الغاز وصندوق الثروة السيادي: من يؤتمن عليهما رقابة واستثماراً؟

من المفترض أن يُعاد هذا الأسبوع إحياء عمل اللجنة الفرعيّة المكلّفة بتحضير مسودّة مشروع قانون صندوق الثروة السيادي، الذي سيُخصص لاستيعاب وإدخار عائدات الأنشطة البتروليّة على المدى البعيد. هذه اللجنة بالتحديد، كان من المفترض أن تُنجز مهمّتها خلال العام 2019، يوم انكبّت على دراسة مجموعة من مسودّات مشاريع القوانين المقدّمة، بغية دمجها في مسودّة واحدة تصادق عليها لجنة المال الموازنة.

إلا أنّ دخول لبنان نفق الانهيار المالي، وتتالي الاستحقاقات الداهمة، شغل لجنة المال والموازنة عن استكمال هذه المهمّة. أمّا اليوم، فقرر النائب إبراهيم كنعان إعادة تحريك هذا الملف، بالتوازي مع إنجاز ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة، والاتجاه نحو استكمال أنشطة التنقيب في البلوكين 4 و9.

القانون متأخّر جدًا

طوال الفترة الماضية، ساد الاعتقاد لدى شريحة واسعة من المتابعين -بل وحتّى الاقتصاديين- بأن الوقت مازال مبكرًا لمناقشة فكرة الصندوق والعمل عليها، طالما أنّ البدء بالإنتاج والبيع متعذّر قبل عدّة سنوات من التنقيب وتطوير الحقول وتهيئة البنية التحيّة. وبخلاف ما يعتقد هؤلاء، يمكن القول أنّ العمل على مشروع قانون الصندوق تأخّر، وأنّ هناك إيرادات تحققت أساسًا وكان من المفترض أن يتم ادخارها -منذ سنوات طويلة- في هذا الصندوق.

لا يعلم المستخفّون بأهمية الإسراع بتأسيس صندوق الثروة السيادي بأنّ عائدات بيع دراسات المسح البحري كانت قد تجاوزت عام 2017 حدود 135 مليون دولار، تقاسمتها الدولة والشركات التي قامت بالمسح. كما من المفترض أنّ تكون الدولة قد استمرّت بتحصيل مبالغ إضافيّة مشابهة منذ ذلك الوقت، وأنّ تستمر بتحصيل مبالغ أخرى مع كل دورة ترخيص مقبلة. وفي الوقت الراهن، لا يوجد أي معلومات شفّافة متداولة حول حجم ومصير هذه الأموال وكيفيّة توظيفها، باستثناء ما أعلنته وزارة الطاقة والمياه في بدايات المسار البترولي، من انّها ستودع هذه المبالغ لدى مصرف لبنان.

جميع هذه المبالغ، كان من المفترض أن تودع في الصندوق السيادي وتخضع لآليّات إدارته، بوصفها إيرادات أنشطة بتروليّة مستحقة لصالح الجمهوريّة اللبنانيّة. كما من المفترض أن تتلقى الدولة أيضًا قريبًا عشرات ملايين الدولارات، في حال قررت بيع حصّتها من البلوكين 4 و9، التي استحوذت عليها بعد انسحاب شركة نوفاتيك الروسيّة من كونسورتيوم الشركات المالكة لرخص التنقيب والاستكشاف والاستخراج. وهذا المبلغ بدوره، سيكون أحد أبواب إيرادات قطاع البترول اللبناني، التي يفترض أن يتم إيداعها في هذا الصندوق، لعزلها عن سائر إيردات الدولة اللبنانيّة وضمان الشفافيّة في التعامل معها.

باختصار، تأخّر لبنان في العمل على قانون صندوق الثروة السيادي. مع الإشارة إلى أنّ عمليّة مناقشة القانون ومن ثم إقراره، ولاحقًا تعيين إدارته وكادره البشري، مسألة قد تستلزم سنوات عدّة، وهو ما سيعني إمكانيّة بلوغ مرحلة الاستخراج قبل إنجاز كل هذه الخطوات (يمكن بلوغ مرحلة الاستخراج خلال ثلاث سنوات في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا).

