تنتقل معامل إنتاج العرق والنبيذ، في مثل هذه الأيام من السنة، الى مرحلة أكثر نشاطاً في دورتها الإنتاجية، تتوّج في شهر تشرين الأول بقطاف آخر أنواع العنب، التي تنشغل الخمّارات منذ شهر آب بتكديسها وعصرها وتخميرها، تمهيداً لتحويلها عرقاً أو نبيذاً.
هذه العملية كانت في الماضي تفرض نمطاً إجتماعياً متشابهاً في مدينة زحلة، أكثر المدن شهرة بصناعة العرق، حتّى بعد أن تمأسس القطاع، ليصبح “BUISNESS” محكوماً بحسابات الربح والخسارة.
ومع أنّ صناعة العرق والنبيذ تبدو من القطاعات القليلة غير المتعثّرة حالياً، إضطر المصنّعون لرفع أسعار إنتاجهم قليلاً، للتعويض عن جزء من الكلفة الإضافية المترتّبة جرّاء إستيراد المواد الخام المُستخدمة في الصناعة.
تشرح كريستيان عيسى نحاس، وهي من الجيل الثالث لواحدة من أشهر ماركات النبيذ والعرق المُصنّعة زحلاوياً، أنّ سعر العنب المنتج محلياً إرتفع قليلاً، ولكن لا علاقة لذلك بالتضخّم الحاصل. أما الغلاء الحقيقي فهو في كلفة المواد الخام الأخرى row material والتي تُستورد إما بالدولار أو باليورو. ولهذا، إبتدع منتجون حلولاً عبر فتح حسابات في الخارج، ولكنّ الجزء الأكبر منهم لا يزال يعاني من شراء الدولار في السوق السوداء.
تفتقد كريستيان بالمقابل للإحتفاليات التي كانت ترافق موسم الإنتاج، من مهرجان العرق الى معارض النبيذ، والتي أُلغيت بسبب “كورونا”، و”لم تعد الظروف في لبنان ملائمة حتى نفسياً لإقامتها”. وتحدّثت عن إيجابية ولّدتها الأزمة، إذ أنه بعد سنوات من المطالبة بضرائب إضافية على المشروبات المستوردة تحمي الإنتاج المحلي، تضاءلت إمكانيات استيرادها تلقائياً نتيجة لعدم استقرار سعر الدولار، وأصبحت هذه المشروبات خارج قدرة اللبنانيين الشرائية.
إيجابية أخرى تتحدّث عنها عيسى، وهي أنّ اللبنانيين في الخارج وحتى الأجانب، صاروا عاطفيين تجاه لبنان، وهذا جعلهم يشجّعون الصناعة الوطنية، ما رفع من إمكانية تصدير النبيذ والعرق اللبنانيين.
إلا أنّ الواقع يختلف بين المعامل التي تنتج العرق والنبيذ بشكل متوازٍ، وتلك التي اقتصر إنتاجها على العرق وحده، وإمكانيات الصمود تحدّدها القدرة الإنتاجية لكلّ مصنع وحجم دورته الإنتاجية، في وقت يعتمد فتح الأسواق الخارجية على جهود المنتجين الفردية، خصوصاً في ظلّ المنافسة العالمية على أنواع النبيذ، فيما الطلب على العرق في الخارج يكاد يقتصر على المغتربين اللبنانيين..
يتحدّث أبو طارق أبو رعد، وهو من الجيل الثاني في صناعة العرق التقليدي في زحلة، عن أزمة غير مسبوقة كبّلت صناعة العرق، حتى بحجمها العائلي.
رفع أبو رعد سعر قنّينة العرق الذي يتعاون بإنتاجه مع أولاده من 18 ألف ليرة الى 26 ألفاً، ولكنّه عملياً خسر من قيمته ثمانية دولارات، وبات سعره لا يوازي كلفة الانتاج اذا ما قورن بارتفاع تكلفة اليانسون مثلاً من ثمانية آلاف ليرة الى 45 الفاً، والقوارير الخالية المستوردة وغيرها. بهذه الأرقام البسيطة يشرح أبو رعد الخسارة، مشيراً الى أنّ التعويض الأبرز يأتي من تصدير الإنتاج. ولكن بالنسبة للعرق، فإن أسواقه في الخارج تقتصر على زبائن محدّدين، وبالتالي معظم الإستهلاك يكون محلياً.
يبحث منتجو العرق في المقابل عن اقتناص فرصة من “الأزمة”، وخصوصاً بعد جهود بذلوها سابقاً لتسويق العرق كمنتج عصري يحمل جذوراً تراثية، يمكن تحويله خلطات COCKTAIL تُقدّم في أماكن السهر.
وبالرغم من كلّ الصعوبات، يرى الجيل الجديد من المنتجين بارقة أمل، تجعلهم يعوّلون على استعادة العرق والنبيذ، المصنّعين محلّياً، مكانتهما التي بدّدتها نزعة الجيل الشاب خصوصاً نحو استهلاك المشروبات المستوردة، مع طموح بتصدير أوسع لمنتجاتهم، يسمح بإدخال الأموال الطازجة الى لبنان، بدلاً من تحويلها الى الخارج.