الغضب “الهادئ” أعجز من تحقيق مطالب القوى العاملة

مشكلة المضربين المعدودين، الذين استعانوا بقطع “الشرايين” الرئيسية بالحافلات والاطارات المشتعلة والسيارات لابقاء الناس في المنازل، و”صبغ” الاضراب بالنجاح، ليست بانخفاض تعرفة النقل إنما بتراجع تقديماتهم؛ وهم محقون في هذه النقطة بالذات. فالتعرفة في السيارات والباصات والشاحنات ترتفع بشكل متناسب مع أسعار المحروقات وقطع الغيار بالدولار، وهي تزيد عنها بأحيان كثيرة. إذ يسجل الصناعيون على سبيل المثال ارتفاع كلفة نقل المستوعب 20 قدماً، من وإلى المرفأ إلى 5 دولارات للكيلومتر الواحد، أي بمعدل 150 دولاراً نقداً لمسافة 30 كلم، فيما ترتفع الكلفة إلى 225 دولاراً للمستوعبات حجم 40 قدماً. أما الباصات التي كانت تتقاضى 2000 ليرة لنقل الراكب مسافة 40 كلم فأصبحت تعرفتها تتراوح بين 30 و35 ألف ليرة. والأمر نفسه ينسحب على السيارات العمومية، التي زادت تعرفتها وقلصت المسافة التي تقطعها بـ”السرفيس” الواحد.

لا أحد يشتغل بخسارة، وهذا حق؛ إنما المشكلة الأساسية التي تصيب العمال والموظفين عموماً، والسائقين خصوصاً، هي بتراجع التقديمات الاجتماعية. فالمؤسسات الضامنة وفي مقدمها الضمان الاجتماعي عاجزة عن تغطية فواتير الدواء والاستشفاء وبدلات نهاية الخدمة بقيمتها الحقيقية. مرد هذا العجز يعود بشكل رئيسي إلى استمرار احتساب سعر الصرف الرسمي على أساس 1515 ليرة للدولار الواحد فيما تجاوز 30 ألف ليرة في السوق السوداء. “كل المحاولات لتعديل النسب باءت بالفشل”، بحسب مصادر مطلعة على الملف. فـ”هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل رفضت في آذار الماضي طلب مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي د. محمد كركي باستيفاء الضمان للاشتراكات عن الرواتب المحددة بالعملة الأجنبية، وعن المبالغ المدفوعة بشكل استثنائي بسبب الأزمة على غير سعر 1057.5”. وقد استندت الهيئة بقرارها على المادة 35 من قانون موازنة 2020، وأيضاً على القانون 193 (الدولار الطالبي) تاريخ 16/10/2020، اللذين يحددان سعر الصرف الرسمي بـ 1057.5 ليرة للدولار.

الخبير الاقتصادي وعضو لجنة المؤشر د. أنيس بوذياب يعتبر من جهته أن “توحيد سعر الصرف، أو حتى تحريره مهم جداً وضروري، شرط أن يأتي من ضمن الخطة الشاملة. أمّا إذا جرى تطبيقه منفرداً ومستقلاً عن سياق خطة التعافي، فسيكون واحداً من الاجراءات النقدية التي تعمق الأزمة ولا تحلها. ذلك أن توحيد سعر الصرف على مستويات أعلى بكثير من السعر الرسمي، سينعكس ارتفاعاً في أسعار كل السلع والخدمات والقروض والمعاملات التي ما زالت تحتسب على سعر 1507.5 مثل: الكهرباء، الهاتف، المياه، قروض المصارف، الضرائب، الرسوم والايجارات… وبالتالي ستنخفض القدرة الشرائية للمستهلكين أكثر، ولا سيما إن لم تترافق مثل هذه الخطوة مع العجز عن رفع الأجور وتأمين الحماية الاجتماعية ودعم الأسر الفقيرة”. أما على المستوى النقدي فان تخفيض سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى 8000 ليرة أو حتى أقل سيؤدي إلى تكبير الكتلة النقدية بالليرة، و”من دون وجود قطاع مصرفي سليم وفعّال قادر على امتصاص الفائض واستعماله بما يخدم الاقتصاد من خلال ضخه بأوراق مالية وخلافه… فان هذه الكتلة المتضخمة ستنفجر في وجه المواطن”، برأي بوذياب، “مما يعمق المآسي ويزيد من تدهور سعر الصرف وارتفاع الأسعار”.

إنطلاقاً من هذا، يعتبر بوذياب بانه لم يعد هناك إمكانية للخلاص إلا من خلال الاستعانة بصندوق النقد الدولي، ولكي نصل إلى هذا المبتغى علينا تطبيق الاصلاحات، والتي من ضمنها التحرير المربوط لسعر الصرف وعندها تحل كل المشاكل التي تواجهنا اليوم في ما خص الاجور والرواتب والاقتطاعات والتقديمات تلقائياً. إنما المشكلة أن هناك أفرقاء في الداخل لا يرغبون في الدخول ببرنامج مع صندوق النقد الدولي مفضلين استمرار التمسك بمصالحهم الضيقة في المصارف والكهرباء والمرافق العامة”.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةتضاعف مبيعات السيارات المستعملة: سباق مع رفع الدولار الجمركيّ
المقالة القادمةسيناريو “الغضب” وخيبات النقل البري