إشكاليّات الحوكمة والرقابة

في مشاريع القوانين السابقة، مثّلت إشكاليّة الحوكمة والرقابة، والجهة التي ستتولّى هاتين المهمّتين، مكمن الخلاف الأساسي. بعض الأفكار حاولت سابقًا تسويق وضع الصندوق تحت إشراف وإدارة حاكميّة مصرف لبنان، على اعتبار أن المصرف المركزي يملك خبرة التعامل مع الاحتياطات الماليّة وتوظيفها في الخارج، ويملك العلاقات اللازمة لذلك مع صناديق الاستثمار والمصارف المراسلة. إلا أنّ هذه الأفكار لم تعد تتسم بالواقعيّة اليوم، بعد ظهور نتائج إدارة المصرف المركزي لاحتياطاته، وكتلة الخسائر التي خلّفها ذلك، بسبب تضارب أولويّات السياسة النقديّة وأولويّة الحفاظ على الاحتياطات. كما من المعلوم أنّ خطّة التعافي المالي تتجه لهذا السبب بالتحديد نحو إعادة هيكلة مصرف لبنان وتوزيع صلاحيّات الحاكميّة، لتفادي تضارب الأولويّات هذا، ما يتعارض حكمًا مع فكرة إضافة صلاحيّة من هذا النوع لحاكميّة مصرف لبنان.

الأفكار المطروحة حاليًّا تجمع على وضع إدارة صندوق الثروة السيادي تحت إدارة جهة مستقلّة تمامًا، وحسب مبادئ سانتياغو التي عمل على إعدادها المنتدى الدولي لصناديق الثروة السياديّة. مع الإشارة إلى أنّ بعض أعضاء اللجنة الفرعيّة بدأوا بالحديث خلال الأسبوع الماضي عن ضرورة إشراك صندوق النقد الدولي في العمل على هيكلة صندوق الثروة السيادي وأطر حوكمته، لمحاولة الاستفادة من التجارب المماثلة في دول أخرى.

بعد معالجة مسألة الإشراف والإدارة، تبقى مسألة الوصاية على الصندوق، حيث تتنوّع الآراء بين من يرى ضرورة وضعه تحت وصاية وزير الماليّة، وبين من يرى أنّ الوصاية على الصندوق يفترض أن تكون من مهام رئاسة الجمهوريّة، بالنظر إلى حساسيّة دور الصندوق وأثره على الاقتصاد المحلّي. وهذه المسألة بالتحديد، ستمثّل أبرز المواد المتفجّرة والمثيرة للخلافات داخل مشروع القانون، بالنظر إلى اتصالها بالحساسيّات والاعتبارات الطائفيّة.

حسم وجهة الاستثمار والتوظيف

في العادة، يمكن تصنيف الوظائف التي تقوم بها صناديق الثروة السياديّة إلى ثلاث فئات:

– الادخار الطويل الأمد، عبر حفظ عائدات بيع النفط والغاز، لتمكين الأجيال المقبلة من الاستفادة من هذه العائدات.

– الاستثمار والتنمية الاقتصاديّة، عبر توظيف جزء من العائدات أو مردود المدخرات في استثمارات تنمويّة محليّة طويلة الأجل، بما يسمح بتحقيق أرباح معيّنة أولًا، وبتأمين السيولة لاستثمارات معيّنة ثانيًّا.

– استقرار الميزانيّة العامّة، من خلال ادخار العوائد البتروليّة خلال السنوات التي ترتفع فيها أسعار مصادر الطاقة، لاستعمالها في السنوات التي يمكن أن تنخفض فيها هذه العوائد.

بالنسبة إلى صندوق الثروة السيادي اللبناني، يتم العمل حاليًّا على تضمين القانون بنود تفرض الاحتفاظ بنحو 80% من أصول الصندوق على شكل استثمارات آمنة طويلة الأجل، مع إمكانيّة الاستفادة من فوائد وعوائد هذه الاستثمارات في المشاريع المحليّة. أمّا 20% الباقية، فيمكن استعمالها محليًّا لتمويل استثمارات معينة خاصّة بالدولة اللبنانيّة، إنما من دون تخصيص أي نسبة منها لإطفاء خسائر سابقة أو عجوزات أو تسديد ديون سياديّة.

في جميع الحالات، من المفترض أن تكون الأيام المقبلة حافلة بالمناقشات داخل اللجنة المال والموازنة، بهدف الوصول إلى المسودّة النهائيّة من قانون صندوق الثروة السياديّة، بما يسمح بحسم النقاط العالقة، وأبرزها مسألة الوصاية على الصندوق وتوزيع استثماراته. وعلى ما يبدو، ثمّة إجماع حتّى اللحظة على ضرورة تأسيس هذا الصندوق قبل البدء باستخراج الغاز من المياه البحريّة، ولو أنّ شيطان الخلافات سيظل كامنًا في تفاصيل هذا القانون.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةالمصارف تعمل بشكل طبيعي والزبون ضحية مزاج الموظفين والمدراء
المقالة القادمة“جرصة” لبنانية في القاهرة: استجداء تمويل دولي لمشاريع المياه