تستعد أسواق النفط والغاز لأسبوع متقلب جديد من التداول بعد أن بدأت إسرائيل غزوها البري الذي كان متوقعاً منذ فترة على غزة. ولا يزال الخطر الأكبر على أسعار النفط الخام بعد الغزو يتركز في احتمال انتشار الصراع إلى دول أخرى في المنطقة.
ومعلوم أن الشرق الأوسط يوفر نحو ثلث النفط العالمي، وقالت إيران، التي تدعم حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في المنطقة، خلال عطلة نهاية الأسبوع إن التوغل الإسرائيلي “قد يجبر جميع الأطراف على التحرك”، ورغم التشكيك بقدرة إيران على التدخل إلا أن التصريحات الصادرة عن مسؤولين إيرانيين تركت تأثيرها على أسواق النفط.
وارتفع سعر النفط الخام في تداولات الجمعة عندما كثفت إسرائيل عملياتها البرية، كما صعد خام غرب تكساس الوسيط بما يصل إلى 3.2 في المئة متجاوزاً عتبة 85 دولاراً للبرميل. مع ذلك، يظل هذا السعر أقل من أعلى مستوى له منذ اندلاع الصراع، والبالغ أكثر من 90 دولاراً بقليل، حيث لم يظهر حتى الآن تأثير حقيقي للحرب على إمدادات النفط الخام العالمية.
وتخشى الصين، ثاني أكبر اقتصاد بالعالم، خصوصا من أن تتسع رقعة الحرب، وهو ما سيُكبدها خسائر اقتصادية فادحة على الرغم من أن بكين ليس لديها أي وجود مباشر في المنطقة، لكن هذا لا يعني أن مصالحها لا تتوقف على هذه المنطقة من العالم.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن لدى الصين سببا واحدا كبيرا يدفعها إلى الوقوف على الحياد مما يجري في المنطقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكذلك يجعل مصلحتها في عودة التهدئة ويثير خشيتها من اتساع رقعة الحرب والتوترات الجيوسياسية.
بالطبع السبب الواحد والكبير للصين هو النفط، حيث إن الصين هي أكبر مستورد للنفط من منطقة الخليج، إذ إن ثلث إجمالي النفط المحروق في الصين مصدره منطقة الخليج.
ويقول أندون بافلوف، كبير محللي التكرير والمنتجات النفطية في شركة كبلر للتحليل في فيينا، إن “الصين بدأت أيضاً في شراء المزيد من النفط من إيران، كما زادت الصين وارداتها من النفط الإيراني أكثر من ثلاثة أضعاف في العامين الماضيين واشترت 87 في المئة من صادرات النفط الإيرانية الشهر الماضي”.
وعلى مدى عدة أسابيع، أدى اندلاع الصراع إلى تقلبات حادة في التداولات. كما قفز أحد مقاييس تقلبات سوق النفط، والذي يقيس وتيرة تحركات الأسعار، إلى أعلى مستوياته منذ يونيو خلال الجمعة الماضي.
وقد تؤدي المناوشات المتزايدة مع حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، والتي بدأت خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلى زيادة قلق المتداولين. أما السيناريو الأسوأ بالنسبة لأسواق النفط فهو وقف الحركة البحرية في مضيق هرمز، وهو ممر مائي حيوي للنفط الخام.
أيضاً، لا تزال هناك مخاطر من حدوث المزيد من التصعيد. ودعت إيران من قبل إلى فرض حظر نفطي على إسرائيل، كما هددت باتخاذ المزيد من الإجراءات في السياق ذاته نهاية الأسبوع الماضي، دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل. وفي أواخر الأسبوع الماضي، ضربت الولايات المتحدة بعض المواقع في سوريا أيضاً، وهو ما رأى فيه البعض ناقوس خطر من أن الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم قد تتورط هي أيضا في الصراع بشكل مباشر.
وهناك أيضا التحذيرات التي صدرت بشأن الشحن في البحر الأحمر، بعد أن اعترضت حاملة طائرات أميركية في الممر المائي صواريخ أُطلقت من اليمن تجاه إسرائيل.
نتيجة لذلك، ركزت رهانات الأسواق المالية بشدة على النفط مع احتمالات توسع الصراع خارج نطاق إسرائيل وغزة. وأقبل المتداولون على عقود الخيارات التي يمكن أن تستفيد من قفزة الأسعار فوق 100 دولار للبرميل خلال الأسابيع الأخيرة.
وقال فيليب أندروز سبيد، المتخصص في سياسات النفط الصينية في جامعة سنغافورة الوطنية، “إن الصين معرضة بشدة لحالة عدم الاستقرار الحالية في الشرق الأوسط، خاصة إذا تصاعدت”.
وأضاف “لقد أصبحت الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مدمنة على النفط الأجنبي بوتيرة مذهلة. وحتى وقت قريب، في أوائل التسعينات، كانت الصين مكتفية ذاتياً من النفط. أما الآن فهي تعتمد على الواردات لحوالي 72 في المئة من احتياجاتها النفطية”.
وتقول الصحيفة الأميركية إن الصين برئاسة شي جينبينغ حافظت على أمن الطاقة باعتباره إحدى أهم أولويات البلاد طوال العقد الذي قضاه في منصبه.
وقال شي في يوليو الماضي “إن إمدادات الطاقة والأمن أمران حاسمان للتنمية الوطنية وسبل عيش الناس، وهما أمران مهمان للبلاد ولا يمكن تجاهلهما في أي لحظة”.
ولتحقيق هذه الغاية، قامت الصين باستثمارات ضخمة في السيارات الكهربائية. وقال بيل روسو، مستشار السيارات في شنغهاي، إن الصين تهيمن الآن على الإنتاج العالمي للسيارات الكهربائية، وبحلول أغسطس الماضي كانت ثلث السيارات المبيعة في الصين كهربائية.
لكن “نيويورك تايمز” تؤكد أن استهلاك النفط ظل مرتفعاً رغم طفرة السيارات الكهربائية.