الطاقة البديلة ملاذ اللبنانيين للتغلب على نقص الكهرباء

يعطي تحرك متطوعين ببلدة تولا في شمال لبنان بغية جمع تمويلات من مغتربين لإقامة مشروع لإنتاج الكهرباء بالألواح الشمسية لتأمين تغذية بالتيار دليلا آخر على فشل السياسيين في حل أزمة الكهرباء الخانقة والمتواصلة منذ ثلاث سنوات.

ولا يملك البلد الذي عانى لعقود من فساد المسؤولين مشاريع كبرى في مجال الطاقة النظيفة، ويعتمد بأكثر من 95 في المئة من الطاقة المولدة على المصادر التقليدية القائمة على الوقود والغاز الطبيعي.

وباتت العديد من البلديات تعتمد على المغتربين أو الممولين من أبنائها أو منظمات غير حكومية لوضع أنظمة الطاقة الشمسية، حتى أن أحزابا سياسية تطرح خدماتها في هذا المجال، في بلد يقوم نظامه على المحاصصة السياسية وتنتعش فيه شبكات الزبائنية.

ويقول المهندس إيلي جريج وهو أحد المتطوعين في المشروع لوكالة الصحافة الفرنسية “في الظرف الحالي، لم تعد الطاقة الشمسية مجرد بديل، بل باتت ضرورة”.

وخلال الشتاء الماضي، كان أهالي تولا يحظون بثلاث ساعات فقط يوميا من الكهرباء عبر المولدات الخاصة، ومتى حالفهم الحظ، بساعة أو ساعتين إضافيتين من مؤسسة كهرباء لبنان.

وقرّر سكان البلدة التحرّك لتأمين الطاقة، مدركين أن الدولة ومؤسساتها المفلسة والعاجزة لن تحرك ساكنا، فتواصلوا مع أقاربهم المغتربين الذين وفّروا تمويلا تجاوز مئة ألف دولار، ما سمح بنصب 185 لوحا مع الأجهزة اللازمة لتوليد الكهرباء في أرض تابعة لكنيسة.

وبالتنسيق مع البلدية، تمّ وصل الألواح بالشبكة الكهربائية التابعة لمولّد خاص لتوزيع الطاقة على منازل القرية. وتنعم القرية حاليا بالتيار لمدة 17 ساعة يوميا.

ويقول جريج “لو لم نركّب ألواح الطاقة الشمسية، لما نعمت القرية بالكهرباء بالأساس”. ويروي كيف اتصل به أحد سكان القرية ليعبّر عن فرحه برؤية الثلج للمرة الأولى منذ مدة في ثلاجة منزله.

ويعد الكهرباء من القطاعات المتداعية منذ عقود اعتاد خلالها اللبنانيون على دفع فاتورتين مقابل الحصول على التيار، واحدة للحكومة وأخرى لأصحاب المولدات التي تعوض نقص إمدادات الدولة.

لكن الانهيار الاقتصادي الذي بدأ منذ أكتوبر 2019 فاقم المشكلة بشكل مهول، ولم تعد مؤسسة كهرباء لبنان المملوكة للدولة قادرة على تأمين الإمدادات إلا لساعتين يوميا كحد أقصى، فيما السلطات عاجزة عن استيراد الفيول الكافي لتشغيل معامل الإنتاج.

ومع ارتفاع أسعار المحروقات جراء رفع الدعم الحكومي تدريجيا عنها منذ العام الماضي، لم يعد بوسع اللبنانيين دفع فواتير المولدات التي لجأ أصحابها بدورهم إلى التقنين.

وخلال أشهر، اجتاحت ألواح الطاقة الشمسية مناطق عدة، ولم يكن الدافع الرغبة بالتوجه إلى بديل صديق للبيئة أو التخفيف من الانبعاثات، بل بات الخيار الوحيد المتاح للمنازل والشركات والمؤسسات التجارية.

وفي بعض شوارع بيروت، قامت منظمة غير حكومية بمبادرة نصبت بموجبها ألواحا شمسية لتوليد كهرباء تضيء إشارات السير التي باتت معطلة تماما على معظم الأراضي اللبنانية.

