتفاق غير المنتظر، او اذا كان هناك ارتباط بملف آخر ومفاوضات موازية؛ لكن مصير هذا الإتفاق واضح بالنسبة لنا وضوح الشمس. فالمنظومة التى أخذت على عاتقها قهر وإذلال الشعب اللبناني سوف تنتقي من خريطة الطريق هذه نقاطاً معروفة سلفاً وتسعى الى تمريرها بحجة ان «الصندوق يريد ذلك» ونؤكد لكم انها ستغفل كل الباقي وتعود الى استكمال خطتها الأساسية وهي الإنهيار المتعمّد.

ماذا تريد المنظومة تمريره؟

الأمور التي تريد المنظومة تمريرها هي التالية:

1 – كابيتال كونترول مسخ، المفاجأة كانت ان إقرار قانون الكابيتال كونترول لم يرد ذكره صراحةً في خريطة صندوق النقد ومطالبه لكنه كان الخطوة الأولى التي وضعت على سكة الإقرار بعد ساعات من الاعلان عن الاتفاق مع الصندوق. من هنا نتأكّد ان ما تريده المنظومة المالية والسياسية ثابت وهي قادرة على استعمال اسم الصندوق لتمرير مشاريعها. ما يريدونه هو كابيتال كونترول مسخ يمنع الملاحقات القضائية عن المصارف وأصحابها وقد قاموا حتى الآن بعدة محاولات فاشلة لتمرير قانون يؤمّن هذه الأمور. القانون المنوي اقراره والمسمى زوراً «كابيتال كونترول» يتفنن في وضع ضوابط وقيود اضافية على اموال اللبنانيين المحجوزة في المصارف بينما لا يتطرّق الى الأموال الأخرى الموجودة داخل البلاد والتي يجب تقييدها ايضاً ولا يقدّم خطّة تدريجيّة لإعادة الحقوق وتنظيم السحوبات وسقوفها، كما يشرّع هرطقة التفريق بين ما يسمّونه الأموال الجديدة والقديمة.

2 – سرقة جنى عمر اللبنانيين

الهدف الاول والأهم لاستحصال هذه الحكومة على «رخصة» من الصندوق هو استكمال سرقة جنى عمر اللبنانيين بالقانون هذه المرّة وخلافاً للدستور والقوانين اللبنانية وشرعة حقوق الإنسان. منطق السلبطة والوقاحة المافيوزيّة يريد تحميل المغتربين اللبنانيين والمتقاعدين وعموم اللبنانيين نتائج ثلاثين عاماً من الفشل والفساد توّجت بأكبر مخطط بونزي إحتيالي وإعفاء الدولة ومصرفها المركزي من تحمّل مسؤولية أعمالهم بحجج واهية بينما الجميع يعرف ان لدى الدولة خيارات متعددة لضمان ودائع اللبنانيين من دون التفريط بأصولها.

3– تخفيف قانون السرية المصرفية

في حين لم يعد هناك أي مسوّغ قانوني او عملي لبقاء قانون السرية المصرفية، ما زالت المنظومة متمسكة بها لتغطية جميع الموبقات والسرقات والاختلاسات وخصوصاً عمليات تبييض الأموال وتهريب المال السياسي وتوزيعه التي حصلت خلال ثلاثين عاماً. ففي موضوع السرية المصرفية تأتي مطالبة الصندوق ملطّفة بإصلاح قوانين السرية المصرفية بينما المطلوب هو إلغاؤها لفتح الباب امام المحاسبة الشاملة واستعادة الأموال الناتجة عن الفساد. ما تريده المنظومة في هذا المجال هو تمرير توليفة معيّنة لتعديل قانون السرية المصرفية او فتح امكانية رفعها مع شروط تعجيزيّة تضمن لهم عدم فتح ملفّات الماضي بينما قد يتم القبول بنسخة مخففة من السرية المصرفية يسري مفعولها على الحسابات التي ستفتح في مصارف ما بعد الأزمة.

في بلد آخر، وأزمة أخرى فيها الكثير من أوجه الشبه مع وضع لبنان الحالي، فعندما ضربت الازمة المالية ايسلندا سنة 2008 قامت السلطات بواجبها منذ اللحظة الاولى فحَمَت ودائع مواطنيها بالكامل وعاقبت المرتكبين من مصرفيين وسياسيين بشدّة سيدوم مفعولها وذكراها في مجتمعهم الى أجيال قادمة. فبالنسبة الى الشباب اللبناني الذي يسعى الى الهجرة – سواءً احببنا هذا الواقع او لا – نصيحتنا لكم أن تذهبوا الى ايسلندا، فهناك نضمن لكم أن المصارف التجارية والبنك المركزي لن تجرؤ خلال الـ500 سنة القادمة على سرقة أموالكم او المخاطرة بها او إساءة الأمانة او تركيب بونزي لسرقتكم لأن في ايسلندا دولة تقوم بواجباتها تجاه شعبها وتطبق القوانين.

مصدرنداء الوطن - جان كلود سعادة
المادة السابقةالمطاحن تفكّ “تضامنها”… وأزمة الرغيف نحو الحلحلة
المقالة القادمةالأشقر: عودة الخليجيين فرصة للبنان