وتقول جاكلين يونس مالكة محل بقالة متواضع في تولا “تذمّر الأطفال لعامين مطالبين بالمثلجات، وقد حان الوقت أخيرا”. وتضيف “ستكون لدينا مثلّجات للمرة الأولى منذ عامين”.

وفي مدينة جبيل الواقعة على بعد أكثر من ثلاثين كيلومترا شمال العاصمة بيروت، تغطّي ألواح الطاقة الشمسية موقف السيارات التابع لسوبرماركت سبينس الضخم.

ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة المالكة حسان عزالدين “أعتقد أننا سنوفر نصف كلفة الوقود من خلال تركيب ألواح الطاقة الشمسية”. وأضاف “تكلفة المحروقات اليوم هائلة. إنها كارثة ببساطة”.

وكانت الشركة تنفق بين 800 ألف و1.4 مليون دولار شهرياً لشراء المحروقات من أجل تشغيل مولدات متاجرها المنتشرة في لبنان على مدار الساعة.

وقبل سنوات أجرت الشركة دراسة للتحوّل إلى الطاقة الشمسية، وبفعل الضغوط أجلت تنفيذ المشروع مرارا، لكن في ظل الوضع الحالي “بات أمرا نحتاج إلى أن ننفذه وبسرعة”، وفق عزالدين.

وبينما توفّر ألواح الطاقة الشمسية التغذية خلال ساعات النهار، لا تزال سلسلة المتاجر تعتمد على المولدات ليلا. ويقول عزالدين إن “الحل المستدام الوحيد هو كهرباء الدولة، وكل ما عدا ذلك مجرد محاولات للتعويض عن غيابها”.

ودفع الارتفاع الحاد في فواتير المولدات الخاصة عددا هائلا من اللبنانيين إلى اعتماد الطاقة الشمسية. وأصبحت أسطح الأبنية السكنية والشرفات مكتظة بالألواح والبطاريات.

وخلال الصيف الماضي، كانت زينة صايغ أول من لجأ إلى ألواح الطاقة الشمسية في المبنى الذي تقطنه في بيروت، ثم أقدم أصحاب تسع شقق أخرى على الخطوة ذاتها خلال العام الحالي.

وتقول زينة التي كلّفها المشروع قرابة ستة آلاف دولار وباتت تعتمد حصرا على الطاقة الشمسية “صرت المتحكمة بالكهرباء، لا العكس”.

لكن اعتماد الطاقة الشمسية ليس بالأمر السهل خاصة من ناحية كلفتها في بلد فقدت عملته أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، وبات نحو 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر.

ويتبنى لبنان هدفا طموحا لتغطية 30 في المئة من استهلاكه للطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، لكنه حتى الآن عالق في متاهة التمويل وتعقيدات جذب المستثمرين بسبب الوضع القاتم التي تمر به البلاد.

وفي قرية بجنوب لبنان يروي مسؤول محلي، طالبا عدم الكشف عن هويته، أن سكانا غير ميسورين باعوا مقتنياتهم من سيارات أو مجوهرات وحتى أراض للتحول إلى الطاقة الشمسية، بعدما استنزفهم التقنين القاسي وفواتير المولدات في ظل مداخيل محدودة.

وقبل الأزمة الاقتصادية، كانت بضع شركات فقط تقدم خدمات الطاقة الشمسية، ويجهد مندوبوها لإقناع الأفراد والشركات بجدوى اعتماد هذا الخيار. لكن السوق انتعش العام الماضي وسارع كثر للاستثمار فيه.

ويقول أنطوان سكيم من شركة فري إينرجي إن السوق ازدهر إلى درجة أنّ “أي أحد بات قادرا” على الدخول إليه، ما أدى إلى وقوع حوادث عدة بينها احتراق البطاريات أو “تطاير الألواح” من على الأسطح.

ويحذّر خبراء من خطر تركيب الألواح الشمسية من دون تدابير السلامة اللازمة، فيما لا توجد أي رقابة من الدولة على الموضوع.

ويُعد قطاع الكهرباء الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساسا. ويُشكل إصلاحه أحد مطالب المانحين الدوليين الرئيسية لدعم لبنان.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالهند تضع العالم أمام معضلة فقدان الأرز من الأسواق
المقالة القادمةشقير: لا رجوع الى الأسواق المالية العالمية من دون الإتفاق مع صندوق النقد